يعكس عدد الوزراء الأتراك المرافقين للرئيس التركي في زيارته لدولة قطر المقررة اليوم الثلاثاء، التوجه فعلاً نحو توسيع العلاقات في عدة مجالات، بالتزامن مع تدهور علاقات بلاده مع موسكو على خلفية إسقاط الطائرة الروسية.
ويرافق الرئيس رجب طيب أردوغان وفد رفيع المستوى يضم وزراء الداخلية والتعليم والمالية والبيئة والتخطيط الحضري، والدفاع والنقل والشؤون البحرية والاتصالات والثقافة والسياحة والاقتصاد، فضلاً عن عدد من رجال الأعمال، ونتيجة لذلك من المتوقع أن تشهد الزيارة مناقشة القضايا الهامة، مثل الطاقة والعلاقات الاقتصادية الثنائية والأزمة المستمرة في المنطقة.
– قلب المعادلات
باعتبارها واحدة من حلفائها المهمين، بدأ أردوغان بالسعي نحو بدائل قطرية لمصادر الطاقة والغاز، بعد أن فرضت موسكو عقوبات اقتصادية ضد تركيا، وذلك بالرغم من قول مسؤولين روس إن اتفاقيات الغاز الموقعة مع تركيا مستمرة.
وقطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وبلغت قيمة صادراتها 76.8 مليون طن في عام 2014، فيما تمتلك احتياطياً من الغاز يبلغ 885 تريليون متر مكعب.
وتلبي روسيا نحو 28 إلى 30 مليون متر مكعب من الطلب التركي على الغاز الطبيعي البالغ نحو 50 مليار متر مكعب سنوياً.
وتتسبب الحرب السورية المشتعلة بالتدخلات الخارجية من قبل إيران وروسيا إلى جانب النظام السوري، إلى قلب المعادلات السياسيّة والاقتصادية إقليمياً ودولياً وتشكيل تحالفات جديدة، ومن المعلوم أن احتياطي تركيا من النفط والغاز محدود، ويعتمد البلد في تلبية الطلب عليهما على الاستيراد بما لا يقل عن 90% من احتياجاته.
وكواحدة من أهم مخرجات التوافق القطري التركي، عملت الدوحة على تزويد أنقرة بـ 1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال عن طريق الصهاريج في 2015، وفقاً لاتفاق وقع بين البلدين في سبتمبر/ أيلول 2014.
وتتوقع صحيفة “صباح التركية” أن تطلب أنقرة من قطر خلال زيارة أردوغان، رفع كمية الغاز كمصدر بديل للطاقة، وأنها قد تعيد النظر في مشروع خط أنابيب شرق المتوسط الذي من المقرر أن يتم إمداده أسفل البحر بين تركيا وأوروبا.
ويبدو أن هذا المشروع يشكل مشكلة لتركيا على خلفية أزمات المنطقة والإشكاليات التي تنطوي على الدول التي تقع بالقرب من خط الأنابيب المقترح: إسرائيل من جهة، والمملكة العربية السعودية وقطر من جهة أخرى، ولكن المشروع المتوقع يحد من الاعتماد التركي على روسيا.
ويتوقع رئيس تحرير صحيفة “الشرق” القطرية جابر الحرمي، أن يتم توقيع اتفاقات عديدة خلال الزيارة، قائلاً: إن “حجم الوزراء والوفد المرافق للرئيس أردوغان، يؤكد أن هناك اتفاقات كبرى قادمة في جميع المجالات بما فيها الطاقة والأمن”.
ويقول في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “إن لدى قطر القدرة على أن تمد احتياجات تركيا من الطاقة، متابعاً: “أعتقد أن هذا أحد الملفات التي ستناقش وتطرح بقوة خلال لقاء الزعيمين”.
– الحلف السياسي
لكنه بين أن الزيارة “غير مرتبطة بالأزمة بين تركيا وروسيا، وإنما تعطي زخماً أكبر للعلاقات بين الدوحة وأنقرة، فقطر الدولة الوحيدة بين الدول العربية التي تصل لهذا المستوى المتطور من العلاقات مع الجمهورية التركية”.
تجدر الإشارة هنا إلى أن دولة قطر التي أصبحت لاعباً إقليمياً مؤثراً في ظل أحداث الربيع العربي، ترغب في توسيع علاقاتها السياسية والعسكرية مع تركيا.
