يأتي “التغيير العميق” في العلاقة العسكرية لأميركا مع إسرائيل مع العديد من التكاليف والمخاطر التي يمكن التنبؤ بها -والقليل جدًا من الفوائد… المشكلة الأمنية الرئيسية لإسرائيل -ومصدر الاستنزاف الرئيسي لموارد وانتباه جيش الدفاع الإسرائيلي- هي من صنعها هي: احتلال الأراضي الفلسطينية وقمع ردود الفعل العنيفة للسكان الأصليين المقهورين الذين يعيشون هناك. وليس الاحتلال والقمع المرتبط به شيئًا في مصلحة الولايات المتحدة.
يبدو أن إدارة بايدن تدفع بالولايات المتحدة إلى تحالعسكري بحكم الأمر الواقع أوثق من أي وقت مضى مع إسرائيل، على الرغم من أن البلدين لم يتوصلا أبدًا إلى إبرام معاهدة أمنية متبادلة.
ويأتي هذا التطور استمرارًا لاتجاه أصبح ملحوظًا بشكل خاص خلال فترة إدارة دونالد ترامب، التي وضعت وزارة الدفاع الأميركية في الأيام الأخيرة للإدارة إسرائيل ضمن منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية، القيادة الموحدة التي تغطي الشرق الأوسط. ووصف إعلان البنتاغون عن ذلك التحول إسرائيل بأنها “شريك استراتيجي رائد للولايات المتحدة”.
ومن جهتها، قالت مصادر في إدارة الرئيس جو بايدن لوليام أركين، من “مجلة نيوزويك”، إن إعادة الترتيب البيروقراطية للقيادات الموحدة شكلت “التغيير الأكثر عمقًا” بالنسبة للجيش الأميركي فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل منذ تأسيس تلك الدولة. وكان الأمل المعرب عنه هو أن يؤدي هذا الترتيب في النهاية إلى إقامة تحالف شبيه بحلف الناتو في الشرق الأوسط، يكون موجهًا ضد إيران وروسيا والصين.
عادة ما يشكل الدخول في تحالف عسكري مع أي دولة أجنبية خطوة رئيسية تنطوي على مخاطر كبيرة، خاصة خطر الانجرار إلى حرب أحد آخر. وما كان يجب أن تتخذ الولايات المتحدة هذه الخطوة من دون النظر بعناية في ما إذا كان هذا التحالف ضروريًا لتلبية متطلبات أمنية كبيرة، وأن الفوائد ستفوق التكاليف والمخاطر.
ليس ثمة ما يشير علنًا إلى أن الانجراف إلى شراكة عسكرية وثيقة مع إسرائيل قد حظي بأي دراسة من هذا القبيل. ويتناقض هذا الوضع، على سبيل المثال، مع القضية الأخيرة المتعلقة بقبول فنلندا والسويد في حلف الناتو. فعلى الرغم من أن قبول دولتي شمال أوروبا هاتين يتمتع بدعم واسع على خلفية الحرب العدوانية الروسية في أوكرانيا، إلا أنه كان هناك على الأقل بعض النقاش والنظر في إيجابيات وسلبيات هذا التوسع في التحالف الأطلسي، بما في ذلك في الكونغرس. وفي المقابل، يبحث المرء عبثًا عن نقاش مماثل حول التزامات أميركا تجاه إسرائيل.
في العادة، تشمل الشروط التي يكون من شأنها أن تبرر تقديم الالتزامات التي يتطلبها أي تحالف أمني -سواء كان رسميًا أو بحكم الأمر الواقع- وجود تهديد عسكري حقيقي وكبير من قوة معادية. ويجب أن يكون هذا تهديدًا لا يمكن للأعضاء المحتملين في التحالف مواجهته بمفردهم. ويجب أن يكون التهديد واحداً إذا تحقق ولم تتم مواجهته، فإن النتيجة الجيوسياسية ستضر بشكل خطير بمصالح الولايات المتحدة.
