الخروج من اللائحة الرمادية انتصار دبلوماسي مغربي من قلب باريس

الخروج من اللائحة الرمادية انتصار دبلوماسي مغربي من قلب باريس

الرباط- نجح المغرب بخروجه من اللائحة الدولية في أن يحقق نصرا جديدا يدعم صورته كدولة ناجحة تحتكم إلى الأنظمة العالمية الأكثر مصداقية، في خطوة يقول مراقبون إن هذا النصر يأخذ أبعادا متعددة، فهو نصر لنموذج الحكم الرشيد، وهو نصر دبلوماسي يكرس مكانة الرباط إقليميا ودوليا ويعزز علاقتها مع المؤسسات المالية الدولية، خاصة أنه تحقق من باريس التي يتعرض فيها المغرب إلى حملات تشويه واستهداف بسبب تمسكه بثوابته.

وعزا اجتماع الجمعية العامة لمجموعة العمل المالي التابعة للاتحاد الأوروبي “غافي”، والذي عقد في باريس بين 20 و24 فبراير الجاري، قرار إزالة المغرب من القائمة الرمادية إلى “الالتزام السياسي الراسخ للمملكة بملاءمة منظومتها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب مع المعايير الدولية، ووفاء المغرب التام بكل التزاماته في الآجال المحددة”.

ورحب المغرب الجمعة بهذه الخطوة التي كشفت الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة لتحقيق الشفافية ومكافحة تبييض الأموال والفساد والمعاملات المالية غير المشروعة وفق مخطط ونهج أقرته الحكومة المغربية وعملت على تنفيذه.

ويأتي خروج المغرب من اللائحة “الرمادية” لمجموعة العمل المالي تكريسا للجهود المبذولة منذ سنوات في مسيرته نحو الشفافية والحكم الرشيد وتعزيز الترسانة القانونية المحلية، وذلك بعد زيارة ميدانية لخبراء من المؤسسة إلى المغرب خلال الفترة بين 16 و23 يناير الماضي، من أجل التثبت من تطبيق المملكة، والقطاعات المستهدفة بالمراقبة خصوصا، لتوصيات المجموعة.

ويعتقد محمد لكريني، أستاذ القانون الدولي المغربي، في تصريح لـ”العرب” أن الخروج من القائمة الرمادية انتصار دبلوماسي وسياسي للمغرب الذي لاءم تشريعاته مع المعايير الدولية المتصلة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة وكل ما قد يتصل بالشفافية والنزاهة.

وهذه ليست هي المرة الأولى التي يحصل فيها المغرب على إشادة دولية من هيئة مرجعية دولية تكرّس رؤيته الإستراتيجية الاستباقية لتبنّي أعلى المعايير في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ليبدو في صورة الدولة الناجحة في محيطه الإقليمي، وهو أمر من دون شك سينعكس بشكل إيجابي على تعميق دوره الإقليمي ويكسب تعاطفا أوسع لقضاياه خاصة دعم مقاربته في الصحراء المغربية.

وأكد الأكاديمي المغربي الخبير في العلاقات الدولية هشام معتضد في تصريح لـ”العرب” أن خروج المغرب من اللائحة الرمادية يمثل مكسبًا سياسيًا وازنًا على المستوى الدولي نظرًا للارتباط الوثيق لهذا القرار بالإشادة الدولية بشفافية آلياته المالية والتجارية واستجابتها للمعايير الدولية في القطاع المالي.

وحرص المغرب على تعزيز ترسانته القانونية في مجال مكافحة غسيل الأموال، باعتماد مجموعة من مشاريع القوانين، في وقت عملت مؤسسات الدولة على تعزيز الآليات الرامية إلى الوقاية من هذا النوع من الممارسات.

وركزت التدابير المتخذة من طرف المملكة على حزمة من الإجراءات التشريعية والتنظيمية والتحسيسية والرقابية، والمنفذة من قبل مختلف السلطات والمؤسسات الوطنية المعنية، بتنسيق من الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، وبشراكة مع الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون العام أو الخاص.

وتزامن الخروج من اللائحة الرمادية مع حملات من طرف جهات أوروبية تدفع إلى التشكيك في التوجه المغربي لتعزيز دوره إقليميا ودوليا كشريك إستراتيجي واقتصادي وتجاري ذي مصداقية، خصوصا وأنه عزز منظومته القانونية والمؤسساتية الوطنية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلا عن مرور أربع سنوات على التقييم الذي خضع له في هذا المجال من طرف خبراء مجموعة العمل المالي.

واعتبر لكريني أن المملكة المغربية خلقت الحدث من داخل فرنسا والبرلمان الأوروبي اللذين حاولا استثمار توتّرهما مع المغرب من أجل اختلاق وافتعال أزمات وحملات مضللة ومغرضة لتشويه سمعته والتأثير على مكانته الدولية خصوصا في ما يتعلق باقتناع مجموعة العمل المالي بالإجراءات التي قام بها وملاءمتها مع المعايير الدولية.

ويتفق معتضد مع ذلك بقوله إن هذا الاعتراف الدولي من باريس يأتي مفندا للحملات الإعلامية المضللة التي تشنها جهات فرنسية، وهو يشكل ضربة موجعة لمهندسي هذه الحملة وإفراغ محتوياتها الإعلامية على المستوى الدولي.

وأطلقت رئاسة النيابة العامة المغربية، بداية السنة الجارية، دليلا علميا يحدد تقنيات البحث والتحقيق في جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ويقدم الدليل للممارسين في حقل العدالة الجنائية الإطار القانوني الوطني والدولي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

واعتبرت الحكومة المغربية أن “خروج المملكة من القائمة الرمادية سيكون له أثر إيجابي على التصنيفات السيادية وتصنيفات البنوك المحلية”.

وأشارت إلى أن القرار “سيعزز صورة المغرب ومكانته خلال المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، فضلا عن ثقة المستثمرين الأجانب في البلاد”.

وقال عبداللطيف الجواهري، محافظ بنك المغرب، (المصرف المركزي)، أن تقريرا إيجابيا من مجموعة العمل الدولي حول المغرب يصلح أساسا كقاعدة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مشددا على أهمية خروج المغرب من القائمة الرمادية في تحسين التصنيف السيادي لدى وكالات التصنيف الدولية، وتسهيل خروج الخزينة إلى السوق الدولية، وضمان شروط اقتراض أفضل.

العرب