تحالف أفريقي – أميركي في الشرق لمنع تكرار سيناريو الغرب

تحالف أفريقي – أميركي في الشرق لمنع تكرار سيناريو الغرب

تفتح الانتصارات الميدانية الكبيرة التي حققتها الحكومة الصومالية في مواجهة حركة الشباب الباب أمام عودة انخراط واشنطن في مكافحة الإرهاب في أفريقيا بعد أن تراجع دورها مؤخرا. ويقول مراقبون إن تراجع فرنسا في القارة قابله بروز واشنطن كأول قوة في محاربة الإرهاب، إذ أن ذلك يعتبر جزءا من أمنها القومي قبل أن يكون ضرورة سياسية واقتصادية للدول الأفريقية.

مقديشو – بدأت الولايات المتحدة تستفيد من أخطائها في مجال مكافحة الإرهاب في أفريقيا وتضفي على دورها في شرقها حيوية جديدة بزيادة استهدافها لعناصر حركة الشباب الصومالية، ودعم أطر التعاون الإقليمي مع الحلفاء في المنطقة لمنع تكرار سيناريو غرب أفريقيا أفضى إلى تراجع تأثيرها، ووجود محاولات مضنية لانتزاع المبادرة من فرنسا لصالح روسيا.

ومنحت الإدارة الأميركية الضوء الأخضر لحلفائها في شرق أفريقيا للتحرك سريعا قبل أن تتمكن روسيا من تسريب عناصرها لاحقا إلى منطقة تعج بحركات متطرفة عابرة للحدود، وقد تواجه مأزقا مشابها لما تواجهه باريس في غرب أفريقيا حاليا، بعد اضطرارها إلى الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو.

ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة زادت من تصوراتها الأمنية في الاعتماد على ما يسمى بـ”الحرب بالوكالة” في شرق أفريقيا لزيادة فعالية العمليات العسكرية الخاطفة التي تقوم بها ضد جماعات إرهابية وحركات لها طموحات إقليمية واسعة.

ويضيف المراقبون أن إجراءات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الأخيرة لقطع رأس حركة الشباب المتشددة، حققت جانبا كبيرا من أهدافها، حيث أدت إلى تراجع كبير في صفوف الحركة وكبدتها خسائر باهظة، ما يجعل من مد مقديشو بأطر تعاون على المستوى الإقليمي منتجا لمنع تسلل عناصر الحركة إلى دول الجوار.

واتفق زعماء الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا خلال اجتماع عقدوه في مقديشو الأربعاء على بدء عمليات بحث وتدمير لطرد مقاتلي حركة الشباب من الصومال.

ووجهت القمة دعوة للمجتمع الدولي لزيادة الدعم العسكري للقوات الصومالية لتخليص البلاد من الإرهاب، ما يوحي أن تحركات دول الجوار غير كافية لوقف تمدد الحركة، وتحتاج إلى تكاتف يتجاوز حدود الدول الأربع، ما يشي بعودة السخونة لمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة، والتي كانت مهدا لانتشار عناصر متشددة منذ سنوات.

ويأتي الاتجاه نحو توطيد التعاون الإقليمي عقب هجمات أمنية مكثفة شنتها الحكومة الاتحادية في الصومال على الحركة (الشباب) التابعة لتنظيم القاعدة الأشهر الماضية، وبموجبها استعادت القوات الحكومية السيطرة على عدة بلدات وقرى وسط الصومال، أسهم فيها الجيش الأميركي بدور مهم، ناهيك عن حلفاء محليين من ميليشيات العشائر والقوات التابعة للحكومات الإقليمية الصومالية.

وقال الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية عبدالمنعم أبوإدريس إن تحالف الدول الأربع جاء بتوجيهات أميركية لمواجهة التحركات الروسية في المنطقة، والمستهدف منها إنشاء تحالف قوي يساند الوجود الأميركي في المنطقة ردا على نشاط روسيا المثير، والذي ظهر خلال زيارة وزير الخارجية سيرجي لافروف إلى إريتريا قبل أيام، ونجاحه في التوقيع على اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع أسمرة.

