في مقالتي الأسبوع الماضي، استعرضت كيف تمكن النظام الإرهابي في إيران من البقاء لعقود أربعة على رغم إرادة الشعب الإيراني الرافضة له، وتطوير أدوات الموت وزعزعة الأمن والاستقرار داخل إيران وفي عموم دول المنطقة، على رغم العقوبات الدولية المفروضة عليه. وتناولت بشكل موجز مقترحات حاكم فلوريدا الأسبق جيب بوش، الذي يشغل منصب عضو الهيئة الاستشارية لمنظمة “متحدون ضد إيران النووية”، التي قدمها إلى إدارة بايدن لمحاصرة قدرة طهران المتواصلة للتهرب من العقوبات وتحقيق عائدات ملياريه.
الحاكم السابق لولاية فلوريدا، شقيق الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن، أكد في مقالة رأي نشرتها “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي تحت عنوان “كيف يمكن للولايات المتحدة الحؤول دون استمرار بنما في مساعدة تهرب إيران من العقوبات النفطية؟”، أنه من دون وجود دول مثل بنما، التي تضع مصالحها الاقتصادية الضيقة، فوق مقتضيات الأمن والسلم الدوليين، لما بقي النظام الإيراني لأربعة عقود مسلطاً على رؤوس الإيرانيين، ولما دفع النساء والرجال حياتهم من أجل مستقبل خال من حكم الملالي الدكتاتوري.
وتؤكد مقالة الرأي أن أسطول ناقلات النفط الإيرانية التي ترفع العلم البنمي يتجاوز 130 ناقلة، وتمكن خلال عام 2021 من تحقيق عوائد بقيمة 30 ملياراً لصالح طهران التي بدورها تخصصها لتمويل المنظمات الإرهابية في المنطقة وأجهزتها القمعية الداخلية مثل “الحرس الثوري”، وميليشيا “الباسيج”، والاستخبارات، التي تقتل الشعب الإيراني. وتضيف المقالة أن بنما تتمتع بوضع استثنائي في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع أميركا، وتحصل على مليارات الدولارات سنوياً جراء هذه العلاقة التفضيلية، إضافة إلى أنها أكبر دولة في أميركا الوسطى من حيث حجم الاستثمارات الأميركية السنوية المباشرة.
وخلال اليومين الماضيين نشرت الحكومة البنمية ردها على مقالة الرأي التي كتبها السيد جيب بوش، مؤكدة أن بنما هي الحليف الأقوى والأكثر التزاماً في الشراكة مع أميركا في الحرب ضد الإرهاب وتمويل الإرهاب، مؤكدة أنها تعمل مع السلطات الأميركية المعنية، لضمان عدم استخدام إيران لتسهيلات رفع علمها فوق ناقلاتها للتحايل على العقوبات. ويؤكد الرد البنمي أن الحكومة البنمية عملت خلال الفترة بين عامي 2019 و2022 على سحب علمها من 678 سفينة شحن وناقلة نفط من بينها 136 سفينة تابعة لسلطات النفط الإيرانية. وبهذا فان رد الحكومة البنمية كان يعرف سلفاً أن ناقلات النفط تلك التي رفع عنها العلم البنمي كانت تعمل لصالح الحكومة الإيرانية في خرق للعقوبات، مما يشكل اعترافاً ضمنياً بأن بنما أسهمت في تهريب النفط الإيراني والاستفادة من عوائده.
قائمة طويلة من المتواطئين
المجلس الأطلسي في تقرير نشره الأسبوع الماضي تحت عنوان “الفاسدون واللصوص، يزدهرون بسبب إخفاقات الغرب، فهل يمكن إيقافهم؟”، أشار إلى محاولات نظام الملالي إنشاء شركات في أميركا وأوروبا عبر مواطنين من أصول إيرانية واستخدامها للتحايل على منظومة العقوبات المفروضة على إيران، مثل الملياردير التركي ذي الأصل الإيراني رضا زاراب الذي يحمل جنسيات عدة ويعمل في غسيل الأموال، وساهم خلال السنوات الماضية في غسيل 20 مليار دولار عبر شركاته المنتشرة في الولايات المتحدة، وأميركا الوسطى، وآسيا الوسطى، لصالح النظام الإيراني.
