مثّل اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير لمجمع المسجد الأقصى أول أمس الثلاثاء إعلانا كاشفا عن طريقة فهم زعيم «القوة اليهودية» وشركائه في الاتجاه العنصري المتطرّف داخل إسرائيل لقدرتهم على التحكم في مسار حكومة بنيامين نتنياهو.
أولويات نتنياهو، التي أعلن عنها مع استلامه المنصب، كانت موجّهة للخارج: استكمال مسار التطبيع مع الدول العربية ومواجهة إيران، وقد باشر بتطبيقها مع التمهيد لقمة في المغرب للدول المنضمة لـ»اتفاقيات ابراهام» يبدأ التنسيق لها بزيارة للإمارات، وهو ما قابله بن غفير باستخفاف، عبر تجاهل طلب نتنياهو تأجيل اقتحامه للأقصى وإعادة توجيه البوصلة السياسية للحكومة نحو الداخل لتحقيق وعوده الانتخابية بتفعيل آليات السيطرة اليهودية على الأقصى، واستهداف الأسرى الأمنيين الفلسطينيين.
أمام هذا الاختلال في «الأولويات» أعلن نتنياهو عن تأجيل زيارته للإمارات «لأسباب فنية»، غير أن حراجة موقفه تبدّت أكثر مع اضطراره للدفاع عن موقف بن غفير، حيث قال إن هناك «وزراء حجوا أكثر من مرة إلى الحرم في السنوات الأخيرة، بينهم وزير الأمن الداخلي الأسبق جلعاد أردان»، وهو ما يعني أن فعلة بن غفير ليست أمرا مستجدا في السياسة الإسرائيلية.
رأت صحيفة «هآرتس» أن الحقيقة التي كان على نتنياهو قولها ببساطة هي أنه ليست لديه سيطرة على بن غفير، وأن استفزاز بن غفير هو جزء من الثمن الذي دفعه ليصبح رئيس وزراء.
بتحالفه مع بن غفير ونظرائه مثل سموتريتش ودرعي، لم يعد نتنياهو، عمليا، قادرا على أن يكون رئيسا فعليا للحكومة، وجعل هؤلاء، وأغلبهم مدانون بجرائم سابقة، يتحكمون بمصيره، وعبر المناصب الخطيرة التي استلموها، سيتحكمون أيضا بمسار الصراع مع الفلسطينيين، وبمسار التطبيع مع الدول العربية، وربما، إذا فلتت الأمور من عقالها، بمصير المنطقة. إضافة إلى كون هذا التحالف موجّها لإنقاذ عنق نتنياهو من القضاء الذي يرفع عليه دعاوى عديدة، وأنه فرصته الأخيرة، على الأغلب، للتحكم بالقضاء، ولوقف مسار ذهابه إلى السجن، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية لا يختلف، على أي حال، عن حلفائه هؤلاء المستعجلين للولوغ بدماء الفلسطينيين، إلا بخبرته السياسية وعلاقاته الخارجية التي تراهن على الموازنة بين فتح أبواب التطبيع مع العرب، بالتوازي مع الاستيلاء التدريجي على الأراضي الفلسطينية، والانتهاك المبرمج لحقوق الشعب الفلسطيني.
حركة بن غفير، «وزير السيرك القومي» كما وصفته الصحافة الإسرائيلية، كشفت نقاط ضعف نتنياهو، وأكدت على حاجته، هو أيضا، لبعض الحركات «البهلوانية» لإنقاذ التوازنات الحرجة، بين التطبيع مع الدول العربية، واستهداف الحرم القدسي (الذي هو تحت الوصاية الأردنية)، ووعود الوزراء العنصريين للمستوطنين، والمواجهة مع القضاء الإسرائيلي، وفوق ذلك أيضا، الانزعاج الأمريكي من التقارب مع روسيا.
القدس العربي