مر شتاء أوروبا البارد ولم ترفع العقوبات عن استثمارات الغاز الإيرانية

مر شتاء أوروبا البارد ولم ترفع العقوبات عن استثمارات الغاز الإيرانية

راهن المسؤولون الإيرانيون منذ فرض الغرب عقوبات قاسية على صادرات الغاز الروسي على احتياطاتهم من الغاز لسد الفجوة العالمية ما سيضطر الدول الأوروبية إلى رفع العقوبات عن استثماراتها النفطية، لكن ذلك لم يحصل.

بروكسل – كانت إيران مع اقتراب فصل الشتاء تستمتع باحتمال انخفاض درجات الحرارة الذي يمكن أن يضع أوروبا في حالة تجمد عميق ما يسمح برفع العقوبات الغربية على استثمارات الغاز الإيرانية، إلا أن شتاء أوروبا البارد مر ولم ترفع العقوبات.

ووفقا للسيناريوهات التي طرحها المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام الحكومية، سيوفر الشتاء الصعب للأوروبيين العديد من المزايا، بما في ذلك نفوذ في مفاوضات فيينا الهادفة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المتعثر مع القوى العالمية والعقوبات على الاستثمارات الإيرانية في الغاز.

وكتبت صحيفة “كيهان”، التي تعكس في الكثير من الأحيان آراء المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي المتشددة بينما اجتمع المفاوضون في خريف 2022، “انتظر شهرين حتى يحل الشتاء في أوروبا لنيل صفقة أفضل”. وكان التوقع هو اضطرار الدول الأوروبية عبر طاولة المفاوضات إلى رفع العقوبات القاسية ضد صادرات الطاقة الإيرانية.

ارتفاع استخدام الكهرباء
مع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في الداخل لم تكن إيران في وضع يمكّنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي

بقيت العقوبات سارية حتى مع تعثر المحادثات النووية، ولم تتحقق الوعود بشحن الغاز الطبيعي الروسي، إلا أن المزاج السائد في إيران كان متفائلا مع وصول البرد القارس إلى البلاد في يناير. ولن تواجه إيران أيّ مشكلة في الصمود أمام البرد.

وكتبت صحيفة “جوان” المقربة من الحرس الثوري “بينما تلقّى الفرنسيون تحويلات من الحطب، توجه الألمان إلى الفحم، وأصبح البريطانيون يحرقون براز القطط، وتحول السويديون إلى البطانيات للبقاء على قيد الحياة في هذا الشتاء القاسي”.

ولكن مع انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في الداخل، لم تكن إيران في وضع يمكّنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وسارعت السلطات للاقتصاد في الغاز، مما أدى إلى إغلاق بعض المدارس والمرافق العامة. وغضب المواطنون من ارتفاع أسعار الغاز، كما أانقطاعه المنظم احتجاجات متفرقة، مما أضاف سببا جديدا للمظاهرات المناهضة للحكومة في إيران.

وفي الآن نفسه، طغت زيادة استخدام الكهرباء على الشبكات، في حين أدى حرق الوقود غير الأخضر إلى ارتفاع في تلوث الهواء.

ونقلت وكالة‌ أنباء الجمهورية الإسلامية (إيلنا) شبه الرسمية الشهر الماضي عن النائب محمد سرغازي من إقليم سيستان بلوشستان قوله “خلال الأيام القليلة الماضية، عندما وصلت درجة الحرارة إلى ناقص 20 درجة مئوية.. لم نتمكن من توفير الكيروسين أو الغاز المسال للمواطنين. كانت الظروف صعبة للغاية إلى درجة أنهم أحرقوا الحطب وفضلات الحيوانات في القرى”.

فشل إدارة الطاقة

نقلت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد اليأس حيث انقطع الغاز عن مناطق كثيرة في إيران وسط موجة البرد. وأظهرت مقاطع الفيديو طوابير طويلة من المستهلكين في جميع أنحاء البلاد في انتظار إعادة تعبئة الغاز المخصص للطهي والاحتياجات المنزلية الأخرى.