معايير إستراتيجية غير قابلة للمساومة أو الهروب
الوجود الأميركي.. معايير إستراتيجية غير قابلة للمساومة أو الهروب
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن التحالف الجديد يضم الدول التي تمددت على أراضيها حركة الشباب، أو تطمح إلى ذلك، وهذه الدول تريد مساندة أميركية بالمعلومات والرصد والتدريب والخبرات لصد هجمات الحركة الإرهابية التي لا تخفي أهدافها الإقليمية.

وشدد على أن الرئيس الصومالي يسعى لإرسال إشارات للداخل، مفادها أن حكومته ليست وحدها في مواجهة حركة الشباب، ويحظى بدعم من حلفائه في المنطقة، ولذلك هدفت القمة الرباعية “لمنح الدافع السياسي لاجتماع رؤساء أركان الدول الأربع (الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا) لتشكيل قوة عسكرية مشتركة”.

ويرتبط عدم تكرار سيناريو الغرب الأفريقي الذي تمددت فيه الجماعات الإرهابية ونقله إلى شرق القارة بفعالية التحركات الأميركية التي تتعرض لتهديدات إقليمية عديدة، على عكس روسيا التي تعمل عبر مسارات متباينة من خلال قوات فاغنر التي تعمل تحت غطاء شبه حكومي، وفي حال نجاح تحركاتها في الشرق ووصلت إلى أهدافها في السودان سوف تكون أكملت حزام حضورها في أفريقيا.

وأكدت الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية أماني الطويل أن القمة الرباعية لها دلالات على شعور قوى غربية أن مصالحها مهددة بشدة في شرق القارة، وأن تمدد حركة الشباب وسيطرتها على بعض المناطق ومعاقبة السكان والقبائل دفع واشنطن إلى إعادة نفوذها، وهو الذي سمح لتركيا بتدريب عناصر الجيش الصومالي.

ونفذت الحركة عدة هجمات دامية على فنادق وقواعد عسكرية ومنشآت حكومية في الصومال، على الرغم من نجاح القوات الحكومية في صد معظم هذه الهجمات.

وأكدت الطويل لـ”العرب” أن الحضور الفرنسي مازال موجودا في غرب القارة ولم يتلاش تماما وقد تنسحب باريس من مناطق وتتقدم في أخرى وفقا لرؤيتها التي تحكمها معايير إستراتيجية غير قابلة للمساومة أو الهروب.

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مع نظيريه الكيني وليام روتو والجيبوتي إسماعيل عمر جيلي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، للنظر في سبل إضعاف حركة الشباب، وتوصلوا إلى اتفاق للتخطيط المشترك “لشن حملة قوية على مستوى دول المواجهة وتنظيمها لبدء عمليات بحث وتدمير على جبهات متعددة تستهدف معاقل رئيسية لحركة الشباب في جنوب الصومال ووسطه”.

وعقد وزراء الدفاع ومسؤولون عسكريون من الصومال وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي عشية القمة الرباعية اجتماعا رفيع المستوى في مقديشو، ناقش تفاصيل التعاون

الأمني في المرحلة المقبلة. وتنتظر الحكومة الصومالية أن يقود التعاون الإقليمي إلى “تحرير سريع للبلاد من الخوارج الذين تم تسديد ضربات موجعة لهم في ساحة المعركة الأسابيع الماضية”.

ومن المتوقع أن يوفر التعاون الجماعي ركيزة أمنية قوية ويمنع هروب عناصر حركة الشباب إلى دول الجوار في المستقبل، حيث تخوض الحركة قتالا منذ عام 2006 للسيطرة على مقديشو، وشنت عمليات مسلحة في كينيا لإجبارها على سحب قواتها من قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وتشارك فيها أيضا جيبوتي وإثيوبيا، فضلا عن أوغندا وبروندي، وتنتشر عناصرهم في جنوب ووسط الصومال.

العرب