قالت مجلة “إيكونوميست” في محور خاص خصصته لتركيا والعلاقات الخارجية ومآلات الديمقراطية إن أنقرة تبحث عن مصالحة مع النظام السوري، الذي حاولت مرة أن تطيح به، مشيرة إلى أن أي مصالحة لو حدثت فلن تعني الكثير لملايين السوريين الذين يعيشون في الفقر.
وأضافت أن النظامين كانا صديقين لكن أي محلل نفسي جيد يعرف أن العلاقة بينهما عبثية، فقد تبادلا على مدى السنوات الماضية الشتائم، واستخدم أحدهما سبابا مثل “الإرهابي” و”السفاح” و”قاتل الأطفال”. أما الثاني فقد كانت لديه اختياراته من السباب مثل “السارق” و”القاتل” و”الموظف السابق لدى الأمريكيين”.
وتظل الكلمات كلمات، لكن هناك أفعال، ومن الصعب الغفران لصديق دعم رجالا أردوا قتلك، وفي الدبلوماسية يمكن الغفران لكل شيء أو على الأقل نسيانه رسميا. وبتشجيع من روسيا، تتجه سوريا وتركيا نحو التقارب، إذ التقى الشهر الماضي وزيرا الدفاع ومسؤولو المخابرات من البلدين لأول مرة منذ أكثر من عقد. وتبع ذلك شائعات عن لقاء قريب بين وزيري خارجية أنقرة ودمشق، وتم تأجيل اللقاء بينهما عدة مرات.
ولدى البلدين أسبابهما للتقارب وهناك أيضا معوقات. وسواء تم اللقاء أم لم يتم فاللقاءات المؤجلة تقدم الكثير عن وضع سوريا.
وبعد 12 عاما على أول تظاهرة ضده، يمكن الحديث عن بشار الأسد بطريقتين، الأولى كـ”ناج” استطاع تجاوز التمرد وظل ممسكا بالسلطة ويخرج تدريجيا من عزلته. أما الثانية كـ”متسول” لديه القليل من الأصدقاء وبلد محطم.
وتعلق المجلة أن كلا الوصفين صحيح، فهو ناج ومتسول، انتصر في الحرب وخسر السلام. ومن السهل رؤية السبب الذي يدعو الأسد للتصالح مع تركيا التي تسيطر على 5% من الأراضي السورية ويعيش فيها ربع سكان سوريا. ومن ناحية أخرى، استئناف العلاقات مع تركيا سيكون انقلابا دبلوماسيا، بسبب دعم أنقرة المعارضة ولكونها عضوا في حلف الناتو.
وبالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، له أسبابه الخاصة، فوجود 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا أصبح مصدر مضايقة له، وقضية مفيدة لمعارضيه لاستخدامها في الانتخابات المقبلة.
ويريد الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، التفكير بأن التطبيع مع نظام الأسد، سيحل مشكلة اللاجئين مع أن هذا لن يحدث على الأرجح.
وتلعب دول أخرى دورا منها روسيا التي ساعدت في عام 2015 الأسد على تجنب الهزيمة وتقيم علاقات عميقة إن لم تكن معقدة مع تركيا. وسيشعر فلاديمير بوتين، بالنشوة لرؤية دولة حليفة للغرب تتعامل مع منبوذ للغرب.
سيشعر فلاديمير بوتين بالنشوة لرؤية دولة حليفة للغرب تتعامل مع منبوذ للغرب
وهناك الإمارات الراغبة بلعب دور الوسيط والتي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018 ورحبت بالأسد في أول زيارة له لدولة عربية منذ بداية الانتفاضة. وسافر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في 4 كانون الثاني/يناير حيث عقد محادثات مع الأسد.
وتعلق المجلة أن لقاء أردوغان- الأسد لو حصل، لن تكون التوقعات منه كبيرة، فالأسد يريد من تركيا الانسحاب من الأراضي التي تسيطر عليها، وعليه بالمقابل تحمل مسؤولية الحد من نشاطات قوات حماية الشعب الكردية أو واي بي جي التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال- شرق سوريا، وسيكون في وضع ضعيف للحد من نشاطاتهم. وحتى لو حصل على فرصة صورة مع أردوغان، فلن يسحب الأخير قواته.