لا ينبغي أن يكون منح التزام أمني لحليف محتمل عملاً خيريًا، باستعارة الصيغة التي استخدمها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ندائه الأخير إلى الكونغرس لمواصلة تقديم المساعدة لبلده. يجب أن يفيد التحالف الولايات المتحدة، وليس الأطراف الأخرى في الترتيب فقط. ينبغي أن تكون الالتزامات في اتجاهين، ويفضل أن تكون مع أطراف أخرى في التحالف راغبة في -وقادرة على- مساعدة الولايات المتحدة بطرق قد لا تكون متاحة في غياب تلك الالتزامات.
وأخيرًا، على الرغم من أن الظروف الخارجية قد تجلب إلى التحالف معًا بلدانًا ذات سياسات ومجتمعات محلية مختلفة بشكل ملحوظ، فإن الأكثر ترجيحًا أن تكون الظروف اللازمة لتبرير قيام التحالف قائمة عندما يكون هناك تشارك في القيم الأساسية. وتوضح القيم المشتركة الضربة التي يمكن أن تتعرض لها المصالح الأميركية إذا ترتب على شريك أن يستسلم لتهديد أجنبي، وتجعل القيم المشتركة الشريك أكثر استعدادًا لمساعدة الولايات المتحدة.
يقدم حلف شمال الأطلسي مقارنات وتناقضات مفيدة في هذا الصدد. إن توسيع التحالف في التسعينيات وبعض استخداماته في العمليات خارج المنطقة هي أمور تخضع للكثير من الشكوك، وكذلك ما إذا كان ينبغي أن يستمر حلف الناتو في الوجود من الأساس بعد انتهاء الحرب الباردة. ولكن، عندما تأسس حلف شمال الأطلسي في العام 1949، بدت الشروط التي تبرر تشكيل مثل هذا التحالف متوفرة. وشمل ذلك وجود تهديد عسكري جدي وكبير في شكل احتلال الجيش الأحمر السوفياتي لأوروبا الشرقية، وعدم قدرة الديمقراطيات الأوروبية -التي كانت ما تزال تشق طريقها للخروج من دمار الحرب العالمية الثانية- على مواجهة هذا التهديد بمفردها، والضربة الواضحة للمصالح الأميركية التي كان سيعنيها استيلاء السوفيات على أوروبا الغربية. وتم تأكيد الطبيعة الثنائية والعمل في الاتجاهين للالتزام الذي يرتبه التحالف عندما كان الاحتجاج الوحيد بـ”المادة 5″ الحاسمة من “معاهدة شمال الأطلسي” -التي يعد فيها الهجوم على أحد الأعضاء هجومًا على الجميع- قد جاء ردًا على الهجوم الذي شُن على الولايات المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2001.
ووراء كل هذا كانت القيم المشتركة للديمقراطية الليبرالية. وقد شكل الابتعاد عن تلك المشاركة في القيم في وقت لاحق كما فعلت بولندا -والمجر بشكل خاص، اللتين أصبحتا نقطتين حساستين وملتهبتين في الاتحاد الأوروبي وليس فقط في حلف شمال الأطلسي، استثناءً يسلط الضوء على القاعدة.
تختلف الظروف التي تحيط بإسرائيل الحالية كثيرًا عن أي من هذا. لا يوجد تهديد عدائي في الشرق الأوسط تمكن مقارنته، حتى من بعيد، بالتهديد الذي شكله الجيش الأحمر في أوروبا في الأربعينيات. ولا توجد قوة معادية قادرة على تحقيق الهيمنة على المنطقة. وتسمية إسرائيل نفسها بأنها القوة العسكرية الأبرز في المنطقة، بفضل قواتها التقليدية المتفوقة تكنولوجيًا وامتلاكها المفترض على نطاق واسع للأسلحة النووية الوحيدة في المنطقة. وهكذا، لا تحتاج إسرائيل إلى تحالف عسكري مع الولايات المتحدة حتى تكون آمنة ضد التهديدات الخارجية.