وفي هذا الشأن يقول الحرمي: “هناك تحالف فعلي وتداخل في العلاقات بين تركيا وقطر في المجال العسكري والاقتصادي، وتنسيق سياسي عال”، مستدلاً على ذلك بـ”المناورات العسكرية التي اختتمت في الدوحة بين البلدين قبل أيام”.
وبين وجود “مؤشرات أخرى تدل على حجم العلاقة، من بينها معرض الصناعات الدفاعية والتكنولوجية التركي الذي تم تنفيذه في الدوحة مؤخراً، ولأول مرة خارج تركيا”، كما أشار إلى “أهمية اللجنة الاستراتيجية العليا القطرية التركية، التي ستعقد اجتماعها الأول في الدوحة على مستوى قيادة البلدين، ويرأسها الشيخ تميم بن حمد وأردوغان”.
وعلى مدار سنوات الربيع العربي، برز تناغم سياسي ملحوظ بين البلدين، إذ كانت قطر الدولة العربية الوحيدة التي انتقدت الانقلاب العسكري في مصر إلى جانب تركيا، إضافة إلى التوافق بين البلدين حول خيارات الحل السوري عبر رحيل رئيس نظام بشار الأسد.
وخلال العام الجاري، زار أمير قطر تركيا ثلاث مرات، إحداها في 12 مارس/ آذار (بالقصر الرئاسي في أنقرة) والثانية في 13 يوليو/ تموز (في قصر هوبر بإسطنبول) والثالثة في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي (في قصر هوبر)، جرى خلالها بحث تطوير العلاقات الثنائية، ومناقشة آخر مستجدات الوضع في سوريا والعراق واليمن وفلسطين.
وظهرت العلاقات الاقتصادية والأمنية الموسَّعة مع الدول العربية مكوِّناً أساسياً في الجهود الدبلوماسية التي تبذلها تركيا للانخراط مع الشرق الأوسط العربي منذ صعود “حزب العدالة والتنمية” عام 2002. وتقدّم هذه الجهود دليلاً على التزام تركيا وثقتها المتزايدَين بدورها المتنامي في المنطقة.
ويرتبط اسم قطر بالاستقرار السياسي والثروة الاقتصادية، وقد منحتها سمعتها الدولية كوسيط الثقة لتأدية دور تدخّلي خلال الربيع العربي، نحو إيجاد حلول للأزمات أهمها في سوريا وفلسطين، وهي الأزمات ذاتها التي تتردد مراراً على لسان الرئيس أردوغان.
– ذروة العلاقات
وتقول صحيفة “العرب” القطرية: إن “المسؤولين في قطر وتركيا يؤكدون -غير ما مرة- أن العلاقات التي تربط البلدين ممتازة، ومبنية على قاعدة صلبة تتيح لها المجال أن تزدهر بفضل الجهود المشتركة على المستويات الرسمية والشعبية كافة”.
وتتابع الصحيفة في مقال نشرته بعنوان: “قطر- تركيا 2015.. ذروة العلاقات التاريخية”: إن “هناك تقارباً لا تخطئه العين، ولا يختلف بشأنه الصديق والعدو، على أن قطر وتركيا يتقاربان، بل ويتطابقان في الكثير من المواقف والمبادئ والقرارات الدولية والإقليمية. وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ودعم رفع الحصار عن غزة، وصولاً إلى نظرتهما لحل الأزمة السورية والليبية، والوضع في العراق، ورفضهما القطاع الواضح للانقلاب في مصر. كما تتشابه وجهات النظر بينهما إلى حد بعيد في قضايا دولية أخرى”.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريح سابق أن حكومتي قطر وتركيا تسعيان إلى إيجاد حل للعديد من التحديات في الشرق الأوسط لأنهما تشتركان تاريخياً وثقافياً مع كل أطراف الصراعات في المنطقة، لذلك فإن تركيا وقطر تلعبان دوراً بناء في المنطقة، وأيضاً دوراً تنويرياً مهماً لمشاكل المنطقة في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
ويبلغ حجم المبادلات التجارية بين قطر وتركيا نحو 1.5 مليار دولار، وذلك صعوداً من 38 مليون دولار فقط في عام 2000 إلى 800 مليون في 2014.
خالد عمر
موقع خليج أونلاين