دبلوماسية ربطة العنق… رسائل مبطنة بين الدعم والتحذير

دبلوماسية ربطة العنق… رسائل مبطنة بين الدعم والتحذير

يبدو أن أدوات رجل السياسة قد تذهب إلى ما هو أبعد من الرسائل الصريحة والبيانات الرسمية، لتشمل ما يعتمده من أزياء. على مر التاريخ ثمة رسائل مبطنة عدة كشفت اتجاهات سياسية، ورسمت علاقات دولية، واحتضن التاريخ تغييرات سياسية بدأت بربطة عنق، وربما «دبوس بدلة».

كان ذلك لافتاً، خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعاصمة الأوكرانية، كييف، (الاثنين)، حيث اعتمد خلال لقائه والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ربطة عنق بألوان علم أوكرانيا، الأزرق والأصفر، ليُعزز زيارته بـ«رسائل دعم مبطنة» لأوكرانيا في أزمتها مع روسيا.

هذه ليست المرة الأولى التي تحمل فيها ربطة عنق بايدن رسالة دبلوماسية. خلال القمة التي جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في جنيف يونيو (حزيران) 2021، انتقدت وسائل إعلام روسية لون ربطة العنق التي اعتمدها والتي جاءت باللون الأزرق الفاتح، وقالت وقتها خبيرة الإتيكيت الروسية، تاتيانا نيكولايفا إنه «لون يشير إلى موقف طفولي متردد من قبل الجانب الأميركي»، بينما فسرت اختيار بوتين لربطة عنق باللون الخمري، مُطبعة بالأشكال الهندسية، «انعكاساً لموقف أكثر حسماً من قبل الجانب الروسي، وعلامة على تصميم الكرملين على الدفاع عن موقفه التفاوضي ديناميكياً»، حسب وكالة الأنباء الروسية «رايا نوفيستي».

من جانبها، ترى الدكتورة نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن «عالم السياسة مليء بالرسائل المبطنة، والتي قد تحمل تأثيراً أكثر دلالة من المواقف المباشرة»، وتقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «السياسة لا تتضمن شيئاً من قبيل الصدفة، فالرئيس الأميركي تعمد تأجيج نبرة التحدي للقوات الروسية، وتعميق دعم بلاده لأوكرانيا، على النحو العسكري واللوجيستي وحتى المعنوي». وتضيف أن «التاريخ مليء بالدلالات والرمزية لأزياء تعمد سياسيون اعتمادها، وربما حتى العامة، فكل من يدعم القضية الفلسطينية يعتمد الكوفية المميزة لثقافتهم».

وتشير مسعد إلى مشاهد سياسية تعمدت أن تحمل دلالات ربما للتوافق أو العكس، وتقول إنه «لا يوجد شيء يُدلل على أهمية ما يعتمده السياسيون من أزياء وسلوكيات مثل موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، حين زار المملكة العربية السعودية وتمايل بالسيف في إشارة إلى علاقة ود واحترام مرتقبة بين البلدين».

الرسائل الدبلوماسية غير المباشرة نهج أميركي دلل عليه التاريخ والعلم. في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 خرجت دراسة أميركية تُعزز «فرضية التأثير الدبلوماسي للأزياء»، وقال الباحث السياسي الأميركي ديفيد أوكونيل، في دراسة نُشرت في مجلة «وايت هاوس ستاديز»، إن «الأزياء لعبت دوراً بارزاً في تأثير رؤساء الولايات المتحدة الأميركية على مدار حقب زمنية متتالية وفي ظروف سياسية متباينة». وتوصل من خلال قراءته للمشهد إلى أن نجاح الرؤساء يتعلق بـ«ما يرتدون».

اعتمد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ربطة عنق مُطبعة بأبواقٍ خلال اجتماعه التاريخي في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وحسب تحليل الباحث أوكونيل، «حملت ربطة العنق إشارة مبطنة لقصة سقوط أسوار أريحا بالأبواق».

ليست ربطات العنق فحسب، نجح جورج دبليو بوش، الرئيس الـ43 للولايات المتحدة الأميركية، في استقطاب الناخبين الريفيين من خلال تفضيله ملابس «رعاة البقر»، حتى أثناء وجوده في واشنطن في بعض الأحيان.

على الجانب الآخر، وجهت الأزياء ضربات سياسية لبعض الرؤساء. في أغسطس (آب) 2014، عندما حضر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، مؤتمراً صحافياً في البيت الأبيض مرتدياً بدلة باللون البيج، في حين كان يعلن عن موقف بلاده، من تنظيم «داعش» في سوريا، اعتبر خبراء أن اختيار اللون الفاتح «أضعف» رسالته، في حين كانت تستهدف بلاده تكثيف الرد العسكري.

كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، تعتمد الدبابيس «البروش» حسب موقفها السياسي، فحين التقت فلاديمير بوتين في فبراير (شباط) 2000، بموسكو، اعتمدت دبوس القرود في إشارة حملت «إهانة مبطنة»؛ احتجاجاً على حرب روسيا على الشيشان، بينما حين التقت الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 1999 وضعت دبوساً على شكل «نحلة»، والذي تم تفسيره باعتباره إشارة غير مباشرة على جهودها لإقناع الطرف الفلسطيني بالحل السلمي.

اعتبرت السفيرة جيلان علام، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن «الرسائل الضمنية هي القوى الناعمة في عالم السياسة»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «جزءاً أصيلاً من إعداد الدبلوماسي، هو تعزيز قدراته في استغلال الأدوات غير المباشرة»، مشيرة إلى أنها «خلال فترة عملها سفيرة لمصر في الهند اعتمدت على الأزياء للتأكيد على احترام ثقافة البلد المضيف». وتضيف أن «الأمر يتضاعف عند الحديث عن رؤساء الدول، بداية من واللون والتصميم، وحتى التفاصيل التي ربما تمر على الشخص العادي، جميعها رسائل مقصودة وأدوات في يد السياسي».

الشرق الاوسط