لا يمكن تصور أي سيناريو يمكن أن يشهد قوة أجنبية تعبر نهر الأردن أو جبل الشيخ لمهاجمة إسرائيل. إن المشكلة الأمنية الرئيسية لإسرائيل -ومصدر الاستنزاف الرئيسي لموارد وانتباه جيش الدفاع الإسرائيلي- هي من صنعها هي: احتلال الأراضي الفلسطينية وقمع ردود الفعل العنيفة للسكان الأصليين المقهورين الذين يعيشون هناك. وليس الاحتلال والقمع المرتبط به شيئًا في مصلحة الولايات المتحدة. إنه شيء يتعارض مباشرة مع مصالح الولايات المتحدة، من خلال إدامة الصراع وكونه مصدرًا لعدم الاستقرار وربط الولايات المتحدة بإنكار مميت في كثير من الأحيان لحقوق الإنسان -وهو إنكار يؤدي إلى تفاقم المشاكل الأمنية الأميركية من خلال تأجيج الإرهاب ونزعة معاداة أميركا في المنطقة.
كما لا توحد القيم المشتركة الولايات المتحدة وإسرائيل بالطريقة التي وحدت بها القيم الديمقراطية الليبرالية أميركا مع أوروبا الغربية. يتأسس النظام القانوني الإسرائيلي والشعور بالقومية على المعاملة التفضيلية لمجموعة عرقية/ دينية واحدة وتفوقها المؤسسي على المجموعات الأخرى. وتستخدم إسرائيل الأساليب الديمقراطية داخل المجموعة المفضلة، ولكن ليست هناك دولة تنكر الحقوق السياسية لملايين سكان الأراضي التي تحكمها، وتلك التي تعاملها إسرائيل لأغراض أخرى كجزء لا يتجزأ من أراضيها، يمكن أن تكون ديمقراطية. وسوف توسع الحكومة الإسرائيلية القادمة -الأكثر تطرفًا على الإطلاق- فجوة القيم بشكل أكبر، حيث تغرق إسرائيل أكثر فأكثر في التمييز والفصل العنصري.
وكان قد تم تأكيد عدم وجود قيمة لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة كحليف عسكري خلال عملية “عاصفة الصحراء”، الحملة التي شُنت لطرد العراق من الكويت في العام 1991. فقد ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لعدم الانضمام إلى القتال ضد نظام الزعيم العراقي صدام حسين، على الرغم من الجهود التي بذلها ذلك النظام لإدخال إسرائيل في القتال بشن الهجمات الصاروخية على الأراضي الإسرائيلية. وكان التدخل الإسرائيلي سيقوض جهود الإدارة الأميركية للحفاظ على تحالف عربي معارض للعراق.
يؤكد بعض المعلقين -بمن فيهم البنتاغون نفسه في إعلانه عن إعادة تشكيل القيادات الموحدة- أن تحسين علاقات إسرائيل مع عدد قليل من الدول العربية (ما تسمى بـ”اتفاقيات إبراهيم”) يجعل التعاون العسكري الأوثق مع إسرائيل أكثر أمانًا اليوم مما كان في السابق. لكن جذب الأنظمة العربية التي تنحرف بشكل أكثر حدة عن القيم الأميركية وتشكل أطرافا في المنافسات المحلية التي لا تتوافق مع المصالح الأميركية، يضاعف فقط من فرص انجرار الولايات المتحدة إلى نزاعات طرف آخر. وعلاوة على ذلك، فإن تحسين علاقات إسرائيل مع عدد قليل من الأنظمة في المنطقة -الذي كان ممكنًا من خلال المدفوعات الجانبية التي قدمتها إدارة ترامب- لم يلغ الصدى الذي تحتفظ به القضية الفلسطينية التي لم يتم حلها في جميع أنحاء العالم العربي وجزء كبير من العالم الإسلامي خارجه، وهو ما يعطي إسرائيل قيمة سلبية كحليف. وقد تجلى هذا الصدى في العديد من التعبيرات عن دعم الفلسطينيين التي ظهرت بقوة في بطولة كأس العالم الأخيرة في قطر.
زعمت تعليقات أخرى لسنوات عديدة أن الولايات المتحدة تستفيد من براعة إسرائيل في المسائل الأمنية مثل مكافحة الإرهاب وتطوير التكنولوجيا العسكرية. لكن السؤال ذي الصلة هو كم كانت إسرائيل لتفعل -إذا كانت لتفعل شيئًا- في هذه المجالات، مع بعض الفوائد الجانبية للولايات المتحدة، أكثر مما كانت لتفعله على أي حال حتى من دون الدعم المالي والدبلوماسي الضخم الذي تتلقاه من أميركا، أو نوع التحالف العسكري الذي تنجذب إليه الولايات المتحدة. إن لدى إسرائيل أسبابها القوية الخاصة، حتى من دون مثل هذه الخدمات الأميركية، لبيع تكنولوجيتها العسكرية والتعاون في مكافحة الإرهاب.
