قررت الحكومة العراقية تنفيذ قانون إلغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة خلال أيام بهدف خفض النفقات الخاصة بالأمن والتنقل بنسب كبيرة تنسجم مع الاستقرار الأمني النسبي الذي تشهده البلاد.
وأقر مجلس النواب العراقي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وتحت ضغط التظاهرات الاحتجاجية في بغداد ومدن الجنوب قانون إلغاء الامتيازات المالية للمسؤولين، لكن القانون ظل معطلاً طيلة هذه الأعوام وحتى الأيام الماضية التي قرر فيها مجلس الوزراء العراقي تنفيذه بأسرع وقت ممكن.
ومنذ عام 2003 أصدرت الحكومات المتعاقبة والبرلمان سلسلة من القوانين تعطي امتيازات واسعة للمسؤولين العراقيين عبر تشكيل أفواج حمايات واسعة لهم وتخصيصات علاج وسفر كبيرة، فضلاً عن تخصيصات مفتوحة للطعام والشراب بلغت أرقاماً كبيرة، تحديداً في زمن الحكومة الثانية لنوري المالكي والممتدة من عام 2010 إلى 2014.
تعليمات التنفيذ
أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء التعليمات الخاصة بقرارها رقم 23030 لعام 2023 والمتضمن تسهيل تنفيذ قانون إلغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة العراقية.
ويشمل القانون الذي نشرت تعليمات تنفيذه الأمانة العامة لمجلس الوزراء منع تخصيص أية مبالغ مالية للعلاج ضمن موازنة 2023 لرئاسة الجمهورية والوزراء ومجلس القضاء الأعلى وجميع الوزارات العراقية والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات، فضلاً عن منع صرف بدلات إيجار للمسؤولين ممن يمتلكون عقاراً في محافظة بغداد وسحب جميع السيارات التي تزيد على الحد المقرر وسحب جميع السيارات المخصصة للمسؤولين السابقين بعد عام 2003 خلال 60 يوماً.
ويمنع القانون صرف أية مبالغ من خزانة الدولة لغرض استئجار الطائرات الخاصة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء إلا للوفود الرسمية.
وضمن التوجيهات التي أصدرتها الحكومة العراقية في شأن القانون دعوة وزارة الداخلية إلى سحب أفواج الحماية من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والوزراء السابقين والشخصيات السياسية من عام 2003 خلال مدة لا تزيد على 60 يوماً، وسيحدد القائد العام للقوات المسلحة عناصر الحماية بما لا يزيد على نصف العدد المقرر لأقرانهم المستمرين بالخدمة.
نموذج العبادي
رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري بيّن أن إلغاء امتيازات المسؤولين هو جزء من البرنامج الحكومي الذي وعد السوداني بتنفيذه، لكنه أشار إلى أن هذا الأمر سيواجه بالرفض من بعض الأطراف.
وقال الشمري إن “ذلك يشكل ترجمة للبرنامج الحكومي ومحاولة لكسب الشارع العراقي الذي بات مستاء بشكل كبير من الامتيازات الكبيرة للمسؤولين”، متوقعاً أن “يخلق هذا القرار موجة من التأييد الشعبي، لكن تنفيذه ربما يصطدم بعراقيل كبيرة”.
وأضاف أن من الضروري أن تكون شاخصة أمامنا تلك القرارات التي اتخذها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي عام 2015 بإلغاء جملة من امتيازات المسؤولين في جميع الموارد، وكذلك إلغاء مناصب، موضحاً أن البرلمان وقتها أعرب عن استيائه وألغى قرارات الحكومة، بالتالي لم تطبق.
وكان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أجرى عام 2015 عدداً من حزم الإصلاحات التي صادق عليها مجلس النواب العراقي وتضمنت فضلاً عن إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئاسة الوزراء، قرارات بتقليص عدد المسؤولين واتخاذ سلسلة من الإجراءات القانونية الأخرى.
وتابع الشمري أن “هناك صراعاً على السلطة وجزءاً منه الامتيازات، بالتالي لا أتصور أن القوى السياسية ستمضي بهذه القرارات، وربما تكون هناك نية صادقة لتنفيذ البرنامج الحكومي، لكن في النهاية ستصطدم القرارات بصراع القوى السياسية على الامتيازات”، مشيراً إلى أن تنفيذها أمر صعب جداً، فضلاً عن أن القوى السياسية قد تتمرد على هذه القرارات وتنقلب على السوداني في تطبيقها”.
واستبعد أن يصل تمرد القوى السياسية إلى حد إطاحة السوداني، مردفاً أن هذه القرارات سترفض من بعض الأطراف و”الإطار” سيكون مضطراً إلى الصمت.
إيقاف هدر كبير
يرى المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن إلغاء امتيازات المسؤولين سيعمل على تقليل الهدر في المال العام ويوفر حوالى 3.4 مليار دولار.
وقال إن “هناك تضخماً في حجم تلك الامتيازات وأعداد المشمولين بها ويجب إعادة النظر فيها، بخاصة في ظل تحسن الوضع الأمني، من خلال تقليل السيارات المصفحة وعدد أفراد الحماية”، مبيناً أن “هؤلاء يشكلون مصاريف إضافية ستسهم في إعادة الضغط على النفقات التشغيلية وتحويلها نحو المنتج”.
وأضاف قصي أن “تنفيذ القانون سيساعد في إجراء مصالحة بين المسؤول والشعب، فكلما اقترب الأول من حياة الطبقات الوسطى سيشعر بمعاناتها”، مشيراً إلى وجود طبقة من المسؤولين يمتلكون الثروة ولا يتجاوز تعدادهم واحداً في المئة من الشعب العراقي، وتتركز الملكية لديهم وفق هذه الامتيازات، مما أدى إلى زيادة الفجوة بينهم والطبقات الأخرى من المجتمع”.
وأوضح أن “عملية المراجعة ضرورية، لكن يجب أن لا تكون بشكل مطلق، فمثلاً بعض الطائرات الخاصة تستأجر للوفود الرسمية، ونحن مع إظهار العراق بالشكل اللائق لأن هذه الوفود لا تمثل أنفسها بل تمثل دولها”، معتبراً أن ضغط مستوى الإنفاق على جميع العناوين سيساعد في إجراء تدوير للأموال الفائضة وخلق فرص عمل للعاطلين والمنتجين ومنح إعانات للعاطلين من العمل، كما سيسهم في كسب ثقة الشعب بالنظام الحكومي الحالي.
وأشار قصي إلى أن هناك 5000 مسؤول عراقي مشمول بالقانون وكل واحد منهم يكلف الخزانة العراقية نحو مليار دينار سنوياً (680 ألف دولار)، لافتاً إلى أن مجموع ما ينفق على هؤلاء وحمايتهم وعلاجهم وأسرهم يبلغ 5 تريليونات دينار (3.4 مليار دولار).
اندبندت عربي