وتقول المجلة إن هذا بات ملمحا دائما حيث يخرج الأسد من عزلته في الشرق الأوسط إن لم يكن الغرب بدون أن يكون لديه ما يقدمه. فمن ناحية كان الأسد يأمل من أن تفتح العلاقات مع الإمارات بوابة دخول الأموال للإعمار، وحتى وإن لم تكن العقوبات الأمريكية على سوريا سببا، فالشركات الإماراتية لم تصطف في طوابير لكي تستثمر أموالها ودعم النخبة الفاسدة.
ولم يساعد أصدقاء سوريا القدامى أيضا، إذ لم تستثمر روسيا أبدا في البلاد باستثناء حصولها على امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز والفوسفات، وهذه الاستثمارات هي من أجل تحقيق الربح لروسيا وليس إنعاش الاقتصاد.
لم يساعد أصدقاء سوريا القدامى دمشق، إذ لم تستثمر روسيا أبدا في البلاد باستثناء حصولها على امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز والفوسفات، وهو من أجل تحقيق الربح لها وليس لإنعاش الاقتصاد السوري
ونفس الأمر ينطبق على إيران التي ظلت المورد الرئيس للنفط إلى سوريا، ولكنها في الأشهر الأخيرة باتت تمدها بالقليل منه، وهي تفضل بيع ما تستطيع منه إلى الصين بسعر قريب من أسعار السوق ومقدما. ونتيجة لهذا فقد توقفت محطات توليد الطاقة في سوريا هذا الشتاء، وسط انقطاع التيار الكهرباء لما يقرب عن 22 ساعة في اليوم، وتقف السيارات لساعات طويلة من أجل البنزين.
وأعلن النظام في كانون الأول/ديسمبر عن عطلة عامة أغلقت فيها أبواب المدارس والمكاتب الحكومية وتوقفت فيها النقليات العامة بسبب أزمة الوقود. وارتفعت أسعار الخشب وتقوم العائلات بحرق ما يتوفر لديها كي تدفئ المنازل.
وبدون مصادر للعملة الصعبة، تعاني المالية الحكومية من فوضى. ويظل الصادر الوحيد من سوريا هو مادة الكبتاغون.
وفي 2 كانون الثاني/يناير خفضت الدولة من سعر الصرف بنسبة 30% أي 4.522 ليرة سورية للدولار، وهو سعر أفضل من السوق السوداء التي يباع فيها الدولار بـ 6.500 ليرة. وصادقت الحكومة في الشهر الماضي على ميزانية بـ 16.6 تريليون ليرة، بنسبة 12% لدعم المواد الأساسية، وأقل من العام الماضي.
يعيش 90% من السوريين تحت خطر الفقر مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية بنسبة 80% في الفترة ما بين 2019- 2021
ويقول صندوق الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن 90% من السوريين يعيشون تحت خطر الفقر وارتفعت أسعار المواد الأساسية بنسبة 80% في الفترة ما بين 2019- 2021.
وترى المجلة أن الوضع البائس في سوريا يمثل إشارة لأعداء الأسد، بخاصة في واشنطن ان العقوبات ناجحة، فكلما زاد الضغط المعيشي كلما زادت احتمالات الثورة الشعبية. إلا أن هذه الرؤية لا تحظى بشعبية بين جيران سوريا وحتى القوى المعارضة للنظام التي تقول إن تفتيش الناس عن الخشب لتدفئة منازلهم لا يجعلهم قوى قادرة على قيادة الثورات. ورأي الفريق الأخير صحيح حتى الآن، فباستثناء تظاهرات في منطقة السويداء لم تشهد سوريا احتجاجات ضد النظام. وهذا أمر مطمئن للأسد الذي وإن لم يعد شخصية غير مرغوب بها في عواصم المنطقة إلا أنه لم يعثر بعد على شخص مستعد لدفن ملياراته لإعمار البلد المحطم. ولو خرجت سوريا من العزلة هذا الشتاء، فسيكون مجرد كلام فقط.
القدس العربي