على ذمّة وكالة بلومبرغ للأنباء فقد حصلت صفقة بين تركيا والإمارات وروسيا يشكل الاعتراف بشرعية رئيس النظام بشار الأسد، وإعادة الاعتبار إليه، واحدا من أهم بنودها.
معلوم أن إدارتي الحكم في أنقرة وأبو ظبي كانتا، بعد انطلاق موجة «الربيع العربي»، على طرفي نقيض يقارب الصراع الوجودي، وأن جولات الخلاف بينهما امتدّت على رقعة واسعة، تبدأ من تركيا نفسها، مرورا بسوريا، فمصر وليبيا وتونس وقطر وإيران، كما توسعت أشكال النزاع في الجغرافيا السياسية للعالم، من الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكم دونالد ترامب، إلى أشكال من الاتفاقات الإماراتية مع روسيا فلاديمير بوتين، التي اشتبك حلفاؤهما في ليبيا وسوريا بشكل حاد ومباشر مع تركيا وحلفائها، وصولا إلى محاولة حصار أنقرة بتفاهمات عسكرية، أو لحصار مجالها للتنقيب على النفط والغاز في المتوسط، مع إسرائيل واليونان وقبرص ومصر.
لعب العامل السوريّ أيضا دورا كبيرا في الخلافات بين روسيا وتركيا، وتمثل حادثة إسقاط أنقرة لطائرة سوخوي 24 روسية عام 2015 إحدى نقاط هذه الخلافات، كما تواجه الطرفان، بعد ذلك، في العديد من المواقع، أهمّها الهجوم الكبير الذي شنته روسيا والنظام وتمكّنت خلاله من استعادة السيطرة على حلب عام 2016، ويبدو أن هذا الحدث أدى لإحساس في أنقرة بوجود اتفاق روسي – غربي على إبقاء الأسد.
تغيّرت التوازنات التركية – الروسية بالتدريج، بدءا من الإحباط المتولّد لدى الأتراك من خذلان «حلف الأطلسي» لهم حينها في مواجهة موسكو، ورفض الغرب تشكيل «منطقة آمنة» تسيطر عليها تركيا داخل سوريا، بالترافق مع الخلافات على استخدام القواعد الأمريكية في تركيا، والاتهامات للغرب بالتواطؤ مع محاولة الانقلاب العسكريّ على حكم «العدالة والتنمية» (بالتزامن مع اتهامات لأبو ظبي أيضا بدعم الانقلابيين)، وصولا إلى ما تعتبره تركيا مشكلة أمنية كبيرة شكّلها تمدد حزب العمال الكردستاني، بالاتفاق مع نظام الأسد، في المناطق السورية، قبل أن يصبح، شبه دولة، ترعاها أمريكا عسكريا، وتهيمن على جزء كبير من الحدود السورية مع تركيا.
حضر الموضوع السوري إذن في مجمل تفاصيل الخلافات السياسية – العسكرية الهائلة بين الأطراف الثلاثة، وفي حين كانت تركيا، منذ البداية، موئلا للمعارضة السورية، وطرفا رئيسيا في محاولة إسقاط نظام الأسد، وكانت الإمارات توازن بين موقف دعم بعض أطراف المعارضة السورية، ودعم النظام ماليا، واستقبال شخصيات بارزة محسوبة عليه، كانت روسيا هي الطرف الذي رجّح إمكانية بقاء النظام عبر التدخّل العسكري الكبير والمباشر عام 2015. تتجه سلطات الحكم في أنقرة، إذن، نحو تطبيع مباشر مع النظام السوري، يتوّج بلقاء بين الرئيس رجب طيب اردوغان، وبشار الأسد، يرجّح أن يكون في موسكو، ويبدو أن هناك عاملين رئيسيين وراء هذا الموقف، الأول هو الرد على رفض واشنطن لعمل عسكري تركي لإزاحة حزب العمال الكردستاني من الحدود التركية – السورية، والثاني هو التفاوض مع النظام على عودة اللاجئين، وهو رد أيضا على المعارضة التركيّة وسحب لهذه الورقة منها خلال الانتخابات التركية المقبلة، ويتوقّع أن تحصل أنقرة أيضا على تعديل في «اتفاق أضنة» مع النظام السوري، يسمح لها بالتحرك عسكريا بعمق 35 كم في حال تعرض أمنها القومي للخطر.
تمثّل هذه اللحظة، على أي حال، نقلة مهمة في خطوط التعارض والتقاطع الإقليمية والعالمية، وسيكون مثيرا ترقب ردود الفعل الممكنة، من أمريكا وإيران وإسرائيل، ردا على هذا الاجتماع.
القدس العربي