مع فرض روسيا أولى العقوبات الاقتصادية على تركيا ردا على إسقاط طيرانها مقاتلة سوخوي 24 روسية على الحدود السورية يطرح السؤال عن مصير تحالف الغاز والطاقة بين موسكو وأنقرة، خاصة مشروع خطوط أنابيب “تركيش ستريم” الذي يراهن عليه الطرفان بدرجات مختلفة.
وأمام تصعيد المسؤولين الروس لهجتهم تجاه تركيا حيث ذهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حد اتهام القيادة التركية الحالية بالعمل على أسلمة البلاد فإن الاهتمام يتجه نحو القرار الروسي بشأن إمدادات الغاز الطبيعي إلى تركيا.
إلى حد الساعة لا تزال معاملات الغاز بين البلدين في مأمن من تداعيات تلك الواقعة العسكرية التي تنذر بمزيد من التوتر بين الطرفين، خاصة أنها على طرفي نقيض في التعاطي مع الأزمة السورية، إذ تعتبر روسيا أحد أبرز الداعمين لنظام الرئيس بشار الأسد بينما تطالب تركيا برحيله.
وخلافا لما بدر من تصريحات وما اتخذ من قرارات عقابية في حق تركيا أكد عدد من المسؤولين الروس أن إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا لا تزال متواصلة، إذ تعتبر تركيا ثاني مستورد للغاز الروسي بعد ألمانيا، ويشكل ذلك نسبة 60% مما يستهلكه الأتراك من الغاز، وتصل تلك الإمدادات للبيوت التركية عبر خط أنابيب “بلو ستريم”.
من جانبه، لم يتطرق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أول ظهور إعلامي له بقمة للطاقة في إسطنبول بعد إسقاط طائرة سوخوي لمستقبل الشراكة مع روسيا، خاصة في قطاع الغاز والطاقة.
رهانات مختلفة
ويمثل قطاع الغاز والطاقة مجالا مهما في صلب العلاقات بين الطرفين على المستويين الإستراتيجي والاقتصادي، وهو ما تجسد في اللقاء الذي جمع قبل نحو عام في أنقرة بين الرئيس أردوغان ونظيره الروسي بوتين اللذين أعلنا عن “تحالف غازي” بين الجانبين عنوانه البارز مشروع خطوط أنابيب “تركيش ستريم”.
وترى موسكو في ذك المشروع معبرا بديلا عن الأراضي الأوكرانية في تصدير غازها إلى أوروبا، وتعتبره تركيا فرصة لتعزيز دورها كنقطة مركزية في تجارة الغاز على الساحة الدولية. وكان متوقعا أن يرى ذلك المشروع النور عام 2016، لكن المفاوضات بشأنه تعثرت بسبب خلافات بشأن الأسعار وتمويل بناء الأنابيب في البحر الأسود.
وكانت روسيا تراهن على ذلك المشروع سياسيا للإفلات من الشروط التي تفرضها أوروبا على تصدير وتوزيع الغاز ولتفادي الأراضي الأوكرانية بعد أن توترت العلاقات بين كييف وموسكو وضمت الأخيرة شبه جزيرة القرم.
في مقابل ذلك، تراهن تركيا على مشروع آخر أكثر حيوية وأهمية إستراتيجية ويتمثل في خط أنابيب “تاناب” الذي سيبلغ طوله حوالي ألفي كيلومتر، ويتوقع أن يبدأ نقل الغاز بدءا من عام 2019 انطلاقا من أذربيجان عبر أراضي جورجيا وتركيا، وصولا إلى الحدود مع بلغاريا واليونان.
“رجب طيب أردوغان: إذا توقف الروس عن بناء المحطة النووية في مرسين (جنوب تركيا) فإن أطرافا أخرى ستتولى تنفيذ المشروع”
مستقبل النووي
وفي ظل الظرفية العالمية لقطاع الطاقة والانخفاض الحاد بأسعار النفط يبدو أن القيادة الروسية ليست على استعداد لوضع مصالحها الاقتصادية مع تركيا -وتحديدا في قطاع الغاز- في ميزان الحسابات السياسية المحكومة دوما بنواميس التقلب والتبدل.
وإلى جانب الغاز يعتبر القطاع النووي مجالا حساسا في العلاقات بين روسيا وتركيا، إذ يعمل تحالف شركات روسيا على بناء أول محطة نووية تركية في إطار صفقة تقدر قيمتها بحوالي 19 مليار يورو، أنفق الروس منها لحد الساعة قرابة ملياري يورو دون أن يعرف مصير المشروع.
وفي هذا المجال أيضا تبدو تركيا قادرة على الاستغناء عن خدمات الروس، إذ لمح الرئيس أردوغان في تصريحات له في مطلع الشهر الماضي -أي بعد حوالي أسبوع من بدء التدخل الروسي في سوريا واختراق طائرات روسية المجال الجوي التركي- إلى أنه إذا توقف الروس عن بناء المحطة النووية في مرسين (جنوب تركيا) فإن أطرافا أخرى ستتولى تنفيذ المشروع.
المحفوظ فضيلي
الجزيرة نت