في كلمة له خلال فعالية لوضع حجر الأساس لعدد من المشاريع بأنقرة، قال رئيس بلدية العاصمة التركية منصور يافاش إنه يأمل أن يشارك زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، أكبر أحزاب المعارضة، بفعالية افتتاح هذه المشاريع بصفته رئيساً للجمهورية، وذلك في أحدث مؤشر على نية كليتشدار أوغلو، الزعيم الجدلي الحالم بإنهاء 20 عاماً من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي أصبح من شبه المؤكد إجراؤها بشكل مبكر في الرابع عشر من مايو/ أيار المقبل.
تكمن أهمية تصريحات منصور يافاش، حول ترحيبه بترشح كلتشدار أوغلو للرئاسة التركية، كونه أحد الأسماء التي يجري تداولها لتكون مرشحة “الشعب الجمهوري”، والمعارضة بشكل عام، للانتخابات الرئاسية، وذلك إلى جانب المرشح الأبرز أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، الذي لا يزال يسعى لخوض غمار هذه الانتخابات، حيث لم يظهر دعمه القطعي بعد لكليتشدار أوغلو، الذي يعتقد أنه حسم أمره بالترشح بنفسه لانتخابات ترى فيها المعارضة فرصة تاريخية سانحة لإنهاء حكم أردوغان.
كليتشدار أوغلو اتخذ مواقف استثنائية عبر اعترافه بأن تاريخ حزبه في منع الحجاب كان “خطأ تاريخياً” إلى جانب طرحه مؤخراً تمرير قانون لحماية حرية ارتداء الحجاب.
انتخابات مبكرة
والأحد، كشف أردوغان لأول مرة عن التاريخ المتوقع لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، التي كانت مقررة في الثامن عشر من يونيو/ حزيران المقبل، وأعلن سابقاً نيته تقديمها قليلاً لتجنب فترة امتحانات الجامعات والإجازات الصيفية، حيث يتوقع إجراء جولة ثانية للانتخابات الرئاسية التي تشير التكهنات إلى صعوبة حسمها من الجولة الأولى.
وقال أردوغان: “سوف أستخدم صلاحياتي لتقريب موعد الانتخابات إلى 14 مايو/ أيار”، مشدداً على أنها “ليست انتخابات مبكرة.. إنما تعديل لأخذ تاريخ امتحانات الجامعات بعين الاعتبار، لافتاً إلى أن الحملة الانتخابية سوف تبدأ قبل 60 يوماً من الموعد، أي في العاشر من آذار/ مارس المقبل.
وبينما أعلن التحالف الحاكم “تحالف الجمهور”، الذي يضم بدرجة أساسية حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، توافقه على ترشيح أردوغان للانتخابات الرئاسية، منذ أشهر طويلة، لم تحسم المعارضة بعد ما إذا كانت ستخوض الانتخابات بأكثر من مرشح، أم أنها ستتوافق في إطار “تحالف الأمة” على مرشح توافقي، أو في إطار تحالف المعارضة الأوسع الجديد، والذي بات يطلق عليه اسم تحالف “الطاولة السداسية”.
وتحالف “الطاولة السداسية” هو تجمع يضم 6 أحزاب تركية معارضة، أبرزها “حزب الشعب الجمهوري” العلماني، و”الجيد القومي”، و”الشعوب الديمقراطي” الكردي، و”السعادة” الإسلامي، إلى جانب الحزبين الجديدين لأحمد داود أوغلو وعلي باباجان القياديين السابقين في “العدالة والتنمية”، وتأسس على مبدأ العمل المشترك على إنهاء حكم حزب “العدالة والتنمية” وزعيمه أردوغان، بالإضافة إلى إعادة تحويل البلاد من النظام الرئاسي إلى نظام برلماني مُطور، إلا أن الخلافات الأيديولوجية والسياسية الكبيرة بين أقطاب التحالف تثير شكوكاً واسعة حول قدرته على الاستمرار، وبشكل خاص قدرته على التوافق حول مرشح رئاسي واحد.
المرشح الأبرز للمعارضة
وعلى الرغم من عدم وجود توافق داخل “الشعب الجمهوري” أو تحالف “الطاولة السداسية” بعد حول المرشح الرئاسي رغم اقتراب موعد الانتخابات، إلا أن كليتشدار أوغلو يعتبر الاسم الأبرز حتى الآن، ويبدو مُصراً على خوض هذه الجولة، رغم أنه تجنب، منذ وصوله إلى قيادة الحزب قبيل 13 عاماً، مواجهة أردوغان، وفضّل تقديم مرشح آخر من داخل أو خارج الحزب، حيث يقول مقربون منه إنه يؤمن هذه المرة بقدرته على هزيمة أردوغان والفوز بالانتخابات.
الأصول العلوية لكليتشدار تبقى حاجزاً مهماً أمام إمكانية حصده أصوات الناخبين السنّة الذين يشكلون أغلبية في البلاد.
يقود كليتشدار أوغلو “حزب الشعب الجمهوري”، منذ عام 2010، عقب استقالة الرئيس السابق للحزب دينيز بايكال، وفي عام 2014 رفض دخول الانتخابات الرئاسية مقابل أردوغان، وفضّل دعم مرشح من خارج الحزب، بالتوافق مع أحزاب المعارضة، وجرى التوافق على أكمل الدين إحسان أوغلو الذي انتصر عليه أردوغان بسهولة، كما رفض مجدداً خوض المعركة الانتخابية أمام أردوغان في انتخابات 2018، ورشح محرم إنجي النائب عن الحزب لخوض هذه الانتخابات قبل أن يخسر هو الآخر ويجلب مزيداً من الانتقادات لزعيم الحزب.
