لبنان في الفراغ: ماذا بعد الانهيار الاقتصادي والمالي؟

لبنان في الفراغ: ماذا بعد الانهيار الاقتصادي والمالي؟

الوضع في لبنان يزداد انسداداً وسوداوية. اللقاء الخماسي المنعقد في باريس مؤخراً بين ممثلي كل من الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية وقطر شكل مؤشرا أساسيا على هذا الصعيد؛ إن لجهة دق ناقوس الخطر أو لجهة السعي لإنضاج تقاطع دولي إقليمي من شأنه لجم المآل الانهياري للوضع اللبناني، بدءاً من وضع حد للشغور الحاصل على مستوى رئاسة الجمهورية، وما يستتبع ذلك من تجوف المؤسسات الدستورية، ووصولاً إلى النكبة المالية المتمادية، والتي سيصبح الخروج منها أو حتى التخفيف منها أكثر صعوبة مع الوقت.
بيد أن هذه المسارعة من عواصم إقليمية ودولية لمحاولة فتح كوة في جدار الانسداد اللبناني لا تعني أبداً أن تذليل العقبات المتراكمة بالأمر الميسّر، هذا إن كانت بالأمر المتاح أساساً.
في هذه الأثناء، يتوسع التخبط الداخلي في لبنان، ويندرج في سياقه إضراب القطاع المصرفي رفضاً لتعقبات قضائية ضد بعض المصارف وعلى عدم الاعتراف بالشيك المصرفي كوسيلة دفع وايفاء للودائع وإلزامها بالتعامل النقدي. وتشدد هذه المصارف في الدعاية الإعلامية المؤيدة لها على أنها أقرضت الدولة وبالتالي لا يمكن مطالبتها بإعادة الودائع المصرفية للناس إلا بعد أن تسدد لها الدولة ما اقترضته، ولو تطلب ذلك رهن أصول الدولة نفسها، فيما يندد الفريق المضاد للمصارف بما يعتبره ابتزازا للدولة وللمجتمع تسعى إليه الأخيرة، ويضاف إلى إساءتها للأمانة وعدم تقديرها للمخاطر وسماحها بالخروج الكيفي للرساميل في بدء الأزمة بالشكل الذي زاد الأزمة ضراوة.
بالأمس حلق سعر صرف الدولار الأمريكي فوق عتبة السبعين ألف ليرة لبنانية، ولا يبدو أن للتضخم الفائق الذي يعانيه الوضع اللبناني من حدود. ومع هذا، فالتعطيل للمؤسسات ومرافق الدولة، كما حالة الخيبة والركود في المجتمعين المدني والأهلي اللبناني، تظهر البلد أكثر فأكثر كما لو أنه مستسلم لما ينتظره، ليس بمستطاعه أن يوقف التدهور المتسارع. فكل هذا الانهيار الاقتصادي والمالي لم يدفع المشتغلين بالسياسة في لبنان إلى أي محاولة للخروج من الشعارات المكررة منذ سنوات، والبحث بدلا منها عن تحديد وتحقيق مهام إنقاذية عاجلة، بل لا يظهر من مدخل للعلاج غير الإصلاحات المطروحة من صندوق النقد الدولي، واللافت هنا أن أكثر من يرفضها ويندد بها في لبنان ليسوا يساريي الهوى على عادة البلدان الأخرى، بل إن المصارف هي التي تقف ضد صندوق النقد وخطته، وترفع مستتبعات ما ستتحمله وفقاً لعملية تشخيص صندوق النقد لطبيعة الأزمة المالية.
كذلك، لئن ظهر ملياً أن اسم قائد الجيش الحالي هو الأكثر تداولا عند العواصم المعنية بالملف اللبناني، بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية، لا يبدو حتى الآن أن ثمة ما من شأنه دفع النواب الذين يتغيبون عن جلسة انتخاب الرئيس إلى تأمين النصاب، بل أصبح التشديد على ضرورة انتخاب الرئيس العتيد يترافق أكثر فأكثر مع التسليم الضمني وأحيانا العلني بأن مرحلة الشغور هذه المرة لن تكون وجيزة. لكن هل بمستطاع لبنان في ظرفه الاقتصادي والمالي العصيب بل المدفوع إلى حالة التيئيس المعمم اليوم، وفي ظل الانقسامات الحادة المتزايدة، أن يعيش فترة شغور عامين ونصف العام مثلا كالتي عاشها بين 2014 و2106 والتي انتهت بانتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية؟ قطعاً لا. بدوره، الطاقم السياسي برمته لا يظهر وعياً للمسؤولية على هذا الصعيد، ولا يبدو في المقابل أي أفق لحركة شعبية ضاغطة، ولا أن الرهان على أن الوضع الشعبي سيعود للانتفاض كلما استفحلت الأزمة المالية له ما يسنده.
في هذا الوقت، لا يمكن القفز فوق دلالات انتقال حزب «القوات اللبنانية» ورئيسه سمير جعجع من التهديف على منظومة الحكم، كما يفعل كل واحد إنما على قاعدة استثناء نفسه، إلى الحديث عن الحاجة إلى مراجعة التركيبة نفسها التي تقوم عليها هذه الدولة ومؤسساتها. يبقى أنه، حتى الآن، لا ترجمة سياسية عملية واضحة لهذا الاستحداث في المصطلحات.

القدس العربي