زيلينسكي يريد الطائرات.. فكروا مليا قبل إعطائها له‏

زيلينسكي يريد الطائرات.. فكروا مليا قبل إعطائها له‏

تنطوي الموافقة على طلب أوكرانيا تلقي طائرات مقاتلة على مخاطرة كبيرة. وسيكون من الأفضل مساعدتها على اكتساب ميزة في ساحة المعركة كأساس لمحادثات السلام.‏

* *
للخطاب البطولي لحظته في كل صراع. “‏‏نحن لدينا الحرية، أعطونا أجنحة لنحميها”، ‏‏هكذا صرخ الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في سياق التماسه الدعم من دول أوروبا في قاعة وستمنستر يوم الأربعاء الماضي.

إنه يواجه معركة متجددة لطرد الدبابات الروسية من أرضه -كل أرضه- في الربيع المقبل. وقضيته عادلة، ويائسة. وهو الآن يريد الطائرات.‏

في وقت من النوع الذي تعيشه، تكون للحرب أعذب الألحان. إنها تسخِّف الجدل، وتمجِّد الخطر، وتسخر من الحذر. خلال العام الماضي، كافحت القوى الغربية، تحت رعاية حلف شمال الأطلسي، لاحتواء المعارك في ‏‏أوكرانيا‏‏ ومحاولة منع تصعيدها إلى ما كان يخشاه منظرو حقبة الحرب الباردة على وجه التحديد -زعزعة استقرار ميزان القوى في أوروبا الذي قد يؤدي إلى نشوب صراع واسع النطاق وكارثي.‏

وقد نجحوا حتى الآن. فقد قوبلت محاولة روسيا الشائنة لاحتلال وغزو أوكرانيا كاملة بالمقاومة. وتراجع خط التماس مع القوات الروسية إلى منطقة دونباس في الشرق، وهي تقريبًا الأراضي نفسها التي ‏‏كانت قد احتلتها روسيا بدعم محلي في العام 2014‏‏.

وتم تجنب التصعيد إلى حد كبير لأنه لم يتم، عمدًا، استخدام الأسلحة الغربية على الأراضي الروسية. وقد مكن حلف شمال الأطلسي أوكرانيا من خوض مقاومة باسلة.

ولم يكن السبب في ذلك هو الحفاظ على الأمن الغربي، وإنما كان ذلك من منطلق الاحترام لسيادتها التي تعرضت لهجوم قاس. وهو ليس احترامًا أظهره الغرب على الدوام، كما حدث في أفغانستان، والعراق وليبيا.‏

في مرحلة ما من أي حرب، سوف تتباعد المصالح. وترغب روسيا في أن ترى الدعم الغربي لأوكرانيا على أنه عدوان من حلف شمال الأطلسي، وهي وجهة نظر تأكدت جزئيًا من خلال ‏‏العقوبات الاقتصادية العالمية‏‏ التي فرضها الغرب، ونبذه الشرس لكل ما هو روسي.

ويبدو أحيانًا كما لو أن لندن وواشنطن كانتا حريصتين على دعم جنون الارتياب لدى فلاديمير بوتين.‏

وفي الوقت نفسه، لدى أوكرانيا مصلحة في الرد بالمثل. وهي تطالب بأن يُنظر إلى روسيا على أنها تشكل تهديدًا لكل أوروبا والعالم.

وهي تتجاهل خطر التصعيد النووي باعتباره ‏‏تهديدًا خاملاً لن يتحقق‏. وبتشجيع من الأسلحة الغربية، تريد الآن طرد روسيا من كل أوكرانيا.

ويقول خبراء عسكريون إن هذا سيتطلب التزامًا غربيًا طويل الأجل وواسع النطاق، ربما يشمل تواجد الجنود على الأرض.

ومن شأن ذلك أن ينهي تصميم الناتو على تجنب الحرب التي تؤدي إلى أي “‏‏صراع حركي‏‏ نشط” مع روسيا. ومن المؤكد أنه سيقسم التحالف.