عندما تصطدم الأهداف الإسرائيلية الضيقة المتضمنة في نشاطها العسكري بالمصالح الأميركية، فقد كانت المصالح الأميركية هي التي عانت -على الرغم من الخدمات المالية والدبلوماسية الأميركية الممنوحة لإسرائيل. وقد تراوحت هذه المعاناة من قتل مواطنين أميركيين، إلى شن هجوم واسع النطاق على سفينة أميركية وطاقمها في وقت الحرب.
تتمحور مخاطر توثيق العلاقة العسكرية مع إسرائيل حول ميل إسرائيل إلى التورط في إصابة الآخرين بخدوش مميتة. كانت إسرائيل هي الدولة الشرق أوسطية التي ألقت بثقلها العسكري في الجوار، مع شن هجمات متعددة على أراضي دول أخرى، أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة. وقد بدأت إسرائيل مرارًا وتكرارًا حروبًا، بما في ذلك الحرب الكبرى في العام 1967 التي بدأت بهجوم إسرائيلي على مصر. وفي وقت لاحق جاءت الغزوات الإسرائيلية المتكررة للبنان، والهجمات العسكرية المدمرة المتعددة على قطاع غزة الذي يسكنه فلسطينيون، والهجوم على مفاعل نووي عراقي (الهجوم الذي أحيا وسرَّع برنامجًا عراقيًا سريًا لتصنيع الأسلحة النووية)، وهجوم مماثل في وقت لاحق في سورية.
في الوقت الحالي، تواصل إسرائيل شن حملة قصف جوية متواصلة ضد أهداف في سورية ما تزال مستمرة لسنوات وشملت عشرات الغارات. وحتى الآن، كان إطلاق النار الغاضب بين إسرائيل وسورية كله تقريبًا في هذا الاتجاه الواحد، لكن فرصة التصعيد التي تشمل سورية أو حلفاءها الإيرانيين أو الروس تبقى كبيرة.
كان التهديد بشن هجوم عسكري على إيران فكرة مهيمنة على أذهان القادة الإسرائيليين، وجزءًا من استراتيجية تأجيج أقصى قدر من العداء تجاه إيران كوسيلة لخدمة أهداف إسرائيلية أخرى. وعندما قاد بنيامين نتنياهو الحكومة الإسرائيلية في وقت سابق، كان تجنب هجوم إسرائيلي على إيران أحد الدوافع التي دفعت إدارة باراك أوباما إلى استخدام الدبلوماسية المكثفة لسد جميع المسارات الممكنة لصنع سلاح نووي إيراني.
والآن، مع عودة نتنياهو إلى السلطة على رأس ائتلافه الراديكالي، ومع توسيع إيران برنامجها النووي ردًا على تخلي دونالد ترامب الأحمق عن الاتفاق الذي قيد هذا البرنامج بشدة، فإن خطر تحريض إسرائيل على خوض حرب مع إيران كبير كما كان دائمًا. والسيناريو المفضل بالنسبة لنتنياهو هو أن تتحمل الولايات المتحدة، بدلاً من إسرائيل، الأعباء والتكاليف الرئيسية لمثل هذه الحرب. وبالنظر إلى سجل إسرائيل الطويل من العمليات السرية ضد إيران، فإن قدرة حكومة نتنياهو على التلاعب بالأحداث وتحقيق مثل هذا السيناريو كبيرة.
باختصار، لن يجلب تحالف عسكري مع إسرائيل أكثر من فائدة صغيرة لا تذكر للولايات المتحدة، أو أنه لا يحقق أي فائدة على الإطلاق، ولكنه ينطوي على تكاليف ومخاطر كبيرة، وخاصة خطر الانجرار إلى حرب تُشن -ليس لخدمة المصالح الأميركية، وإنما لخدمة أهداف نظام أجنبي.
الغد