لعبة المجموعات في إدارة الصراعات

لعبة المجموعات في إدارة الصراعات

حرب_أوكرانيا كشفت عناصر القوة والضعف في الصراع #الجيو_سياسي و#الجيو_إستراتيجي و#الجيو_اقتصادي على مستوى العالم.

قوة أية دولة ليست فقط القوة العسكرية والاقتصادية بل أيضاً قوة تحالفاتها واتساعها، ونقاط الضعف لدى أية دولة تتجاوز ما عندها في الداخل إلى ما ليس لديها في الخارج، وكذلك الكفاية والاحتراف في إدارة ما تملكه.

اللعبة الأساس هي لعبة المجموعات وهذا ما ظهر واضحاً في حرب أوكرانيا، فكييف التي استضعفتها موسكو وجدت دعماً دولياً واسعاً من أوروبا وأميركا وآسيا، وروسيا التي أرادت إسقاط النظام العالمي الخاضع لسيطرة أميركا لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب على القمة بدت معزولة إلا عن قليل من الدول الداعمة لها، والتفاصيل معبرة جداً.

أوروبا التي سماها وزير الدفاع الأميركي أيام غزو أفغانستان والعراق دونالد رامسفيلد “القارة العجوز” استعادت شبابها، وقول روبرت كاغان في كتاب “الجنة والقوة” إن “الأميركيين من المريخ والأوروبيين من الزهرة” لم يصمد في الواقع، فالاتحاد الأوروبي يضم 27 دولة بعد خروج بريطانيا منه، والمجموعة السياسية الأوروبية قوامها 44 دولة وهي تبحث حالياً عن “هيكل أمني جديد”، فما حدث في شرق أوروبا الأوراسية هو “صك ولادة أوروبا الجيو-سياسية وتعزيز دفاعاتها لمنع نشوب الحروب”، كما قال المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والرئيس إيمانويل ماكرون يبدأ “اقتصاد الحرب” ويضيف إلى الموازنة الدفاعية الفرنسية 413 مليار يورو للسنوات السبع المقبلة، والمستشار أولاف شولتز يطلب تخصيص 100 مليار يورو لتعزيز الدفاع الألماني، وبولندا ودول أوروبية عدة بعد أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تقدم الدبابات والمدافع والصواريخ لأوكرانيا، فضلاً عن الأهم وهو عضوية دول أوروبية كثيرة في حلف شمال الأطلسي الذي صارت له اهتمامات في المحيطين الباسيفيكي والهندي.

أميركا هي القوة المهمة في الـ “ناتو” والطرف الفاعل في تحالف “أوكوس” الذي يضمها مع بريطانيا وأستراليا، و”مجموعة كواد” المؤلفة من أميركا والهند واليابان وأستراليا، وتحالف “العيون الخمس” بين أميركا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، ولديها كما يقول جون إيكنبري “شراكات مع 60 دولة في العالم، والدول الآسيوية تخشى أن تهجرها أميركا أكثر من أن تسيطر عليها”، فضلاً عن أنها تقيم 800 قاعدة عسكرية في العالم بينها قواعد في بلدان عدة من الشرق الأوسط.

روسيا لم يبق لديها من بين البلدان التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي حليف كامل الأوصاف سوى بيلاروس التي لجأ رئيسها ألكسندر لوكاشنكو إلى الرئيس فلاديمير بوتين لحماية نظامه من تظاهرات شعبية عارمة ضده بسبب تزوير الانتخابات التي ربحتها مرشحة المعارضة سفيتلانا تسيمانو سكايا بعد سجن زوجها زعيم المعارضة وقبيل اضطرارها إلى الهرب من بلادها.

حرب سوريا كانت فرصة للتدخل العسكري الروسي إلى جانب النظام واستعادة بعض الدور الذي كان للاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، والمسرح العسكري والاقتصادي الجديد الذي تلعب فوقه موسكو هو أفريقيا، إذ تأخذ مكان القوات الفرنسية في بوركينا فاسو ومالي من خلال مرتزقة “فاغنر” الذين يعملون أيضاً في ليبيا ويحاربون على الخطوط الأمامية في أوكرانيا، ولا يزال مشروع القاعدة العسكرية الروسية في السودان على البحر الأحمر موضع أخذ ورد، في حين ضمنت موسكو في سوريا قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية مع وجود في اللاذقية.

الصين هي القوة الكبرى الجديدة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً وليس لديها سوى تحالفات محدودة مع كوريا الشمالية وجيبوتي وبلدان قليلة عدة، وهي تحاول توسيع مداها الحيوي والتحالفات عبر مشروع “الحزام والطريق” الممتد من بلدان في آسيا إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، لكن المشكلة أن جيران الصين في آسيا يتخوفون من هيمنتها بأكثر مما يرحبون بمشاريعها، وهي رابحة في الصراع الجيو-اقتصادي، أما في الصراع الجيو-سياسي والجيو-استراتيجي فإنها في مرتبة عادية بانتظار تحولات هائلة تراهن عليها لتشكيل “نظام عالمي جديد تسيطر عليه بقوتها مكان قوة أميركا”، بحسب القراءات في تفكير الرئيس شي جينبينغ.

الصراع على القمة يزداد حدة، وما يلعب دوراً مؤثراً هو الفارق الكبير في إدارة الصراع بين من يمارسون سياسات تجعل من القوة ضعفاً ومن يضعون سياسات تجعل من الضعف قوة.
اندبندت عربي