عودة قطرية إلى شمال أفريقيا: وجبة مختلفة لكل بلد

عودة قطرية إلى شمال أفريقيا: وجبة مختلفة لكل بلد

تونس- تتحرك قطر في الأشهر الأخيرة لترتيب عودتها إلى شمال أفريقيا، كل بلد حسب حاجته في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، وخاصة الأزمات المالية لتونس ومصر التي كانت من نتائج موجة “الربيع العربي” الذي دعمته الدوحة وساهمت من خلاله في صعود الإسلاميين إلى السلطة.

يأتي هذا خلال مرحلة يبدو فيها الإسلاميون مجرد نقطة صغيرة ومعزولة في خطط قطر الجديدة التي تعطي الأولوية لمصالحها في المنطقة.

واستقبل الرئيس التونسي قيس سعيد الاثنين محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، مساعد وزير الخارجية القطري للشؤون الإقليمية، مبعوثا خاصا محملا برسالة شفوية من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذلك وفق بيان نشر في الصفحة الرسمية لمؤسسة رئاسة الجمهورية على فيسبوك. ثم تلا ذلك اتصال هاتفي بين الرئيس التونسي وأمير قطر.

وبدا واضحا من التغطية، التي نشرتها الرئاسة التونسية لزيارة الوفد القطري أو للاتصال الهاتفي بين الرئيس سعيد والشيخ تميم، وجود وعود قطرية بدعم تونس ماليا لمساعدتها على الخروج من أزمتها، حيث شكر الرئيس التونسي أمير قطر في الاتصال بينهما “على استعداد دولة قطر للوقوف إلى جانب الشعب التونسي في مواجهة كل المصاعب المالية التي تعيشها تونس”.

وقالت صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك إن قيس سعيد جدد خلال لقائه بالوفد القطري “حرص بلادنا على إعطاء دفع جديد لعلاقات التبادل والاستثمار والشراكة مع قطر لاسيّما عبر تنفيذ الاتفاقات الثنائية، وكذلك إنجاز مشاريع استثمارية وتنموية في تونس في القطاعات ذات الاهتمام المشترك”.

وتسعى الدوحة لتحقيق تقارب مع تونس باستغلال حاجتها إلى دعم مالي، وهي تجد في ذلك فرصة ملائمة لتجاوز حالة البرود مع قيس سعيد. وفي الوقت نفسه يُعتبر تمتين العلاقات الثنائية حاجة مشتركة بين البلدين.

ولا يقف الأمر عند تونس التي تريد الحصول على تمويلات خليجية لمشاريعها، ذلك أن قطر بدورها تريد استرجاع ما خسرته من نفوذ بسبب دعمها لموجة “الربيع العربي” وما خلفه هذا الدعم من ردود فعل سلبية رسميا وشعبيا في شمال أفريقيا.

ولا يستبعد مراقبون أن تكون قطر واحدة من الدول المانحة التي تمول تونس بعد النجاح في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يفسر الاقتصار في اتصال الرئيس سعيد بالشيخ تميم على الدعم المالي دون سواه.

وقلل المراقبون من وجاهة التحاليل التي تربط الانفتاح القطري على تونس بموجة الإيقافات التي جرت في الفترة الأخيرة، وطالت قيادات من حركة النهضة الإسلامية، وأن الدوحة قد تكون تدخلت للمقايضة بالدعم المالي مقابل استثناء النهضة من هذه الحملة.

وقالوا إن قطر لم تقدم نفسها كوسيط في هذا الملف، وهي تعرف حساسية قيس سعيد تجاه التدخلات الخارجية في الشأن التونسي، معتبرين أنها لن تحاول التوسط إلا بعد أن تجد المجال مفتوحا على أمل تغيير المواقف بسبب الدعم المالي.

وذكر أستاذ العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية رافع الطبيب في تصريح لـ”العرب” أن كلام قيس سعيد في الاتصال الهاتفي مع الشيخ تميم “يدلّ على أن تونس ستحدّد علاقاتها المستقبلية مع قطر حسب مستوى الاستثمارات التي ستقدمها الدوحة إلى تونس”.

