أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “أوبينيوم” Opinium لأبحاث السوق، بطلب من حملة “الأفضل لبريطانيا” Best for Britain [نظمها ناشطون في المجتمع المدني عام 2017، لمناوئة “بريكست”]، أن ناخباً من كل ثلاثة ناخبين في حزب “المحافظين”، بات يرى الآن أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبيتسبب في مشكلات للمملكة المتحدة تفوق الحلول التي كانت متوقعة منه.
حملة “الأفضل لبريطانيا” كانت تحاول منعنا من إدارة ظهرنا للاتحاد الأوروبي، وقد تحولت الآن إلى حملة تدعو إلى التفاهم بين الأمم وتسعى إلى علاقة أوثق مع الاتحاد الأوروبي، من هنا قد يبدو الدافع وراء طلبها إجراء هذا البحث واضحاً.
إلا أن “أوبينيوم”- وهي شركة استطلاعات تحظى بسمعة محترمة وغير متحيزة- تتوافق نتائج بحثها مع جميع استطلاعات الرأي الأخرى المتعلقة بهذا الموضوع. وقد التقت في الواقع آراء غالبية الجمهور البريطاني (باستثناء الذين أجابوا بـ”لا أعرف”) على أن قرار مغادرة المملكة المتحدة الكتلة الأوروبية كان خاطئاً. فالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي سلك مساراً سيئاً، وعلينا الآن أن نعاود الانضمام إلى الكتلة على الفور.
لكن مهلاً يجب تفسير نتائج استطلاعات الرأي بعناية. فعلى سبيل المثال، ربما يكون آخر طرح في شأن معاودة الانضمام إلى الاتحاد دليلاً ضعيفاً لما يمكن أن يحدث فعلاً إذا تم تنظيم استفتاء آخر.
فاستطلاعات الرأي التي تسأل الناس كيف سيصوتون في مثل هذا الاستفتاء، تجد مستوى أقل من التأييد لمعاودة انضمام بريطانيا إلى الكتلة الأوروبية، إذا كان السؤال يذكر المستجوبين بأن الانضمام مجدداً قد يعني أن تكون البلاد جزءاً من حرية تنقل الأشخاص من مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، ومساهمة المملكة المتحدة مجدداً في موازنة الاتحاد، وقبول السلطة القضائية لـ”محكمة العدل” التابعة للاتحاد الأوروبي، (هذا من دون ذكر عملة اليورو، لأن الناس يمكن أن يتجادلوا إلى ما لا نهاية، حول ما إذا كان تبني العملة النقدية الأوروبية “مطلباً” لعضوية الاتحاد الأوروبي، أو ما إذا كان بإمكان بريطانيا التظاهر بأنها تنوي الانضمام إليها، كما تفعل السويد).
لكن ما لا يمكن الشك فيه هو النتائج التي توصلت إليها حملة “الأفضل لبريطانيا” التي تؤكد أن غالبية الناس (57 في المئة) يعتقدون أن “بريكست” تسبب بمشكلات أكثر مما قدم حلولاً للبلاد. فبعد فترة وجيزة من الاستفتاء، التي مضى عليها قرابة سبعة أعوام، بات الناس يعتقدون أن الحكومة تتعامل بشكل سيئ مع الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. وهذا ليس بالأمر المستغرب، فبمعزل عن بعض الاستثناءات البارزة كإدارة برنامج لقاحات “كوفيد”، يعتقد البريطانيون أن حكومتهم تتعامل مع معظم الأمور على نحو سيئ.
مع مرور الوقت، تحول ذلك إلى وجهة نظر مفادها أن المغادرة البريطانية للاتحاد الأوروبي كانت سيئة للبلاد. لكن هذا يمكن أن يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. فبالنسبة إلى ما لا يقل عن 48 في المئة من الناخبين في البداية، لم يكن الانسحاب من الكتلة الأوروبية جيداً بمقدار البقاء فيها. وبالنسبة إلى الآخرين كان فكرة جيدة إلا أن تنفيذها سلك مساراً خاطئاً.
