العراق: السياسيون السنة ولعبة إحياء الفشل

العراق: السياسيون السنة ولعبة إحياء الفشل

_144889573015

في حدث يبدو مثيرا للسخرية وللاستخفاف بعقول وضمائر وعواطف أبناء العرب السنة وبقية العراقيين، أعلنت مجموعة من الزعامات السنية عن تشكيل كتلة أو هيئة تنسيقية سياسية تُخرج التجمّعات السنية التقليدية من قوالبها التي عرفت بها خلال السنوات الماضية إلى ثوب جديد. وهذا التحرك رغم سذاجته يؤكد جملة من الحقائق السياسية التي أصبحت معروفة لدى أبناء العرب السنة، وأبناء العراق ومنها:

أولا: يأتي هذا التشكيل الميّت من ذات الشخصيات التي هيمنت على ما يسمّى “قيادات العرب السنة” المنضوية في العملية السياسية، من شخصيات تحولت بقدرة قادر إلى زعامات سياسية رغم أنها لا تمتلك إرثا شعبيا نضاليا، لكنها قفزت في ظل ظروف بالغة التعقيد وفق متطلبات لعبة الاحتلال في صناعة الضلع الطائفي الثالث مهما كانت مادته ومحتوى شخصياته، وأُدخلوا في ماكنة “الانتخابات المدبّرة”، وكانت قيادة الاحتلال واضحة في استبعادها للشخصيات الوطنية السنية لأنها تمتلك مواقف تتعارض مع المنهج الطائفي الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه اليوم.

ثانيا: الدعوة الجديدة لتشكيل تكتل سياسي داخل العملية السياسية من طرف من يدعون تمثيلهم للعرب السنة تكريس وإحياء للطائفية السياسية التي وصلت حالة الانهيار، ومد حبل الإنقاذ للطرف الشيعي الذي حاصرته التظاهرات الأخيرة وكشفت مأزقه في الفشل والفساد. وضربة جديدة للمواطن الذي استشعر بأن حالة الفضح الشعبي، يمكن أن تقود إلى تبلور منهج سياسي وطني لا طائفي مؤثر، ينطلق مما أفرزته التظاهرات الأخيرة من قيادات شابة واعية رغم منبتها الشيعي، لكنها غيّرت وصحّحت دعاوى الزعامات الطائفية الشيعية التي لعبت بأبناء الطائفة، والتي كانت بانتظار الصوت المكمّل لها من ضفة العرب السنة اللاطائفيين، رغم ظرفهم بعدم المشاركة بالتظاهرات لكون جماهيرهم في منافي النزوح والهجرة، حيث تأتي هذه الدعوة لمنع القوى الخيّرة من العرب السنة لملء الفراغ السياسي الوطني، إنها لعبة متكاملة الأدوار لكنها لعبة خاسرة. فمأزق عزلة الطائفيين، الشيعة والسنة، قد تحقق، وآلية التطور السياسي في العراق قد أفرزت مرحلة انطلاق مشروع سياسي وطني من العرب الشيعة والسنة، رغم عدم وضوح بنيانه على الأرض. أميركا وطهران وبعض العواصم المهمّة في المنطقة مدركة لهذه الحقيقة لكنها حائرة في مسألة الأسماء ومن هي تلك القيادات السياسية الجديدة التي ستأخذ دورها الحقيقي، وهذا ما دفع أولئك الفاشلين لمحاولة ملء الفراغ، واتهام الوطنيين بأنهم “يغردّون خارج السرب” أي سرب الفشل والطائفية.

ثالثا: إن كان من ركب موجة العملية السياسية ونظر إليها على أنها مكاسب ومغانم، فهو واهم لأن أبناء الشعب العراقي ليسوا بالرعاع، إنهم قادرون على إنتاج قيادات سياسية حقيقية بديلة بعد فشل هؤلاء. أليست الديمقراطية تقول بأن الفاشل يخرج ويعتذر، فكيف تعتقد هذه القيادات أنها خالدة؟ أليست قضية واحدة من قضايا أبناء العرب السنة التي تاجروا فيها وسرقوا المناصب بواسطتها كافية، لا لإزاحتهم عن السلطات وإنما لمحاسبتهم على تخليهم عن قضايا أبناء جلدتهم وأكبرها قضية النازحين، ألا تكفي قضية مليوني نازح يعيشون أقسى حياة عرفتها البشرية في البرد والأمراض والحاجة كافية لأن تضع هؤلاء دعاة “حقوق السنة” في محاجر المساءلة.