وفي الجزائر تقوم قطر بالتربيت سياسيا على كتف الرئيس عبدالمجيد تبون من خلال إظهار الحفاوة في اللقاءات الثنائية، وخاصة زيارته إلى الدوحة بمناسبة بطولة كأس العالم لكرة القدم، والإعلان عن مشاريع قطرية في مجالات خدمية ومشاريع سياحية ومصانع للتغطية على فشل النظام الجزائري في استثمار مليارات النفط والغاز في واقع الجزائريين.

وبالتوازي مع ذلك تخص الدوحة قائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة بالأهمية وتسعى لجعله عنصرا رئيسيا في شبكة علاقاتها الجزائرية والاستفادة من وجوده لتطوير أدوارها الغامضة في شمال أفريقيا.

◙ قطر تريد استرجاع ما خسرته من نفوذ بسبب دعمها لموجة “الربيع العربي” وما خلفه هذا الدعم من ردود فعل سلبية رسميا وشعبيا في شمال أفريقيا

وتزامنت زيارة مساعد وزير الخارجية القطري للشؤون الإقليمية والوفد المرافق له إلى الجزائر، والتي التقى خلالها الرئيس تبون، مع زيارة أخرى لرئيس أركان القوات المسلحة القطرية الفريق ركن طيار سالم بن حمد بن عقيل النابت، الذي قام بزيارة عمل إلى الجزائر على رأس وفد عسكري هام.

وكشفت وزارة الدفاع الجزائرية أن النابت التقى شنقريحة، وأن الطرفين تطرقا إلى التحديات الأمنية في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، وتبادلا وجهات النظر حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكذلك الوسائل الكفيلة بتعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين.

ويمكن أن تلقي العلاقات العسكرية الغامضة بين الجزائر وقطر بظلالها على علاقة الدوحة بالرباط.

وإذا لم تكن هناك أزمة ظاهرة بين البلدين فإن غموض موقف قطر من ملف الصحراء هو أحد عناصر الخلاف الخفية بينهما، خاصة أن المغرب بات يقيس متانة علاقاته الخارجية بالاعتراف الواضح بمغربية الصحراء.

رافع الطبيب: تونس ستحدّد علاقاتها مع قطر حسب مستوى الاستثمارات
وينظر المغاربة إلى “الحياد” القطري بريبة، خاصة بعد أن نشرت قناة الجزيرة في أحد تقاريرها خارطة للمغرب من الأقاليم الجنوبية، واعتمدت في تغطيات أخرى عبارة “الصحراء الغربية”، بدلاً من “الصحراء المغربية”، ما أثار غضب المغاربة.

وفي جانب آخر لا تظهر قطر استعجالا في العودة إلى ليبيا، خاصة أن هذه العودة يمكن أن تحرك في ذاكرة الليبيين الأدوار التي لعبتها في دعم وتسليح المجاميع المسلحة التي استفادت من سقوط نظام الراحل معمر القذافي وسيطرت على الغرب الليبي وتستمر في زرع الفوضى.

ويرجح متابعون أن تكتفي الدوحة بمراقبة الوضع في ليبيا واتجاهات الحل القادم في ظل ضغوط دولية متعددة من أجل إجراء انتخابات وتشكيل سلطة شرعية، لكنها يمكن أن تختار السير في ركاب التحرك التركي – الجزائري بالملف الليبي، وربما يتم جلب تونس إلى هذا التحالف من أجل التأثير سياسيا واقتصاديا في المرحلة القادمة.

ويستبعد المراقبون أن تظهر قطر دعما علنيا للمجموعات الإسلامية أو لبعضها بسبب حساسية الموقف من جهة، ومن جهة ثانية لأن الدوحة تحاول التخفيف من ربط أجنداتها بالإسلاميين لما خلفه هذا الربط من تأثير على صورة قطر الخارجية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.

وبدت هذه المقاربة واضحة في العلاقة مع مصر، حيث لم تبد قطر أي إشارة إلى تسوية أوضاع الإسلاميين حين فتحت الباب السياسي والاقتصادي على مصر. وكان العنوان الذي تحركت وفقه هو المصالح القطرية أولا بقطع النظر عن التأويلات التي يتحدث بعضها عن أن ضخ الاستثمارات هدفه “استرضاء” الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أو أن ذلك تمهيد لتسوية ملف الإخوان.

وكانت مصر وقطر قد اتفقتا في مارس العام الماضي على مجموعة من الاستثمارات والشراكات بمبلغ قدره 5 مليارات دولار في الفترة القادمة، في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.

العرب