مهمة معقدة لإدارة التوازن في علاقة بغداد بواشنطن وطهران

مهمة معقدة لإدارة التوازن في علاقة بغداد بواشنطن وطهران

يتجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى بناء علاقات عراقية متوازنة بين الولايات المتحدة وإيران الدولتين الأكثر نفوذا وتأثيرا في مسارات السياسة العراقية.

لكن السوداني يسعى لبناء علاقات تحالف مع الولايات المتحدة كتلك التي بين الأخيرة ودول أخرى مثل السعودية وتحدث عنها في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، ونشرتها الأحد 15 يناير الجاري. وفي هذه المقابلة، قال السوداني إنه يعتزم إرسال وفد رفيع المستوى إلى واشنطن في فبراير المقبل لإجراء محادثات مع المسؤولين الأميركيين.

وشدد على أن العراق يود أن تكون علاقاته مع الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي تتمتع بها السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج، مضيفا أنه لا يرى أنه من المستحيل أن تكون للعراق علاقات جيدة مع إيران والولايات المتحدة.

ومن المهم لحكومة السوداني تجنب أيّ توتر في العلاقات مع واشنطن حتى لا يُقدم البنك الفيدرالي الأميركي، الذي يفرض وصاية على الأموال العراقية، على اتخاذ عقوبات تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق حاليا، وخاصة مع تراجع أسعار صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي.

السوداني يدرك ضرورة الحياد في التوترات بين واشنطن وطهران، وعدم السماح بتحويل بغداد إلى ساحة صراع بينهما

كما أن العراق لا يزال في حاجة إلى إعادة تأهيل قواته الأمنية وتدريبها على أيدي مستشارين أميركيين وتوريد المزيد من الأسلحة والذخائر والمعدات القتالية الأميركية.

وفي بغداد، بحث وفد أميركي برئاسة نائب مساعد الرئيس الأميركي منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، الاثنين 16 يناير الجاري، مع السوداني جملة من الملفات خلال أول لقاء من نوعه بين مسؤول أميركي رفيع ورئيس الحكومة العراقية الجديدة التي شكلها حلفاء إيران في “الإطار التنسيقي” نهاية أكتوبر الماضي.

ووفق بيان للسفارة الأميركية ببغداد، فإن الوفد الأميركي أكد التزام الرئيس الأميركي جو بايدن باتفاقية “الإطار الإستراتيجي” مع العراق وتعزيز التنسيق بين البلدين لدعم “إصلاحات” الحكومة العراقية في مجالات الطاقة والبنية التحتية والمناخ.

كما أكدت واشنطن التزامها بتقديم المشورة والتمكين والمساعدة للقوات الأمنية العراقية في قتالها ضد تنظيم داعش، وضمان عدم عودة التنظيم في الجارتين العراق وسوريا.

ومنذ أن تولى السوداني رئاسة الحكومة اعتمد سياسة جديدة في إطار جهود بناء الدولة العراقية ومكافحة الفساد ضمن حملة طالت العشرات من كبار المسؤولين السابقين ورجال الأعمال والمستثمرين في محاولة لاجتثاث الفساد واستعادة أموال الدولة.

وتعمل الولايات المتحدة على تعزيز فرص اندماج العراق في محيطه العربي عبر مشاريع البنية التحتية المشتركة والاستثمارات.

وأوائل فبراير المقبل، سيصل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى واشنطن للمشاركة في رئاسة اللجنة التنسيقية العليا لاتفاقية “الإطار الإستراتيجي” مع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن.

وعبر تقنية الاتصال المرئي عُقدت، في 11 يونيو 2020، أول جولة مناقشات في إطار الحوار الإستراتيجي بين البلدين في أجواء من التوترات الأميركية ـ الإيرانية، بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية قرب مطار بغداد وزيادة هجمات المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران على المنشآت والقوات الأميركية في العراق.

وتتهم عواصم إقليمية وغربية، في مقدمتها واشنطن، إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينها العراق، بينما تقول طهران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.

وبين العراق والولايات المتحدة علاقات صداقة وتعاون قائمة على مبادئ اتفاق “الإطار الاستراتيجي” المبرم عام 2008 بين حكومتي رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، القيادي الأبرز في “الإطار التنسيقي”، والرئيس الأميركي حينها جورج بوش الابن.

الولايات المتحدة تبدي اهتماما خاصا بعلاقات بغداد مع إقليم كردستان شمال العراق، وترى أن هناك تقدما في حل الخلافات بين الجانبين

وتبدي الولايات المتحدة اهتماما خاصا بعلاقات بغداد مع إقليم كردستان شمال العراق، وترى أن هناك تقدما في حل الخلافات بين الجانبين بشأن إيرادات الطاقة وصادراتها.