وظهر الطلاب الصغار ملفوفين بالبطانيات في فصول دراسية شديدة البرودة. كما انتشرت صور أخرى لإيرانيين غاضبين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على نقص الإمدادات وتجمعوا خارج مكاتب الإغاثة للمطالبة بسخانات كهربائية.

لكن بينما كان الإيرانيون والمراقبون يتساءلون عن كيفية وصول دولة تتمتع باحتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي إلى هذا السيناريو، وفّر الخبراء إجابة بسيطة مفادها “عقود من الإستراتيجيات المضللة التي جعلت إيران تعتمد بشكل مفرط على الغاز الطبيعي وجعلت أمن طاقة البلاد في خطر”.

وقال مستشار السياسة الخارجية للطاقة بواشنطن أومود شكري إن “إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم. لكنها لم تتمكن من استخدام هذا المورد بكفاءة بسبب الاستهلاك المحلي المرتفع، وسوء الإدارة، والعقوبات، ونقص الموارد المالية والتكنولوجيا المتقدمة”.

وذكر شكري أن إيران كانت مستوردا صافيا للغاز الطبيعي منذ 2011 على الرغم من احتياطياتها الهائلة. ولجأت إلى الإمدادات من تركمانستان في محاولة لعكس أزمة الطاقة المزمنة. لكن الغاز الإضافي فشل في سد احتياجات إيران التي تبقى واحدة من أكبر خمسة مستهلكين للغاز الطبيعي في العالم.

وارتفع النقص إلى 300 مليون متر مكعب من الغاز يوميا هذا الشتاء. ويزداد العجز مع تراجع الإنتاج المحلي وتدهور البنية التحتية القديمة. وتكافح إيران للحصول على الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا التي تحتاجها لتغيير الوضع.

وارتفع إنتاج الغاز المحلي بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وكان مدعوما باستغلال حقل جنوب فارس الذي يعدّ أكبر حقل غاز في العالم. ولكن مثل معظم حقول الغاز الإيرانية من المتوقع أن ينخفض الإنتاج في الحقل بشكل مطرد إذا لم تُبعث منصات حفر جديدة ضخمة.

وحتى لو تمكنت إيران من إبرام صفقة اليوم مع شريك أجنبي يتمتع بالخبرة لإنشاء مثل هذه المنصات (كما فعلت قطر بحصتها في جنوب فارس) فستدفع 25 مليار دولار وتنتظر خمس سنوات لرؤية النتائج.

وقال الخبير في قضايا الطاقة الإيرانية دالغا خاتين أوغلو إن الكثير من الغاز الطبيعي في البلاد يُهدر نتيجة تسرب الغاز، وعدم كفاءة إنتاج الكهرباء، ونقص مرافق التخزين المناسبة، وحرق الغاز بسبب افتقار الدولة لتكنولوجيا الالتقاط.

وبينما استثمرت إيران ما يصل إلى 20 مليار دولار سنويا في قطاع النفط والغاز في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انخفض هذا الرقم إلى النصف بحلول 2016 ثم انخفض إلى حوالي 3 مليارات دولار فقط سنويا منذ ذلك الحين، وفقا لدالغا خاتين أوغلو.

روسيا في معادلة العقوبات
الطاقة

اتخذت إيران خطوة كبيرة نحو ضخ حياة جديدة في قطاع الطاقة بعد أن أبرمت الاتفاق النووي مع القوى العالمية في 2015. ومكّن الاتفاق من رفع بعض العقوبات الدولية ضد طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي المثير للجدل.

وفي غضون سنة، وقّعت إيران صفقة بقيمة 5 مليارات دولار مع شركة الطاقة الفرنسية توتال التي تمتلك الخبرة والتكنولوجيا المطلوبة لمواصلة تطوير منصة جديدة في حقل جنوب فارس.

