تستعد الكتل السياسية في العراق لخوض ماراثون من المفاوضات والمباحثات السياسية المطولة حول شكل قانون الانتخابات الجديد لإقراره بهدف إجراء انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية القادمة، إذ ترغب هذه الأوساط بترك قانون الدوائر المتعددة الذي استخدم للمرة الأولى في البلاد إبان حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، حيث تسعى بعض الكتل لإعادة نظام “سانت ليغو”.
وأنهى مجلس النواب في 13 فبراير (شباط) الحالي القراءة الأولى لمقترح قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية.
الاتفاق السياسي
لكن رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات البرلمانية، قال إن الاتفاقات السياسية تحسم صيغة قانون الانتخابات المحلية.
وذكر النائب خالد حسن الدراجي في تصريح صحافي أن “قانون انتخابات مجالس المحافظات تحسمه الاتفاقات السياسية وليس الأمور الفنية، خاصة وأن القوى السياسية (الكبيرة) تؤيد اعتماد قانون القوائم القديمة والدائرة الانتخابات الواحدة”.
ورأى أن “الأصلح والأنجح لانتخابات مجالس المحافظات القادمة اعتماد دوائر انتخابية متعددة وليس دائرة واحدة تجهض حقوق المستقلين والمرشحين بشكل فردي”.
وأشار الدراجي إلى أن “القوى السياسية الكبرى تجمع على قانون سانت ليغو القديم والدائرة الواحدة ما يقوض فرص القوائم الفردية ويصعّب فوزها الذي يتطلب الحصول على 25 ألف صوت فأكثر”.
في حين، أعلن رئيس كتلة “حقوق” النيابية عضو البرلمان سعود الساعدي، اعتراضه على طرح تعديل قانون الانتخابات السابق. وذكر في تقرير مفصّل موجه إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، 35 إشكالاً دستورياً وفنياً وسياسياً على قانون الانتخابات.
تشريع قانون جديد
وأعرب الساعدي عن تأييده المضي بتشريع قانون جديد للانتخابات غيره أنه في الوقت نفسه سجّل اعتراضه على النظام الانتخابي، قائلاً إنه “لا يحقق مصلحة الأحزاب والائتلافات الانتخابية الصغيرة، ويؤدي إلى هيمنة الكتل الكبيرة”.
وطالب، في تصريح صحافي له، إلى إجراء مناقشات وحوارات سياسية قبل تمرير القانون بصيغته الحالية لعدم استكمال جميع المتطلبات الفنية والدستورية والسياسية.
وكانت اللجنة القانونية في البرلمان العراقي قد أعلنت في وقت سابق، تحفظها على قانون الانتخابات “المعدل”، مشددة على ضرورة الفصل بين قانون انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات النيابية العامة.
وكانت دائرة الرفض اتسعت لقانون الانتخابات “المعدل” بعد رفض النواب المستقلين، حيث أبدت كتل نيابية ومنظمات مجتمع مدني رفضها للقانون، محذرين من خطورة المضي بتشريعه.
وكانت مجموعة من منظمات المجتمع المدني وقوى التغيير الديمقراطية وكتلة وطن النيابية، عقدت اجتماعاً موسعاً في وقت سابق من أجل مناقشة السياقات القانونية التي مرت من خلالها القراءة الأولى لمسودة التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات والتي تضمنت ممارسات “لا تنسجم والمبادئ الديمقراطية”، وذلك وفق بيان صدر عنها.
خرق دستوري
بين نظام “سانت ليغو” الأصلي والعراقي خرق دستوري بحسب المتخصص القانوني، علي التميمي، قائلاً “طريقة سانت ليغو الانتخابية الأصلية التي اعتمدت في الدول الاسكندنافيه عام 1910 هي تقسيم أصوات الناخبين في الدائرة الواحدة على عدد المقاعد، والغاية من هذه الصيغة هي توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، وتقلل من العيوب الناتجة بين عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد المتحصل عليها، وهو عيب تستفيد منه الأحزاب الكبيرة على حساب الكتل الصغيرة”.