وخلال السنوات القليلة الماضية، ازدهرت تجارة التهريب الإيرانية وهي تشمل إضافة إلى الاتجار بالمشتقات النفطية والمنتجات البتروكيماوية ومن بينها المواد الخطرة ذات الاستخدامات العسكرية والمخدرات وشركات الصرافة والخدمات المالية، عبر شركات عراقية ويمنية ولبنانية تتبع لعملاء للنظام الإيراني، والقائمة طويلة وتشمل شركات “حزب الله” في أفريقيا وأميركا الجنوبية، كما هناك عشرات الشركات العراقية التي أسستها ميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق للغرض ذاته، عوض استخدام مؤسسات الدولة العراقية، لصالح دعم الاقتصاد الإيراني المنهار. كما سبق لتقارير لجان العقوبات حول اليمن أن أشارت إلى أسماء شركات وتجار من اليمن يعملون في تهريب النفط الإيراني والأسلحة والمخدرات إلى اليمن ومختلف دول القرن الأفريقي
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” نهاية العام الماضي، فإن شركات صينية، وشركات من دول عربية، ومجموعة بنوك دولية، مثل “أتش أس بي سي”، و”ستاندرد شارترد”، تقدم تسهيلات مالية للصناعات النفطية الإيرانية، ويعتقد خبراء مكافحة التهرب من العقوبات، بأن مثل هذه البنوك الدولية لا تدرك بالضرورة أنها تقدم التسهيلات لصالح إيران، نظراً إلى أن الشركات التي تتعامل معها مسجلة خارج إيران وتحتفظ بحسابات سرية مع البنوك الإيرانية الموضوعة على قوائم العقوبات مما يسهل التهرب من ضوابط مكافحة غسيل الأموال.
وأشار التقرير إلى عديد من المواطنين الأميركيين من أصول إيرانية مثل بهروز مختاري الذي تعاون مع دولة عربية ودولة بنما لتسخير ناقلاتها النفطية لتهريب النفط الإيراني من طهران عبر دولة عربية وبنما وصولاً إلى الأسواق في أميركا الجنوبية، وهذه الإشارة تخرج عن ناقلات النفط الأجنبية التي ترفع العلم البنمي، بل هي ناقلات بنمية وطنية تعمل في تهريب النفط الإيراني. وهناك شركات تظهر وتختفي بشكل دائم في الدول الأوروبية والآسيوية يمتلكها رجال أعمال من أصول إيرانية ولبنانية يعملون على تقوية نظام الملالي وشراء احتياجاته كافة بما في ذلك مكونات الصواريخ والمسيرات التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
تجفيف منابع الإرهاب الإيراني
لقد مثلث انتفاضة الشعب الإيراني في شهرها الخامس، إصرار أبناء كل العرقيات الإيرانية على إسقاط الدكتاتورية الدينية، ووضعت نقطة في نهاية السطر لمحاولات النظام لإنعاش مشروعة الهمجي المسلط على رقاب الإيرانيين، وتطلعه لرفع العقوبات عبر التوصل إلى إحياء الإتفاق النووي. واليوم صار من غير الوارد الحديث عن التعامل أو التفاوض مع النظام، بينما تتحرك أوروبا وإن كان ببطء شديد نحو إحكام الخناق على طهران وزيادة عزلتها دولية.
لقد حان الوقت كي تعلن الإدارة الأميركية الحالية نهاية جهودها الدبلوماسية مع النظام القمعي في طهران، انطلاقاً من التصريحات التي أطلقها مبعوث الرئيس بايدن إلى إيران نهاية العام الماضي، حول استعداد الرئيس للذهاب إلى الخيار العسكري لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي بعد فشل الجهود الدبلوماسية. كما أن الحاجة ملحة إلى قيادة أميركية أكثر حزماً لفرض العقوبات ومحاسبة الدول والشركات والأفراد الذين يرفدون نظام الملالي بمليارات الدولارات عبر التحايل على نظام العقوبات الصارم.
اليوم صار من المخزي ألا تتحرك الإدارة بعيداً من مواقفها الكلامية فيما يقتل النظام القمعي عشرات الإيرانيين بدم بارد وفي محاكمات صورية، وفي الوقت الذي صارت فيه الدكتاتورية الدينية على مرمى حجر من صناعة القنبلة النووية، التي تهدد، إضافة إلى الصواريخ والمسيرات، الأمن والسلم الدوليين. إن قيادة أميركية لجهود عزل النظام الإيراني في المنظمات الدولية باتت ضرورة ملحة، ويجب أن تتزايد خلال المرحلة المقبلة، لحث حلفائها في أوروبا والعالم للسير في وضع أجهزة النظام القمعية والحرس الثوري الإرهابي وأذرعه في المنطقة في قوائم الإرهاب، لإنصاف الضحايا وزيادة أشكال التضامن اللامحدود مع نضال الشعب الإيراني العظيم للتخلص من أسوأ دكتاتورية مرت في تاريخ المنطقة والعالم.
اندبندت عربي