ترشيح أكرم إمام أوغلو أفضل فرصة للديمقراطية التركية

ترشيح أكرم إمام أوغلو أفضل فرصة للديمقراطية التركية

يسعى تحالف المعارضة التركية لصياغة برنامج موحد ودخول الانتخابات الرئاسية في مايو المقبل، لكن لا يزال يتعين عليه التوافق حول مرشح لمنافسة رجب طيب أردوغان على الرئاسة. وعادة ما تصب خلافات المعارضة بشأن إستراتيجية الانتخابات وأنانية بعض رموزها لصالح خصمها أردوغان، لكن الأمور تبدو هذه المرة مختلفة.

واشنطن – ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إجراء أهم انتخابات في العالم في عام 2023 وذلك في الرابع عشر مايو المقبل، إلا أن حظوظه في الاحتفاظ بالسلطة ليست مريحة كما في السنوات الماضية إذا ما تمكنت المعارضة من توحيد صفوفها والتمترس خلف مرشح واحد في مواجهة أردوغان، وهو ما ليس متاحا حتى الآن.

ويقول الدكتور سنان سيدي خبير السياسات التركية والزميل غير المقيم بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن هذا يعني تقديم موعد الانتخابات أكثر من شهر عن الموعد المقرر من قبل وهو الثامن عشر يونيو. كما أنه تاريخ رمزي يمثل أول انتخابات حرة ونزيهة أجريت في تركيا عام 1950 عندما هزم الحزب الديمقراطي الوليد بزعامة عدنان مندريس حزب الشعب الجمهوري (حزب مصطفى كمال أتاتورك) في فوز ساحق.

وبعد 73 عاما، سوف تكون المفارقة واضحة للغاية، فقد كتب شوكت سورييا أيديمير المؤرخ المخضرم للجمهورية الأولى ومؤلف السير الذاتية لأتاتورك وخليفته عصمت إينونو يقول “إن القوات المسلحة التركية في مايو 1950 وقفت على أهبة الاستعداد للاحتفاظ بالقيادة لحزب الشعب الجمهوري، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات”.

ووفقا لأيديمير، كان إينونو هو الذي أصر على أن أكبر هزيمة لحزب الشعب الجمهوري (في الانتخابات) ستكون أعظم انتصار له، حيث سوف تسهل لأول مرة الانتقال السلمي للسلطة من الحزب المؤسس للجمهورية إلى الحزب المنتخب المحبوب الذي اختاره الشعب.

ويقول سيدي إن أردوغان يبدو غير مهتم بتكرار التاريخ. فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية هذا العام فرصة يسعى فيها أردوغان وحزبه الحاكم، العدالة والتنمية، للاحتفاظ بالسلطة وليسا مهتمين بتحقيق هذا الهدف بالوسائل الديمقراطية.

ويضيف سيدي أنه على العكس سوف تُجرى الانتخابات تحت ظلال مشهد سلطوي ينضج بسرعة. فأحد أكثر المرشحين احتمالا والذي تتوفر لديه فرصة جيدة لهزيمة أردوغان هو عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو. ولمنعه من منافسة أردوغان، فرضت المحاكم الموالية للرئيس التركي حظرا سياسيا على أوغلو يحول دون توليه الرئاسة إذا ما رشح نفسه وفاز.

وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن تغلق المحكمة الدستورية ثاني أكبر الأحزاب شعبية في صفوف المعارضة، حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد. وإغلاقه يعني أن نصيبه من الأصوات سوف يعاد توزيعه على باقي الأحزاب والمرشحين في الانتخابات.

وذكر الزعيم الكردي المعتقل صلاح الدين دميرتاش أن محاولة حظر حزبه اليساري جزء من خطط الرئيس التركي لإثارة “فوضى” في صفوف المعارضة التركية قبل الانتخابات هذا العام، لكنه قال إن هذا لن ينقذ الرئيس من الهزيمة بعد عقدين في السلطة.

وفي تصريحات أدلى بها دميرتاش لرويترز من سجن أدرنة في شمال غرب تركيا، حث الزعيم الكردي كتلة المعارضة الرئيسية في البلاد على التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد للفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

لكن مستقبل حزب الشعوب الديمقراطي ليس مضمونا بالمرة. فقد طالب محام بإغلاق الحزب لصلاته بالمسلحين الأكراد، في تتويج لحملة استمرت سنوات ضد ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي.

وقال دميرتاش الذي لم يعد زعيما للحزب لكنه لا يزال شخصية سياسية رئيسية رغم سجنه منذ 2016، إن أردوغان وشريكه دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية يقفان خلف المساعي القانونية لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي.

