كان العنوان مكتوباً منذ زمن بعيد على الحائط: إيران تتقدم بخطوات كبرى نحو النووي وليس هناك من يقف في وجهها. منذ العام 2021 بدأ الإيرانيون بتخصيب اليورانيوم الذي في حوزتهم إلى مستوى 60 في المئة. ومنذئذ حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قرب طهران لنيل قدرة نووية، إذ إن الانتقال من تخصيب 60 في المئة إلى تخصيب 90 في المئة اللازمة لإنتاج سلاح نووي، هو موضوع فني، والمطلوب قرار قادة إيران، وليس أي شيء غير ذلك. غير أن العالم سكت، وفيه من يبشون الوجه لإيران. وحسب وزير الدفاع يوآف غالنت، فإن ما لا يقل عن 50 دولة في أرجاء العالم تتفاوض مع إيران لشراء سلاح متطور من إنتاجها.
ومع ذلك، فإن التقرير القائل إن مراقبي وكالة الطاقة الذرية اكتشفوا في إيران يورانيوم مخصباً إلى مستوى 84 في المئة – مسافة 6 في المئة فقط من المستوى الذي تحتاجه لغرض تطوير سلاح نووي، هو تقرير مفاجئ ومقلق؛ لأن فيه ما يشهد ليس فقط على القدرات الإيرانية، فهذه معروفة منذ زمن بعيد، بل على أن زعماء الدولة لا يخشون من الاندفاع إلى الأمام، بل ولا يقدرون بأن أحداً سيقف في طريقهم.
الأسرة الدولية، تلك التي لا تسير في الخط مع إيران، ردت على التقرير كما كان متوقعاً بعدم اكتراث. وساهمت في ذلك تفسيرات الخبراء بأن إيران ربما لا تقصد زيادة مستوى التخصيب وأن الحديث يدور عن نوع من الخلل الفني في المنظومة التي تربط أجهزة الطرد المركزي بالمفاعلات النووية الإيرانية معاً.
لكن يبدو أن هناك من هم قلقون أكثر من القمع الوحشي لاحتجاج الحجاب في إيران، بل وأكثر من بيع مسيرات إيرانية لروسيا من إمكانية تحول إيران في الزمن القريب القادم إلى قوة عظمى نووية.
نأمل ألا تسارع إيران لإنتاج قنبلة نووية. فلا حاجة للإيرانيين بقنبلة واحدة في اليد، بل يمكنهم الاكتفاء بواحدة على الشجرة. أي في تحقيق القدرة على إنتاج قنبلة دون إنتاجها بالفعل.
وفي هذا ما يكفي لخلق ميزان ردع ورعب تجاه إسرائيل، ولنيل يد حرة للدفع قدماً بالتآمر والإرهاب من إنتاج إيراني في أرجاء الشرق الأوسط.
يخيل إذن بأن المسألة لم تعد إذا كانت إيران ستصل إلى هدف تحقيق قدرة نووية، بل ما الذي يجب عمله في وجه واقع كهذا. فهل ينبغي الانتظار إلى أن تعلن إيران عن نفسها دولة نووية، ربما حتى تنفذ تجربة نووية أم أن الخط الأحمر يجب أن يكون على الإنتاج الفعلي لقنبلة نووية وربما تطوير سلاح معد لحملها، الأمر الذي يؤجل يوم الدين أشهراً طويلة.
ينبغي الاعتراف بأنه بخلاف الحماسة والتصميم اللذين تبديهما إسرائيل بمعالجتها للمسألة الإيرانية، فواشنطن تبدي تردداً وجر أرجل في ضوء التحديات التي تواجهها اليوم في شرق أوروبا حيال روسيا، وفي الشرق الأقصى حيال الصين.
هكذا تجد إسرائيل نفسها وحيدة أمام التحدي. لم تكف القيادة الإسرائيلية عن تهديد إيران في السنوات الأخيرة. غير أن التهديدات التي ليس خلفها شيء حقيقي حكمها أن يضيع مفعولها ومصداقيتها.
ينبغي أيضاً الافتراض بأن الإيرانيين قرأوا التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية والتي بموجبها سعى نتنياهو وباراك، في حينه رئيس الوزراء ووزير الدفاع قبل نحو عقد، للعمل ضد إيران. غير أنهما واجها معارضة جهاز الأمن الذي ادعى بأن ليس لإسرائيل قدرة على العمل بشكل ناجع في إيران، وفي كل حال لم تحن اللحظة لذلك.
وبالتالي، إذا كانت لإسرائيل اليوم قدرة على التصدي للتحدي الإيراني، فعليها العمل قريباً – أن تضع المسدس على الطاولة في تلميح مهدد لطهران أو حتى أن تستخدمه.
لكن إذا كان كل ما لدى إسرائيل أن تقدمه هو تهديدات فارغة من المضمون، فيجدر الاستعداد ليوم ما بعد النووي الإيراني وخلق ميزان ردع ناجع حيال طهران يقوم على أساس قوة إسرائيل وعلى قدراتها العسكرية.
بقلم: أيال زيسر
القدس العربي