لكن توتال هجرت المشروع عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018 وأعادت فرض عقوبات يمكن أن تعاقب بموجبها الشركات العاملة مع طهران. ثم تحولت إيران بعد ذلك إلى مؤسسة البترول الوطنية الصينية في شراكة لتطوير جنوب فارس، ولكن مؤسسة البترول الوطنية الصينية انسحبت في 2019 من المشروع أيضا.

ومن ثم جاءت روسيا التي تشارك إيران مصالحها في الالتفاف على العقوبات الغربية، مما وضع أسس اتفاقية بقيمة 40 مليار دولار في يوليو مع شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم لتطوير عدد من حقول الغاز والنفط. لكن الخبراء يقولون إن شركة غازبروم (مثل مؤسسة البترول الوطنية الصينية) تفتقر إلى القدرات اللازمة لتطوير جنوب فارس.

كما لم تتلق إيران أيّا من الـ55 مليون متر مكعب من الغاز الروسي التي كانت ستستوردها بموجب الاتفاق مع موسكو.

وقال شكري إن إيران كانت ستستخدم الإمدادات الروسية للاستهلاك المحلي ولإجراء مقايضة تحصل بموجبها على غاز موسكو وترسل الغاز الخاص بها إلى العملاء الروس في المنطقة بعد نيل حصتها. ولم يتم تنفيذ الصفقة في النهاية، وكان ذلك جزئيا بسبب طرق نقل الغاز الحالية لموسكو عبر تركيا، والتي لم تترك فائضا من الغاز لإيران.

وقال شكري إن التردد الروسي في مساعدة منافس محتمل في تصدير الغاز لعب دورا كذلك. وأضاف “سيتحول سوق تصدير النفط والغاز الطبيعي في البلاد إلى آسيا بما أن روسيا لم تعد قادرة على لعب دور مهم في أمن الطاقة في أوروبا. لا تريد موسكو أن تكون إيران منافسة لها في سوق الطاقة في آسيا”.

تحدث وزير النفط الإيراني جواد أوجي للصحافيين على هامش اجتماع حكومي الأسبوع الماضي عن خطط لتطوير قطاع الطاقة. ودافع عن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي مع الاعتراف بأن البلاد كانت تشهد شتاء باردا غير مسبوق، وقال إن الإغاثة ستأتي بحلول نهاية العام حيث أن المزيد من الإمدادات المنتجة محليا ستُضخ في شبكة خطوط الأنابيب في البلاد. لكن الخبراء يرون أن مثل هذه الإصلاحات لا تشكل حلا طويل الأمد.

وأشار شكري إلى ما أعاق الحلول السابقة، مثل خسارة الغاز الطبيعي المستورد من تركمانستان في يناير، عندما فشلت إيران في سداد ديونها للدولة الواقعة في آسيا الوسطى مما تسبب في تحويل الإمدادات إلى أذربيجان. واعتبر أن “الأولوية هي الردع فقط” في إيران، في حين يجب أن يكون التركيز على التنمية المستدامة وتحسين رفاهية الشعب الإيراني الاقتصادية.

وقال شكري إن إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي لا تتمتع بأيّ “فهم سليم لأمن الطاقة ودبلوماسيتها وانتقالها”، وهي أمور اعتبر أنها “تتطلب اقتصادا قائما على الطاقات الخضراء والنظيفة”.

ورأى أن مثل هذا التحول يتطلب موارد مالية ضخمة وتكنولوجيا متقدمة، وأن “السياسة الخارجية الإيرانية المتوترة واستمرار البرامج النووية والصاروخية والطائرات دون طيار والتدخل في شؤون الدول الأخرى تجعل إيران غير قادرة على جذب الموارد المالية والتكنولوجية اللازمة لحل المشاكل الحالية التي تقوّض صناعة الطاقة الإيرانية”.

العرب