مع تمسك قطبي السلطة في إقليم كردستان العراق بمواقفهما المتصلبة تجاه بعضهما البعض في ما يتعلق بآلية إدارة شؤون الإقليم، تتضاءل تدريجيا فرص التوصل إلى حلول ولو مؤقتة للأزمة السياسية التي تعصف بالإقليم، وسط تساؤلات عما إذا كان استمرار الخلافات سيؤدي إلى تقسيم الإقليم إلى إدارتين مستقلتين.
وقالت قوى سياسية معارضة في إقليم كردستان العراق إنها تقدمت بمبادرات سياسية تستند إلى العوامل المشتركة التي تجمعها مع أحزاب السلطة لتكون مشروعاً شاملاً من شأنه حلُّ الخلافات المتفاقمة بين الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
ويشكك مراقبون في قدرة المبادرات المطروحة على رأب الصدع بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، إذ فشلت مبادرات سابقة في تحريك الجمود ورأب الصدع بين الحزبين اللذين يقفان على طرفي نقيض في عدة ملفات عالقة.
ويسيطر الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني على محافظتي أربيل ودهوك، بينما يسيطر الاتحاد الوطني الذي يتزعمه بافل طالباني ابن الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني على محافظة السليمانية.
وتتمثل أهم الخلافات بين قطبي السطلة في تعديل قانون الانتخابات وتوحيد العائدات المالية كافة إلى جانب الشراكة الحقيقية في إدارة نظام الحكم.
وآخر هذه الخلافات تمثل بامتناع نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد طالباني عن حضور جلسات مجلس الوزراء في الإقليم منذ شهرين، احتجاجًا على ما وصفه بـ”تفرّد” الحزب الديمقراطي بزمام السلطة في كردستان.
وجاءت هذه الأحداث بعد حادثة اغتيال العقيد هاوكار الجاف أحد أبرز الضباط في مؤسسة مكافحة الإرهاب في السابع من أكتوبر الماضي بمدينة أربيل، ما أدى إلى مقاطعة الفريق الوزاري للاتحاد الوطني جلسات مجلس الوزراء في حكومة الإقليم، بعد أن اتهم الحزب الديمقراطي قادة أمنيين في الاتحاد الوطني بالوقوف وراء عملية الاغتيال.
وخلّف رفض الاتحاد الوطني أداء واجباته في الحكومة تداعيات كبيرة على إدارة حكومة إقليم كردستان، في ظل مقاطعة أعضائه مثل وزير البيشمركة لواجباتهم الحكومية، ما أدى إلى نشأة مشاكل كبيرة وازدادت إدارة وتنظيم قوات البيشمركة مثلًا صعوبة، وهذا، حسب محللين، واقع خطير بالنسبة إلى إقليم كردستان العراق.
ويثير استمرار الخلافات مخاوف هائلة بين سكان إقليم كردستان، فهم يدركون أن نشوب أي نزاع بين الحزبين الرئيسيين قد يعيد إلى الأذهان الماضي الذي شهد حربا أهلية وبروز أزمات مالية وتشرذم الإقليم.
ولا تزال شكاوى الاتحاد الوطني من أن الحزب الديمقراطي يعاقب السليمانية ماليًا، وهي المحافظة التي يقع فيها مقر الاتحاد الوطني، مستمرة منذ أكثر من عام.
ويتمحور الجدل حول تخفيضات حادة في الميزانية من قبل حكومة إقليم كردستان جعلت المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني مثل السليمانية غير قادرة حتى على دفع رواتب موظفي الحكومة وقوات الأمن.
على الرغم من المحاولات المتعددة لتسهيل التخفيف من التوترات بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، أصبح الصراع اليوم محتدمًا ومطولًا والتهديد بانقسام إقليم كردستان خطرًا أكثر من أي وقت مضى
ويقول قادة الاتحاد الوطني إن دخل محافظة السليمانية بين عائدات النفط والضرائب ودخل معبرين حدوديين دوليين لا يزال غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية لميزانية المحافظة ورواتبها. فقد تسبب نقص الأموال بأزمة رواتب في مناطق السليمانية مثل حلبجة وغرميان ورابارين، ما أدى إلى تأخر توزيع الرواتب.
وقال رئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني في مقابلة صحافية قبل أسابيع إن “حكومة إقليم كردستان تعاقب منطقة السليمانية وإدارتها، ولا تسدد رواتب المواطنين”.
ويسود عدم اليقين تجاه ما يحمله مستقبل هذه المنطقة في طياته، ولكن الواقع الحالي الذي يزداد فيه تنافس الأحزاب من أجل مصالحها الخاصة بدلًا من العمل معًا لا يبشر بالخير لكردستان. ولتجنب اتخاذ قرارات أكثر تشددًا وعواقبها الخطيرة، لا بد من أن يعمد الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني إلى تخطي خلافاتهما لصالح المنطقة.
ويتخوف كثير من المراقبين من أن يؤدي استمرار الخلافات بين الحزبين إلى تصدع وضع إقليم كردستان العراق سياسيًا، واتجاه كل حزب نحو إدارة منفصلة داخل الإقليم، لاسيما مع تصريحات سابقة صدرت من بعض الجهات في السليمانية التي لوّحت بذلك.
ويشير محللون إلى أن أي خطوة باتجاه انفصال السليمانية ستضر بالواقع الدستوري لإقليم كردستان وصلاحيات سلطاته، ومن ثم ستضر بالحزبين الكرديين بشكل مباشر، لذلك فإن احتمال الانفصال ضعيف والتلويح به من قِبل بعض قادة الاتحاد يعدّ ورقة ضغط لدفع الحزب الديمقراطي إلى اتخاذ سياسات تعيد التفاهم مع الاتحاد الوطني للاستحواذ على حصص أكبر من السلطة وإشراكه بالقرارات الرئيسية.
صحيفة العرب