وباستثناء بعض النجاحات الذي حققها الحزب في الانتخابات البلدية الأخيرة، عبر الفوز برئاسة بلديات عدد من المحافظات الكبرى، شهدت فترة قيادة كليتشدار أوغلو لأكبر أحزاب المعارضة خسارة سلسلة طويلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية، وفشل خلال فترة قيادته في إسقاط أردوغان أو هزيمة الحزب الحاكم، وهو ما ولد له انتقادات متصاعدة داخل الحزب لفشله في إيصال الحزب للحكم خلال 13 عاماً من فترة قيادته.
فرصة تاريخية
إلا أن كليتشدار أوغلو، قام بسلسلة تغييرات واسعة في قيادة الحزب وطاقم مساعديه ومستشاريه نجحت في إحداث نقلة نوعية في خطابه السياسي وقدرته على تقديم خطاب يوصف بأنه “أكثر واقعية” و”يلامس احتياجات الناخبين”، بعد أن اتهم لسنوات بأنه “بعيد عن هموم الناخبين”، وأصبح مؤخراً واحداً من أنشط السياسيين بتركيا ويقوم بجولات ميدانية في كافة أرجاء البلاد في السنوات الأخيرة، ويستمع للمواطنين بكافة شرائحهم، ويعد بتقديم حلول لهم، في حال وصول حزبه إلى السلطة.
وفي ظل تراجع شعبية حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، والأوضاع الاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها البلاد، والرغبة الواسعة لدى شريحة أوسع من الناخبين الأتراك، لا سيما من فئة الشباب، بتجربة حزب سياسي جديد في الحكم، يرى كليتشدار أوغلو أنه على بعد خطوة واحدة من الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة ويسعى لتشكيل أوسع تحالف ممكن من أحزاب المعارضة لدعمه للوصول إلى الرئاسة.
في المقابل، يرى حزب “العدالة والتنمية” والرئيس أردوغان في كليتشدار أوغلو “فريسة سهلة” يمكن هزيمتها في الانتخابات الرئاسية بسهولة، ويوصف بأنه شخصية سياسية يسهل مهاجمتها وإقناع الجمهور بعدم أهليتها للوصول إلى الرئاسة، حيث ركز أردوغان، طوال السنوات الماضية، دعايته الانتخابية على مهاجمة تاريخ كليتشدار أوغلو السياسي، لا سيما فترة ترؤسه لهيئة التأمين الصحي في البلاد، بين عامي 1992 و1999، وهي الفترة التي كان يشهد فيها القطاع الصحي في تركيا انهياراً كبيراً.
يرى حزب “العدالة والتنمية” والرئيس أردوغان في كليتشدار أوغلو “فريسة سهلة” يمكن هزيمتها في الانتخابات الرئاسية بسهولة.
وخلال الحملات الانتخابية، كان يكتفي أردوغان ببث مقاطع فيديو وتقارير تلفزيونية أرشيفية عن أوضاع المستشفيات في تلك الفترة، لا سيما الانتظار لساعات طويلة على أبواب المستشفيات وسوء الخدمات الصحية وشكاوى المواطنين من عدم توفر الدواء، في دعاية كانت تثير الخوف لدى شريحة واسعة من الشعب التركي من التصويت للشعب الجمهوري بشكل عام، وكليتشدار أوغلو بشكل خاص.
كما أن كليتشدار أوغلو لديه سجل طويل من التصريحات والمواقف السياسية المثيرة للجدل، والتي يسهل من خلالها مهاجمته، لا سيما في ما يتعلق بالعلمانية والدين والحرب على الإرهاب والعمليات العسكرية خارج البلاد والتعامل مع القضية الكردية والعلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، وجميعها مواقف تقف عائقاً أمام اجتذاب أصوات أي شريحة من القوميين والمحافظين الأتراك، وهي الشريحة الأوسع في البلاد.
مواقف استثنائية
يضاف إلى ذلك كله أن كليتشدار أوغلو محسوب على التكتل اليساري العلماني داخل “الشعب الجمهوري”، والذي لم يعد قادراً على حصد أصوات تؤهله للفوز في أي انتخابات بتركيا، فالنجاح الوحيد لكليتشدار أوغلو، خلال فترة رئاسته، هو الفوز برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة، وهو الفوز الذي لم يكن ليتحقق لولا اختياره مرشحين ذي توجهات محافظة، ولديهم مواقف معلنة باحترامهم للحجاب، وتصالحهم مع الدين بعيداً عن المواقف العلمانية المتشددة.
ورغم أن كليتشدار أوغلو اتخذ مواقف استثنائية عبر اعترافه بأن تاريخ حزبه في منع الحجاب كان “خطأ تاريخياً” وتشديده على احترام كافة شرائح المجتمع، والمحافظين بشكل خاص، إلى جانب طرحه مؤخراً تمرير قانون لحماية حرية ارتداء الحجاب، إلا أن أصوله العلوية أيضاً تبقى حاجزاً مهماً أمام إمكانية حصده أصوات الناخبين السنة الذين يشكلون أغلبية في البلاد، بحسب بعض استطلاعات الرأي.
وفي ظل عدم وجود تأكيد نهائي بترشح كليتشدار أوغلو من عدمه، يبدو زعيم المعارضة التركية أمام فرصة تاريخية لمواجهة أردوغان في انتخابات توصف بالأصعب على الرئيس التركي، إلا أن فرصه ستبقى مرتبطة بحجم الدعم والتأييد الذي سيحصل عليه من أطر الحزب الداخلية وتحالف “الطاولة السداسية” وبشكل خاص حزب “الشعوب الديمقراطي” -الكردي- الذي يعتبر ثالث أكبر حزب في البلاد.
القدس العربي