وأضاف دميرتاش في إجابات مكتوبة على أسئلة نقلها إليه الحزب إن “هدف هذين الاثنين هو الفوز بالانتخابات من خلال إحداث فراغ وفوضى في صفوف المعارضة وإضعاف حزب الشعوب الديمقراطي قبل الانتخابات”. ووصف التوقيت بأنه “خيار سياسي متعمد”.

وإذا لم يُحظر حزب الشعوب الديمقراطي الذي يدعمه الأكراد أساسا، فإنه سيلعب على الأرجح دورا أساسيا في تحديد الفائز في الانتخابات.

ويخطط الحزب حاليا لطرح مرشحه الخاص للرئاسة، لكن دميرتاش لم يستبعد دعم مرشح مشترك للمعارضة ضد أردوغان.

وهناك عوامل أخرى من المحتمل أن تحول دون إجراء انتخابات حرة ونزيهة؛ فهناك وسائل إعلام رئيسية تتجاهل بشدة جميع أطياف ساحة المعارضة السياسية وتجردها من شرعيتها.

ويقول سيدي وهو أستاذ مساعد للدراسات الأمنية بكلية القيادة والأركان التابعة لجامعة مشاة البحرية وكلية الخدمة الخارجية التابعة لجامعة جورج تاون، إنه يضاف إلى هذا الكم الهائل من الهجوم وجود إستراتيجية اقتصادية تتوسع بشكل سريع يطلقها أردوغان يوما بعد يوم لزيادة فرص فوزه في الانتخابات، الذي يأمل من أجله استمرار عامل لا يخضع مباشرة لسيطرته وهو عدم الكفاءة المستمرة لأحزاب المعارضة التي اجتمعت معا في ما يسمى بتحالف الأمة.

ويسخر سيدي قائلا إن التحالف الذي يضم ستة أحزاب على رأسها حزب الشعب الجمهوري يبدو عاقدا العزم على تسليم الفوز لأردوغان على طبق من فضة. فمنذ نشأته عقد التحالف الكثير من القمم لبحث الإستراتيجية لإزاحة أردوغان من السلطة واختيار مرشح رئاسي لمنافسته.

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فرصة يسعى فيها أردوغان وحزبه الحاكم، العدالة والتنمية، للاحتفاظ بالسلطة وليسا مهتمين بتحقيق هذا الهدف بالوسائل الديمقراطية

ولم يحدث هذا حتى الآن، وهناك شائعات بأن التحالف يتعرض لضغط كبير للغاية من حزب الشعب الجمهوري لاختيار رئيسه كمال كليجدار أوغلو كمرشح رئاسي. ويري سيدي أن هذا سيكون أسوأ اختيار. وأي اختيار أكثر حكمة يجب أن يكون إمام أوغلو أو عمدة أنقرة.

ويتساءل سيدي عن سبب عدم ترشيح تحالف الأمة لإمام أوغلو، ويجيب بأن هناك تفسيرين محتملين، أولهما أن تحالف الأمة متردد في ذلك بسبب شعوره بالإحباط. فالمعارضة تخشى أنه إذا رشحت إمام أوغلو وفاز في الانتخابات، سوف يُمنع في نهاية الأمر من تولي المنصب بسبب الحظر القانوني المفروض عليه.

والسبب الثاني وربما الأكثر إثارة للقلق هو الأنانية. فكليجدار أوغلو يعتقد أنه يستحق أن يكون المرشح. وهذا رغم حقيقة أنه لم يحقق أي فوز انتخابي أمام أردوغان منذ أن أصبح رئيسا للحزب عام 2010.

ويرى سيدي أن هذه الانتخابات، بالنسبة إلى اتحالف المعارضة، يفترض أن تتعلق بعمل كل ما هو ممكن لمنع فوز أردوغان، واستعادة حكم القانون، وإعادة تركيا لتكون ديمقراطية برلمانية. وإذا كانت المعارضة مهتمة بتحقيق ذلك، فإنه يتعين عليها ترشيح إمام أوغلو كمرشح التحالف.

وسوف يرتكب أردوغان أسوأ أخطائه إذا تم ترشيح إمام أوغلو، إذ من المحتمل أن يلجأ لوضع كل العراقيل للحيلولة دون فوزه. وإذا ما فاز أوغلو فإن أردوغان سيلجأ لتطبيق الحظر غير المشروع لمنعه من تولي منصبه.

ولكن أردوغان يدرك أنه لا يمكنه الاعتماد على ذلك، فالضغط الشعبي في حالة فوز إمام أوغلو يحتمل أن يكون كبيرا للغاية لدرجة أن إصرار أردوغان على التمسك بالحظر السياسي في المحاكم سينهار. وقد حان الوقت لاتخاذ المعارضة التركية خيارها الصحيح. فإمام أوغلو يمثل أفضل فرصة لتركيا الديمقراطية.

العرب