احتجاجات إيران هدأت، لكن النظام لا يستطيع إعلان النصر

احتجاجات إيران هدأت، لكن النظام لا يستطيع إعلان النصر

دعا بعض حلفاء النظام في إيران، بمن فيهم نشطاء مرتبطون بالحرس الثوري الإسلامي، الحرس الأميري للنظام، إلى مزيد من التسوية مع المحتجين وتخفيف شرط ارتداء النساء الحجاب. وحذر رؤساء سابقون من الرد على الاضطرابات بقبضة من حديد. في الشوارع، تبدو الشرطة متوترة. وقال أحد السائقين الذي واجه شرطيًا: “شعرت بالخوف في عينيه. بدا وكأنه يتعذب بالاختيار بين واجبه تجاه زعيمه وواجبه تجاه بلده”.
* * *
ربما يطلق المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، تنهيدة ارتياح الآن. بعد وفاة مهسا أميني، وهي امرأة شابة ألقي القبض عليها في أيلول (سبتمبر) لعدم ارتدائها الحجاب “المناسب”، شهدت البلاد احتجاجات يومية عارمة، العديد منها بقيادة النساء. والآن، بعد أربعة أشهر من بدء الاحتجاجات، تلاشت صيحات “المرأة، الحياة، الحرية”. أصبح حرم الجامعات، حيث استمرت المظاهرات لأطول فترة، تشبه القلاع التي يسيطر عليها حراس الأمن والكاميرات. وثمة وفرة في اللافتات التي تمتدح الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، ما يزال الإيرانيون في حالة من الغليان.
حكم النظام على أكثر من مائة متظاهر بالإعدام بعد محاكمات سريعة بالتهمة الشاملة، “الإفساد في الأرض”، وشنق أربعة منهم. كما حبس ما يقرب من 20 ألف شخص، من بينهم بعض من كبار لاعبي كرة القدم ونجوم السينما والصحفيين والطلاب. وأصبح الاتصال الرقمي في البلاد مقيدًا الآن أكثر من أي وقت مضى. ويقول صحفي إيراني: “يشعر المزيد من الناس الآن بخيبة الأمل ويعودون إلى حياتهم”.
كان السيد خامنئي بطيئًا في الاستجابة للاحتجاجات في البداية، لكنّ الزعيم الناجي من مرض السرطان البالغ من العمر 83 عامًا يبدو نشيطًا الآن. فهو يلقي خطبًا منتظمة بالمؤمنين، ويخاطب التجمعات الواسعة من النساء اللواتي يرتدين الشادور الأسود في أحد الأيام، ويخاطب رجال الدين الذين يرتدون العمامات في اليوم التالي. ويقول بصوت مرعد إن مثيري الشغب “خائنون”، ويهدد بعقوبة الإعدام لكل من يشكك في حكمه.
وعلى النقيض من ذلك، أصبح خصومه هادئين في الغالب. لم تعد الشعارات المكونة من مقاطع متناغمة تُسمع. وطُمست بالطلاء كتاباتهم على الجدران. وكان الإيرانيون قد تعهدوا بعد حملات القمع السابقة بالبقاء في أماكانهم. والآن يخطط الكثيرون منهم للمغادرة.
ومع ذلك، سيكون خامنئي مخطئًا إذا استنتج أنه فاز. فالإيرانيون ما يزالون يتحدّون. وقد سُمعت مؤخرًا امرأة مسنة تصرخ في الشرطة التي طلبت منها ارتداء الحجاب في عربة للنساء فقط في مترو طهران: “انصرفوا وإلا سأخلع بنطالي أيضًا”. وقد عاد الفصل بين الجنسين في مقاصف الجامعات، لكن الطلاب والطالبات يتناولون وجبات الغداء معًا في الخارج.
كما أن الاحتجاجات لم تختف بالكامل أيضًا. فقد أعادت مناسبة إحياء ذكرى طائرة ركاب أسقطها النظام عن طريق الخطأ في العام 2020 إشعالها للمرة الأولى منذ شهر. في التاسع من كانون الثاني (يناير)، نظم المئات من المحتجين مسيرة إلى سجن في كرج بالقرب من طهران، حيث كان من المقرر شنق متظاهرَين آخرين. ورددوا هتافات “سوف أقتل قاتل أخي” فيما أطلقت قوات الأمن النار عليهم. ولم يتم تنفيذ أحكام الإعدام بعد.
قد يشعر خامنئي بالقلق أيضًا من الانقسامات بين حلفائه. فقد دعا البعض، بما في ذلك نشطاء مرتبطون بالحرس الثوري الإسلامي، الحرس الأميري للنظام، إلى مزيد من التسوية مع المحتجين وتخفيف شرط ارتداء النساء الحجاب. وحذر رؤساء سابقون من الرد على الاضطرابات بقبضة من حديد. في الشوارع، تبدو الشرطة متوترة. وقال أحد السائقين الذي واجه شرطيًا: “شعرت بالخوف في عينيه. بدا وكأنه يتعذب بالاختيار بين واجبه تجاه زعيمه وواجبه تجاه بلده”.
ولعل الأسوأ من ذلك بالنسبة لخامنئي أن دولته أصبحت في حالة من الفوضى. لقد تراجعت الإضرابات المنظمة، لكن الإيرانيين الراغبين في السفر في جميع أنحاء البلاد يكافحون للعثور على تذاكر للطائرات والقطارات والحافلات. وفقد الريال الإيراني 50 بالمائة من قيمته مقابل الدولار منذ آب (أغسطس) 2021. ومع تصاعد التضخم، يلجأ الكثيرون إلى المقايضة. في تطبيقات الهواتف الذكية، يمكنك الحصول على قميص رسمي مقابل بعض الدجاج. وفي الوقت الحالي، يواصل النظام دعم أسعار البنزين بسعر الريال، مما يعني أن اللتر يكلف ما يعادل خمسة سنتات أميركية. ولكن، بالنظر إلى العقوبات القاسية، يتوقع القليلون أن يستمر ذلك. وكان ارتفاع أسعار البنزين قد أثار اضطرابات في البلاد في السابق. وعندما تأتي المرحلة التالية، قد يجد خامنئي صعوبة في تهدئة غضب شعبه.

الغد