كذلك الذين يعتقدون بفشل الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فقد انقسموا هم أيضاً إلى معسكرات مختلفة. البعض منهم- على طريقة “الثورة تلتهم أبناءها”- هم راديكاليو حركة المغادرة الذين يشكون من أن المملكة المتحدة لم تتحول إلى دولة الضرائب المنخفضة والقيود التنظيمية المخففة، لتصبح هونغ كونغ قبالة ساحل إمبراطورية البر الرئيس. ولا أعتقد أن كثيرين يتبنون وجهة النظر هذه بين الأشخاص العاديين.
أظن أن هناك مجموعة أكبر بكثير من ناخبي الخروج [من الاتحاد الأوروبي] الذين باتوا يفضلون- الآن بعدما أصبح الوضع حرجاً- أن تكون لدى بريطانيا علاقة تجارية أوثق مع الاتحاد الأوروبي، طالما أنه يمكننا وضع حد لحرية الحركة والبقاء خارج البنية الفوقية السياسية لأوروبا فيدرالية.
كانت تلك بالتحديد الصفقة التي تفاوضت عليها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، وكانت أيضاً صفقة جيدة على نحو مثير للذهول. وكان يفترض بأعضاء البرلمان من حزب “العمال” أن يصوتوا لمصلحة ذلك الاتفاق، لكن كثيرين أداروا رؤوسهم عنه ولم يستمعوا لنداءات التحذير التي أصدرتها مجموعات مثل “الأفضل لبريطانيا”، مدفوعين باعتقاد أنه يمكن لجم مسار الخروج من الكتلة الأوروبية بشكل كامل.
لذا، أعتقد أن أفضل طريقة لتفسير استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن معظم البريطانيين يعانون من “ريغريكست” Regrexit [الندم على قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي] تتلخص في أن غالبية الناس تعتبر أنه تم التعامل مع “بريكست” بشكل سيئ. وكانوا يفضلون خروجاً بريطانياً من الكتلة الأوروبية أكثر نعومة. ولو كانت عملية عكس البريكست بسيطة وغير مؤلمة، فقد تكون هناك أغلبية تؤيدها الآن. لكن الأمر لن يكون بسيطاً أو غير مؤلم، وقد تكون لدى الكثير من الناخبين أفكار مختلفة عن حقيقة الأوضاع على الجانب الآخر من السياج، وما إذا كان البقاء خارج السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي لنحو عامين (منذ يناير عام 2021) هي حقاً مدة طويلة بما يكفي للتأكد من ذلك.
هذا طبعاً قبل أن نفكر في الأمر من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي: فقادته قد يرغبون في إعادتنا إلى كنفهم، لأنه سيكون بمثابة اعتراف منا بأنهم كانوا على حق طيلة الوقت، في تحذيرنا من أن الحياة لن تكون نزهة في الخارج. لكن هل يريدون حقاً خوض كل تلك المفاوضات والنقاش في شروط معاودة الانضمام مع شريك يعتقدون أنه سيكون دائماً عضواً متردداً ومزعزعاً لناديهم؟
لهذا السبب، فإن وجهة نظري تتمثل في أن بريطانيا ستقودها المصلحة الذاتية الاقتصادية إلى علاقة أوثق مع سوق الاتحاد الأوروبي، أياً كان الحزب الذي سيفوز في الانتخابات المقبلة في المملكة المتحدة، وبغض النظر عما سيقوله قبل إجرائها. ومع ذلك، ما زلت أعتقد أن معاودة الانضمام إلى المنظومة الأوروبية ستبقى مساراً طويلاً جداً- تماماً كما تعتقد حملة “الأفضل لبريطانيا”، التي تناضل من أجل علاقات أوثق، بدلاً من تقديم طلب فوري لتجديد عضوية المملكة المتحدة في الكتلة الأوروبية.
اندبندت عربي