تسعى السلطات الجزائرية لصياغة مشهد إعلامي جديد يجري التحضير له عبر قانون ينظم القطاع السمعي والبصري والمكتوب وحتى المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، ما جعل البعض ينتقد المبادرة معتبرا إياها خطوة نحو الحد من حرية الصحافة حيث اختفت في السنوات الأخيرة العديد من المنابر الإعلامية.
الجزائر – خاطب رئيس البرلمان الجزائري إعلام بلاده في ندوة متخصصة بالقول “لا نملي عليكم ما تكتبون، لكن قولوا الحقيقة”، وهي رسالة واضحة من السلطة إلى الفاعلين في المشهد، لصياغة مشهد إعلامي جديد يجري التحضير له عبر قانون تتم مناقشته حاليا لتأطير وتنظيم القطاع وفق مقاربة تقطع مع ما تسميه بـ”الفوضى” و”تغلغل المال الفاسد”.
وذكر رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي أن “المادة الإعلامية لها ارتباط وثيق بالرقي الحضاري وبالمنظومة الفكرية للمجتمع، وسلاح وجب حسن استعماله للدفاع عن المكتسبات وعن القيم والخصوصيات التي تميز المجتمع، وكذلك في صد التكالب ومحاولات الاختراق وزعزعة الأوضاع”.
ووضعت الحكومة مؤخرا مشروع قانون إعلام جديد لدى هيئة البرلمان من أجل مناقشته والمصادقة عليه، في خطوة تستهدف حسب المسوغات التي وردت فيه، التكيف مع مضمون دستور العام 2020، الذي انتقل من الاعتماد إلى التصريح لدى الجهات المختصة، عند إنشاء المؤسسات الإعلامية، وقطع الطريق على “الفوضى” و”تغلغل المال الفاسد”.
السلطة الجزائرية بصدد وضع معالم مشهد إعلامي جديد رغم ما يتردد حول تهديد لآخر مكتسبات التعددية الإعلامية
ويبدو أن السلطة التي أطرت عمل الفواعل السياسية والأهلية منذ العام 2020، بصدد وضع معالم مشهد إعلامي جديد، رغم ما يتردد حول تهديد لآخر مكتسبات التعددية الإعلامية، حيث اختفت في السنوات الأخيرة العديد من المنابر الإعلامية، كما تم في غضون هذا الأسبوع تشميع مقر “راديو أم” وموقع “مغرب ايمارجان”، وتوقيف مالكهما المعروف بخطة المناوئ للسلطة.
وقال رئيس الغرفة الأول للبرلمان في ندوة “ضوابط الخدمة العمومية ضمن التشريع الإعلامي في الجزائر” إن “هدف الإعلام من جهة كونه محتوى ومضامين فيكون الأمر متعلقا بالدفاع عن الجزائر ومكتسباتها ومصالحها وعلى وحدة مكوناتها وما تزخر به من تنوع وثراء، ومن جهة كونه نشاطا اقتصاديا فيجب أن تكون له مواده المالية المستدامة حتى يتسنى له مواصلة دوره في توجيه وصنع الرأي العام الوطني”.
وأضاف “النصوص الجديدة اقترحت وضع قانون أساسي خاص يحدد شروط ممارسة المهنة والحقوق والواجبات المرتبطة بها، كما أنها اقترحت أيضا وضع ميثاق يحمي الصحافي والمجتمع من خطر الإعلام المغرض وخطاب التمييز والكراهية”.
وأبرز ما جاء في مشروع القانون الجديد، هو وضع دفتر شروط لإنشاء المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، حيث اشترط الجنسية الجزائرية على كل من يريد امتلاك مؤسسة في القطاع، فضلا عن توضيح مصادر التمويل وتوزيعها بين الشركاء، إلى جانب التكيف مع محتوى الدستور، الذي ينص على التصريح، وعلى قرار الغلق بواسطة القضاء.
ولفت المتحدث إلى أن “هذه التدابير التي جاءت في سياق باتت فيه الساحة الإعلامية تموج بمواد إعلامية تبث عن طريق مواقع الواب أتاحت للجميع أن يكون صحافيا ناقلا للأخبار، ولذلك فهي على كثرتها تبقى مواد غير قابلة للتمحيص وتنقصها الكثير من المصداقية”، في إشارة إلى الفوضى التي عمت القطاع في السنوات الأخيرة، حيث تراجعت عيون الرقابة على منتوج الناشطين على شبكة الإنترنت.
لكن في المقابل يرى ناشطون سياسيون وحقوقيون أن الحريات الإعلامية تراجعت كثيرا بالبلاد في السنوات الأخيرة، حيث تفرط السلطة في فرض مقاربة أحادية تبتعد عن المهنية والاحترافية، وتحول الإعلام إلى لسان حال باسم السلطة وليس باسم الدولة، وهو ما يجسده التصنيف الذي تحتله الجزائر في تقرير منظمة مراسلون بلا حدود.
وأكد في هذا الشأن المحامي والحقوقي سعيد زاهي بأن “قرار تشميع مبنى راديو أم وموقع مغرب ايمارجان، وتوقيف المالك الإعلامي إحسان القاضي، هو خطوة خطيرة ورسالة مشفرة لكل الأصوات الإعلامية التي تغرد خارج خطاب السلطة”.
وشدد على أن نوايا السلطة باتت واضحة في ترويض السلطة الرابعة، لتصبح كغيرها من السلطات والمؤسسات مجرد هيئات ملحقة بها، وهو ما يريده مشروع قانون الإعلام الجديد، الذي تضمن المزيد من الحدود والخطوط ولم يقدم أي ضمانات للحريات الصحفية ولعمل المهنيين.
ويبدو أن السلطة تريد التمسك بحصرية تمويل المؤسسات الإعلامية والسهر على مصادر تمويلها تفاديا لتجارب سابقة، كان فيها رجال مال وأعمال هم أرباب مؤسسات إعلامية، قبل أن يثبت لديها ضلوع هؤلاء في ملفات فساد مالي وسياسي، كما هو الشأن بالنسبة إلى رجلي الأعمال علي حداد ومحيي الدين طحكوت المسجونين، واللذان كانا يملكان مجمعين إعلاميين خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة. وهو ما ركز عليه رئيس الغرفة الأولى للبرلمان بوغالي بالقول “عهد الفوضى الإعلامية وتغول المال الفاسد في وسائل الإعلام انتهى، نحن لن نملي عليكم ما تقولون، لكن على الأقل وجب قول الحقيقة”.
العرب