رابعا: بعد فضائح الفشل والفساد وارتباك النظام السياسي في الأشهر الأخيرة، لا بد وأن الأحزاب الشيعية والكتل السنية وجدت أن مأزقها يتطلب إيجاد مخارج لحفظ ماء الوجه، وكان يمكن تحقيق ذلك عبر عملية مكاشفة وطنية عامة خارج البرلمان والمؤسسات الحكومية والحزبية وأمام الرأي العام العراقي، لكن تلك القيادات شعرت بخوف على مصيرها رغم مرور اثنتي عشرة سنة على تحكّمها برقاب الناس، ولهذا نجد القوى السياسية الشيعية تعيش لحظات التشرذم مع بعضها البعض عبر صدامات سياسية قد تتحول خلال فترة وجيزة إلى صدامات ميدانية عبر الأدوات الميليشياوية. أما الزعامات السنية من الدينصورات المحنّطة، فهي تعتقد بأنها تملك الساحة العربية السنية لوحدها، عبر تغييب متعمّد للقامات العراقية الوطنية البعيدة عن العملية السياسية، فتحاول هذه الأيام إحياء الموتى الخارجين من اللعبة السياسية بأساليب تتجاهل حقوق المواطنين، وتعلم أنها تسخر من الديمقراطية فتحاول إعادة إنتاج فشلها عبر عناوين جديدة، ولو كان هؤلاء يتمتعون بقدر ضئيل من السياسة لقاموا بعملية تحوير في معطيات العمل السياسي عن طريق البقاء خلف الستار وتقديم وجوه جديدة غير محترقة من بين حوارييهم. أليس الأفضل لهؤلاء الذين تحولوا إلى إمبراطوريات للمال الحرام أن يغلقوا دكاكينهم وينصرفوا إلى إدارة أموالهم، ولكنه الجشع واللعب بمقدرات الناس والخوف من المجهول.

إن ما يحصل اليوم في العراق هو رياح ما قبل العاصفة، فالفشل الحكومي أصبح مهيمنا بسبب طغيان الفساد لحدود غير معقولة أكلت عظام النظام بعد لحم الدولة، وهناك فراغ سياسي مخيف لا تستطيع قوى الفشل الطائفي، الشيعي والسني، تغطيته، ووأد التظاهرات بطرق عديدة لن يعطل الحراك الشعبي، ومن بينها استخدام هدوء وحكمة المرجعية الشيعية في تعطيل مناسيب المظاهرات مثلما استخدمت عاطفتها أوائل العام 2004 في كسب الأصوات، وسبل المواجهة السياسية التي انفتحت بين تلك الأحزاب والكتل وبين أبناء الشعب لا تقتصر على المظاهرات، والمناخ اليوم منفتح على خيارات سياسية كثيرة، رغم حيرة الأميركان وقلق الإيرانيين على مصير سياسييهم في بغداد.

الخيار الجدي والمهم هو تبلور الموقف الشعبي الذي سادت شعاراته في المظاهرات إلى رأي عام متعدد الوسائل والأدوات السياسية والإعلامية، والانتقال إلى الجهد السياسي الذي أخذ شرعيته من الشارع العراقي الوطني، وليس من شعارات المعارضة الكاذبة كالتي ينادي بها اليوم الزعماء الطائفيون من العرب السنة، بعد أن تشتتوا ما بين مؤتمرات تحتضن من قبل دول خليجية، أو ممّن تخدعهم مقابلات مجاملة من السفير الأميركي أو البريطاني في بغداد كجزء من مهماتهم في جمع المعلومات وإعداد التقارير لمراكز مرجعياتهم، ويتوهمون أنهم لا يزالون مطلوبين في حين أنهم تجاوزوهم، لكنهم لم يهتدوا إلى الوطنيين من بين العرب السنة لأن هؤلاء الوطنيين لا يسترخصون أنفسهم بدق أبواب السفارات وما خلفها ويترفعون عن ذلك، وحين اختاروا وتحملوا صعاب طريق المبادئ عرفوا أنها ليست طريقا سهلة، واعتقدوا ومازالوا، بأن باب الشعب هو الأصلح والأقوى.

هم ليسوا طائفيين لكنهم أبناء طائفة ظُلمت وأهينت وحرم إنسانها من أبسط الحقوق لا يمكن أن يحميها هؤلاء التجار ومن يقف خلفهم، في محاولات اللعب المجددة على معاناة أهل السنة، والذي يحميهم ويدافع عن حقوقهم مشروع عراقي وطني عريض يستوعب جميع القوى والتيارات العراقية، يحضّر إليه عبر مؤتمر وطني يدعم من الوطنيين العراقيين.

د.ماجد السامرائي

صحيفة العرب اللندنية