هم أناس أذكياء لكنهم يتصرفون بشكل خطير، ليسوا فاشيين لكنهم يقودوننا إلى الفاشية. يصعب عليهم الفهم بأن هذا ليس احتجاجاً آخر؛ بل صرخة. يملكون (نتنياهو، ولفين، وروتمن) القوة للانتصار، وإذا ما أصروا على مواصلة ركضهم المجنون وإلحاق الهزيمة بالاحتجاج سيكون هذا انتصاراً أشبه بالهزيمة، وستكون هذه علامة طريق في نهاية دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. الدولة لن تنهار بعد يوم من إقرار التشريع التعسفي نهائياً. فالانهيار مسيرة. وبدلاً من إيقافه، يقودونه.
إسرائيل ليست هنغاريا أو بولندا؛ فالتشبيه مردود. هاتان الدولتان يمكنهما السماح لنفسيهما بأن تصبحا أقل ديمقراطية بكثير. يدور الحديث هناك عن المس بالمساعدة الأوروبية والمس بالاقتصاد، وهذا هو. ليس لطيفاً، ولا فظيعاً. أما إسرائيل فهي في مكان آخر.، لأنها الدولة الوحيدة في العالم التي يعمل ائتلاف يمتد من إيران والإخوان المسلمين وحتى الحملات التقدمية في الغرب، لأجل إنهائها. وكلما تقدم التشريع التعسفي، يزيد نصرالله وأعداء إسرائيل من احتفالهم.
وهم يفهمون بأن هذا لم يعد جدالاً بين يسار ويمين، وليس بين متدينين وعلمانيين. كما أنه لا يهم إذا كان هناك بضع جمعيات يسارية تشعل الاحتجاج، وإذا كان بضعة استفزازيين يرفعون علم م.ت.ف، وإذا كان سياسي جدي ما ينزل عن الخطوط ويجري تشبيهاً بين إسرائيل وألمانيا؛ لأن ما يقف خلف هذا الاحتجاج هو تخوف كثيرين وطيبين من أن إسرائيل قد تغير وجهها. هذه لن تكون دولتهم. الاستعداد للخدمة العسكرية بعامة، وللخدمة القتالية بخاصة – سيهبط جداً. باتت الأقوال تسمع في المعركة الأولى. وستظهر المعطيات في المعركة الثالثة. معظم التكنولوجيين الذين يقودون الاحتجاج لن يغادروا إسرائيل. لكن أبناءهم سيجدون الطريق إلى الخارج. هم لا يريدون العيش في دولة يوجد فيها قانون المخمر حتى لو كانوا هم أنفسهم لا يقتربون من المخمر في “الفصح”. ولا في دولة يتسع فيها عدم المساواة في العبء. ولا دولة يبتز فيها متفرغون حريدون ميزانيات تعليمية دون أن يعلموا المواد الأساسية. وقد ملوا. أهذه هي الرؤيا الصهيونية؟ هذا تحطيمها. وعندما يضاف لكل هذه الطبخة المس بالديمقراطية، تلك القشة التي تقصم ظهر البعير، وليست قشة، بل شحنة ثقيلة الوزن تتضمن ائتلافاً مع تحكم حصري في لجنة انتخاب القضاة فيما هو واضح تماماً بأن مثل هذه اللجنة ستعمل وفقاً لإملاءات مجموعات ضغط من مركز الليكود.
قد يثق كثيرون من مبادري التشريع الجديد بأنهم محقون وأنها تغييرات واجبة لفصل السلطات والحوكمة ولجم الفاعلية القضائية التي أصبحت كاسحة. لكن لا توجد شخصية واحدة من بين المنتقدين القدامى بذات السحق تؤيد التشريع الجديد الذي يستبدل سحقاً قضائياً بسحق سياسي. “أروني كابحاً واحداً، واحداً فقط، في القوة السياسية التي ستكون لكم أمام المس بالطائفة المثلية، إذا ما أجيز التشريع”، صرخ ممثل الطائفة المثلية أمس، في نقاش في لجنة الدستور. لم يجبه أحد. إذ لا جواب، ثم لا حماية. إذ مع كل الاحترام لسموتريتش الذي أعلن أنه لن يسمح بالمس بحقوق الإنسان، من الصعب قليلا الثقة بكاره الإنسان الذي نظم مسيرة البهائم. إذن نعم، ثمة حاجة للإصلاح. لكن ليس ذاك الذي يأتي مع نكهة دكتاتورية.
سيكون ممكناً قبول قسم غير صغير من الحجج ضد جهاز القضاء، لكن إذا ما نجح الائتلاف بالفعل في تمرير التشريع الساحق، فسيكون الضرر مخيفًا. لن تكون هذه هزيمة للاحتجاج، بل هزيمة للدولة. هكذا نذكر مرة أخرى: لسنا هنغاريا ولسنا بولندا. إسرائيل لا يمكنها أن تدفع الثمن الذي دفعه تلك الدولتان على التشريع الساحق؛ لأن الثمن عندنا قد يكون الخراب. وبدلاً من الانشغال في تخصيب اليورانيوم في إيران والتصدي لاحتدام الأوضاع في “المناطق” [الضفة الغربية] بعامة، وفي القدس بخاصة، نحن قلقون من المس بالديمقراطية.
إن رد رئيس الوزراء أمس كان من النوع الديماغوجي المعروف. فهل يمثل هؤلاء الزعران الذين سدوا الطريق إلى بيت تالي غوتليف، مئات آلاف المتظاهرين؟ أهو جدي؟ لكنه قال أيضاً شيئاً صحيحاً: نحن في لحظة طوارئ، والمستشارة القانونية مشغولة بتفاهات “محظور عليك التدخل”. قال بنحاس فلرشتاين، من قادة “غوش ايمونيم” أمس: أؤيد الإصلاح. لكن شعب إسرائيل لا يمكنه أن يتخلى عن المتظاهرين. ولهذا، فإني مستعد للتنازل عن أجزاء كبيرة من الإصلاح. هذا هو موقف الكثيرين في اليمن. لكن نتنياهو ولفين وروتمن يصرون على الاندفاع إلى مواقع الخراب. “هذه صرخة حقيقية”، كُتب على إحدى اليافطات في مظاهرة الأمس. هذا صحيح. لكن يجب أن يضاف: “هذه صافرة إنذار حقيقية”.
القدس العربي