وأضاف “طريقة سانت ليغو التي اعتمدت في الدول الاسكندنافية في اختيار الكيانات الست الأولى كفائزين مقبولة، لكن في العراق تم تحويلها لتصبح بدل الأعداد الفردية إلى الأعشار وأخيراً في التعديل الأخير لقانون الانتخابات المحلية كانت الرقم مع الأعشار وكلما ارتفعت النسبة تلاشت وتضاءلت فرص الكتل الصغيرة بالفوز، أي أن هذه الطريقة فصلت على مقاسات الكتل الكبيرة لتكون دكتاتورية واضحة”.
وأكمل “كان الأولى اعتماد طريقة الانتخاب الفردي باعتماد أعلى الأصوات المباشرة في الدائرة الواحدة وهي طريقة بسيطة غير معقدة”.
ورأى أنه يمكن الطعن بهذه الطريقة التي اعتمدت في تعديل قانون الانتخابات 12 لسنة 2008 أمام المحكمة الاتحادية لمخالفته المواد الدستورية 5 و6 و20.
مفضل وغير مفضل
إلى ذلك، كشف الباحث السياسي، نبيل جبار التميمي، أن “الأحزاب التقليدية تحاول جمع أصوات أكثر من خلال استخدام نظام القائمة الانتخابية، في حين يبدو خيار القائمة غير مفضل بالنسبة للأحزاب الناشئة أو (التشرينية) للضعف في استقطاب شخصيات اجتماعية وسياسية مؤثرة قادرة على اجتذاب الأصوات. الصدريون لا يضرهم استخدام القائمة الانتخابية في الانتخابات”.
وتابع، “تفضل الأحزاب الناشئة والتشرينية والشخصيات المستقلة الترشح المنفرد كاستراتيجية انتخابية للوصول إلى السلطة”، فيما “تفضل الأحزاب التقليدية الدائرة الانتخابية الأوسع (على مستوى المحافظة) بدلاً عن الدوائر الانتخابية المتعددة الصغيرة لاعتبارات مختلفة منها طريقة تحديد الدوائر التي بنيت في السابق على اعتبارات ومصالح حزبية وأيضاً ديمغرافية تتعلق بالمذهبية والقومية، رغم ذلك، قد لا تتعارض مصالح الأحزاب كثيراً مع اعتماد دوائر متعددة في الانتخابات، حيث لا تشكل التعددية مشكلة معقدة لديها، ويميل التيار الصدري لنظام التعددية في الدوائر الانتخابية”.
وأضاف “استطاع التيار الصدري اقتناص مقاعد في دوائر انتخابية لا تضم قاعدة للصدريين فيها مثل دائرة الأعظمية ودائرة المنصور، وتعمل منهجية الماكنة الانتخابية الصدرية بالأساس على تقسيم الدائرة الانتخابية إلى مناطق محددة وتجري استراتيجيتها الانتخابية بالأصل على تكوين دوائر انتخابية متعددة، لذلك الدوائر المتعددة هي الخيار الأفضل للصدريين”.
أما مصلحة الأحزاب الناشئة، بحسب التميمي، تكمن في الدوائر الأكثر اتساعاً (على مستوى المحافظة) ولسبب بسيط يتعلق بنوعية وتوزيع القواعد الانتخابية المؤيدة والمناصرة لمطالب احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول).
وشدد على أن أوجه الاعتراض الرئيسية حول القانون الأخير الذي جرت بموجبه انتخابات مجلس النواب 2021 هو التغيير الحاصل بطبيعة التعامل مع الأصوات وعدم قدرتها على التحول الذي يعني احتساب الصوت للمرشح غير الفائز بالانتخابات لصالح قائمته وبالتالي يمكن اعتباره صوتاً صحيحاً قد يجري معاملته باحتساب المقاعد الفائزة.
اندبندت عربي