وإلى أربيل، توجه الوفد الأميركي للاجتماع مع رئيس إقليم كردستان شمال العراق نيجيرفان بارزاني ومسؤولين آخرين أبرزهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.

ويُتوقع أن تتطرق المباحثات إلى الخلافات بين الحزبين الكرديين وسبل تخفيف التوترات بينهما، إلى جانب القوات الأميركية في العراق والإقليم الذي شهد قبل يوم واحد لقاءً بين رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني والقائد العام لقوات التحالف الدولي بالعراق وسوريا ماثيو ماكفرلين لبحث استمرار التحالف في مواجهة تهديدات داعش وتعزيز قدرات القوات الأمنية للإقليم.

وخلافا لتوجهات قوى “الإطار التنسيقي” الحليف لإيران، صرح السوداني في المقابلة مع الصحيفة الأميركية بحاجة بلاده إلى القوات الأميركية في الحرب على الإرهاب.

ولم يتطرق بيان السفارة الأميركية ولا بيان للمكتب الإعلامي للسوداني لما يتعلق بجدولة الانسحاب الأميركي من العراق أو إخراج القوات الأميركية من العراق، وهو ما تدفع به قوى سياسية وفصائل مسلحة حليفة لطهران نجحت في تمرير قرار برلماني يلزم الحكومة بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد.

وبعد يومين من مقتل سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبومهدي المهندس، تبنى مجلس النواب العراقي في 5 يناير 2020 قرارا يلزم حكومة رئيس الوزراء آنذاك مصطفى الكاظمي بإخراج جميع القوات الأجنبية من العراق.

لكن حكومة الكاظمي لم تلتزم بالقرار وأعلنت إعادة انتشار القوات الأميركية وتحويل مهامها إلى “غير قتالية” تتعلق بتقديم الاستشارات والتدريب للقوات الأمنية لاستمرار مواجهة داعش.

وتدرك حكومة السوداني والقادة العسكريون العراقيون حاجة البلاد إلى بقاء ما يكفي من القوات الأميركية لفترة زمنية محددة في قاعدتي أربيل وعين الأسد، لضمان منع التهديدات المحتملة من داعش أو السماح له بإعادة بناء قدراته القتالية.

Thumbnail

وكذلك لمنع القوات الحليفة لطهران من زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة انطلاقا من العراق، وضرورة وقوف بغداد على الحياد في التوترات بين واشنطن وطهران، وعدم السماح بتحويل الأراضي العراقية إلى ساحة صراع بينهما يكون العراق هو الخاسر فيها. ويتبنى “الإطار التنسيقي”، الذي يقود حكومة السوداني، إخراج القوات الأميركية عبر القنوات الدبلوماسية أو القوة العسكرية.

ووجهت حركة حقوق، إحدى قوى “الإطار التنسيقي” ويُعتقد أنها تمثل الجناح السياسي لكتائب “حزب الله العراقي”، انتقادا لتصريحات السوداني التي أعلن فيها عن استمرار حاجة العراق إلى القوات الأميركية، بالرغم من قرار البرلمان بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد.

وبعبوات ناسفة وصواريخ وطائرات مسيّرة شن مسلحون المئات من الهجمات على أرتال الدعم اللوجستي والمرافق الدبلوماسية الأميركية في بغداد وأربيل والبصرة وقواعد عراقية تتواجد فيها قوات أميركية.

لكن جميع هذه العمليات توقفت منذ أن أعلن رئيس التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، في يونيو 2022، سحب نوابه الـ73 من البرلمان، وهو ما فتح الباب واسعا أمام “الإطار التنسيقي” لتشكيل الحكومة بالرغم من خسارته للانتخابات البرلمانية المبكرة في 10 أكتوبر2021.

وتزامنت زيارة الوفد الأميركي مع زيارة تحدثت عنها وسائل إعلام محلية يجريها قائد “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني إلى العراق، في إشارة إلى أن واشنطن وطهران تحاولان إعادة ترتيب الأوضاع في العراق بما يخدم مصالح كليهما.

وهذا التنافس يأتي في ظل تقارير إعلامية عن خلافات تشوب علاقات السوداني بقيادات “الإطار التنسيقي”، بعد أن بات السوداني يقترب أكثر من واشنطن والعواصم العربية، وهو ما تراه هذه القيادات تهديدا لمصالح إيران ونفوذها في العراق.

صحيفة العرب