لكن أي شيء من هذا لم يمنع سياسيين مثل بوريس جونسون، من الذين لديهم أجندات خاصة بهم، من البحث عن تصدر العناوين الرئيسية مع الكثير من تهنئة الأوكران وتشجيعهم والحديث التشرشلي عن “‏‏النصر الكامل‏‏”.‏

للأسف، تلاقي مناقشة السلام في هذا المنعطف من الحرب استجابة مألوفة بشكل محبط، حيث ينظر إلى التسوية على أنها استسلام. عندما يمكنك أن تستمتع ‏‏بالتصفيق في وستمنستر‏‏ وقصر باكنغهام، لماذا تخاطر بالتعرض للإذلال حول طاولة مفاوضات في البحر الأسود؟

وفي الوقت نفسه، يشعر الجانبان بأن بإمكانهما استدعاء المزيد من الموارد، خاصة الغربية منها في حالة كييف. ثمة دائمًا مجال لـ”دفعة أخرى إضافية”. ‏

لقد تدهور السبيل الوحيد المعقول للخروج من هذا الصراع إلى حد التوقف عن ذكره جملة وتفصيلًا. والسبيل هو إعادة إنشاء نسخة من حدود العام 2021 التي تم التوصل إليها -وقبلتها كييف والممثلون الأوروبيون- بموجب ‏‏اتفاقية مينسك‏‏ بعد العام 2014.

ونحن نعلم أن هذه الحدود أثبتت أنها مجرد حبر على ورق، حيث تم تجاوزها بشكل رهيب في الغزو الروسي اللاحق. ولكن، وكما هو الحال في جميع الحروب، يجب التوصل عاجلاً أم آجلاً إلى اتفاق على أساس بعض من ميزان القوى القائم.‏

هذا هو ما يجب أن يهيمن على النقاش حول طلب زيلينسكي طائرات قتالية جديدة. يوضح الخبراء العسكريون أنه لا يمكن تصور أن تكون مثل هذه الطائرات قيد الاستخدام بحلول الربيع المقبل، بل ‏و‏ربما ليس في هذا العام‏‏.

لا يمكن تدريب الطيارين الأوكرانيين على الطيران بها، ولا بناء مرافق أرضية للتعامل معها. ولا يمكن للطائرات أن تقوم باحتلال الأراضي، وكقاذفات قنابل، سيُسمح لها فقط بقصف القوات الروسية المتواجدة في أوكرانيا.

وبذلك ستكون ذات استخدام تكتيكي محدود. في هذا الربيع، ستكون الدفاعات المضادة للطائرات وللصواريخ أكثر فائدة بكثير، كما يجب أن يكون كذلك وصول ‏‏الدبابات الغربية‏‏.‏

بعبارات أخرى، سيكون إمداد أوكرانيا بالطائرات تصعيدًا للدعم أكثر من كونه تعزيزًا عسكريًا.

ويمكن افتراض أن ذلك قد يوحي لبوتين بأن حربه لن تنتهي، وأن عليه أن يتنازل من أجل السلام. وبالمثل، ربما تفعل الطائرات العكس.

فقد يرد هو، أو أي من المتشددين الذين سيحلون محله، بضربة نووية أو بشن هجوم جوي وحشي على كييف. وقد يتصاعد هذا الوضع ليؤدي إلى وصول الطيارين الغربيين وشن هجمات على قواعد عسكرية في ‏‏داخل روسيا‏‏.

وفي كلتا الحالتين، سوف يرتفع بشكل صارخ خطر حدوث تصعيد قاتل للصراع من دون تقديم مساعدة حقيقية لأوكرانيا على الأرض. ومن المؤكد أنه سيقسم الحكومات والشعوب الغربية.‏

هذا هو السبب في أن المقامرة بإرسال الطائرات لا يمكن أن تستحق العناء. وسيكون من الأفضل إلى حد بعيد مساعدة زيلينسكي على اكتساب ميزة في ساحة المعركة في الربيع المقبل كأساس لجهد مستدام من أجل تحقيق السلام.

وحتى الآن حافظ الغرب على درجة مثيرة للإعجاب من السيطرة على هذا الصراع المروع، ولا يمكنه أن يتخلى عن هذه السيطرة في مثل هذا المنعطف الحرج.‏

*سايمون جينكينز

الغد