الضغوط الاقتصادية تخنق مواطني مناطق النظام السوري

الضغوط الاقتصادية تخنق مواطني مناطق النظام السوري

دمشق – شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري خلال الأشهر الماضية أزمات اقتصادية متتالية، بدءا من نقص حاد في الوقود عطل الحياة فيها وصولا إلى انخفاض سعر الليرة مقابل الدولار الأميركي إلى مستويات قياسية.

ورفع النظام خلال العام الماضي أسعار الوقود أكثر من مرة، كان آخرها منتصف ديسمبر 2020، حيث رفع أسعار مشتقات النفط بين 15 في المئة و22.5 في المئة.

وهذا الارتفاع وصل بشريحة من الأسر هناك إلى عجزها عن تأمين الوقود لسياراتها ووقود التدفئة، فيما انخفض سعر صرف الليرة إلى مستوى قياسي غير مسبوق وبلغ 6 آلاف لكل دولار.

ولسد الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وفي السوق السوداء، قال البنك المركزي السوري الأسبوع الماضي إنه خفض سعر الصرف الرسمي لعملته إلى 4522 ليرة لكل دولار، نزولا من السعر الرسمي السابق البالغ 3015.

وتزامنت الأزمات الاقتصادية في مناطق النظام مع استمرار عقوبات “قانون قيصر” التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام السوري نهاية عام 2019.

كما وقع الرئيس الأميركي جو بايدن في ديسمبر الماضي ميزانية الدفاع لعام 2023، التي تتضمن “قانون مكافحة المخدرات التي يديرها النظام السوري”، الأمر الذي سيضيق الخناق أكثر على النظام.

ومع فشل روسيا في تحسين صورة النظام السوري دوليا خلال السنوات الماضية، فشلت كذلك بمشروع “التعافي المبكر” الذي حاول النظام تسويقه في المجتمع الدولي العام الماضي، وذلك بسبب غياب جهات ودول مانحة.

وفي ظل غياب أفق الحل السياسي في البلاد، يتوقع مراقبون أن تتوالى الأزمات الاقتصادية خلال الفترات القادمة، مجمعين على أن ضحيتها الأكبر هم المواطنون الذين انخفضت قوتهم الشرائية بشكل غير مسبوق، حيث بلغ متوسط الرواتب والأجور أقل من 20 دولارا شهريا.

ويقول يحيى السيد عمر رئيس مركز ترندز للدراسات الاقتصادية إن اقتصاد النظام السوري يعاني منذ سنوات من أزمة متصاعدة.

ولا يبدو أن لهذه الأزمة حلولا مرتقبة، “لذلك ومنذ عدة سنوات تسعى حكومة النظام لكسب الوقت، من خلال محاولة التعايش معها ونقلها للسوريين، وذلك في انتظار حدوث تغيرات إقليمية أو دولية في صالحها”، بحسب السيد عمر.

ويتابع “من حيث قدرة حكومة النظام على الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية، فإنه ووفقا للمنطق الاقتصادي يفترض أن يسقط النظام من عدة سنوات، لكنه يقوم وبشكل مستمر وبنجاح بنقل تأثيرات الأزمة إلى السوريين”.

الأزمات الاقتصادية في مناطق النظام تزامنت مع استمرار عقوبات “قانون قيصر”

وأضاف “غالبية الأزمات لم تؤثر على حكومة النظام، ففي أزمة المحروقات على سبيل المثال، شلت حركة السوريين وتوقفت الحياة الاقتصادية، دون أن تتأثر الحكومة بشكل مباشر، وهذا ينسحب على مختلف الأزمات”.

وفي ما يتعلق برفع سعر الصرف الرسمي إلى 4000 ليرة للدولار الواحد و4500 ليرة للدولار في ما يتعلق بالحوالات الخارجية، يوضح السيد عمر “أن تأثير هذا التعديل موجود، لكنه محدود، فهو يقلل من العبء المالي على حكومة النظام من حيث تكلفة تمويل المستوردات”.

ويلفت إلى أنه “لا يمكن توقع انتعاش اقتصاد النظام دون تقديم دعم خارجي سخي، أو في حال عودة حقول النفط شرق البلاد إليه، وهذا الأمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن”.

ويضيف “حتى وفي حال حدوث انفراجات سياسية، فانعكاسات هذه الانفراجات على اقتصاد النظام ليس بالضرورة أن تظهر مباشرة، فهي تحتاج لوقت طويل نسبيا، لذلك من المتوقع استمرار النمط الحالي القائم على التعايش مع الواقع”.

ويقول المستشار الاقتصادي أسامة القاضي إنه لم يطرأ أي جديد على الاقتصاد السوري كتركيبة من حيث السلع والخدمات.

ويضيف القاضي أن النشاط الاقتصادي في مناطق النظام لا يتجاوز 10 في المئة من الطاقة الاقتصادية للبلاد، فيما تتجاوز نسبة البطالة 70 في المئة والفقر 90 في المئة.

نسبة مساهمة التجارة والصناعة في الاقتصاد بسيطة جدا، والدخل الأكبر يأتي من تجارة الكبتاغون والمخدرات

ويتابع “هناك طبقتان فقط في سوريا، الثرية والفقيرة، ولم تعد هناك طبقة وسطى أو التي تحتها”، لافتا إلى أن الراتب الشهري لأكبر موظف في النظام لا يتجاوز 250 ألف ليرة (أقل من 40 دولارا).

ويوضح “لم يعد هناك معنى للبطالة بمفهوم البطالة في سوريا، لأن حتى الذي يعمل لا يستطيع سد رمقه سوى 4 إلى 5 أيام في الشهر لأنه يحتاج إلى أكثر من مليون ونصف ليرة سوري شهريا، بينما تتراوح الرواتب الشهرية بين 100 و200 ألف ليرة”.

وبيّن القاضي أنه “حتى سعر العملة في سوريا غير حقيقي ولا يعكس واقع الاقتصاد السوري المنهار”.

وأوضح أن “نسبة مساهمة التجارة والصناعة في الاقتصاد بسيطة جدا، والدخل الأكبر يأتي من تجارة الكبتاغون والمخدرات حيث تقدر القيمة السوقية لها من 3 إلى 5 مليارات دولار”.

ويلفت إلى أن التضييق على تجارة الكبتاغون على الحدود الأردنية بدعم مالي أميركي وفقا للقانون الجديد، سيزيد الضغط على اقتصاد النظام السوري، معتبرا أن الأردن سيستفيد من الجزء الأكبر من المساعدات الأميركية لمكافحة تهريب المخدرات من سوريا والبالغ قيمتها 400 مليون دولار.

ويتابع القاضي “حتى الدول التي تحاول مساعدة النظام وتعويمه (خدمته)، فإنها تصطدم بقانون قيصر وتعرض نفسها للعقوبات في حال قامت بذلك”، مشيرا إلى أن الواقع الدولي لحلفاء النظام يؤشر على أن عام 2023 سيكون “أسوأ” من العام السابق.

العرب