تحولت سنجار إلى خراب بعد أكثر من عام من القتال الذي شهدته المدينة الإيزيدية العراقية. ورغم تحرير سنجار من قبضة “داعش”، فإن سكانها ينتظرون عودة الاستقرار إليها حتى يتمكنوا من العودة للعيش في مدينتهم التي اضطروا لمغادرتها.
مدينة سنجار تحت الأنقاض: بيوت مهدمة وأثاث وألعاب أطفال ملقاة في الشارع. إنها صور الدمار التي تنتشر في كل مكان في المدينة الإيزيدية. لكن إعلان زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود برازاني أعاد الحياة للمدينة، التي تم تحريرها من قبضة مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” قبل أسبوع. البرزاني أعلن من فوق جبل سنجار تحرير المدينة على يد جيش البشمركة التابع له، وأكد في نفس الوقت حق إقليم كردستان في إدارة المدينة وإعادة إعمارها حتى يتمكن اللاجئون الذين فروا منها من العودة إليها. سكان القرى المجاورة حلوا بالمدينة لتحية البرزاني وبأيديهم أعلام إقليم كردستان. وفي الوقت الحالي لا يعيش أي شخص في سنجار باسثناء قوات البشمركة المنتشرة في المدينة.
سكان سنجار ينقلون أمتعتهم
في الطريق إلى سنجار شاهدنا سيارات رباعية الدفع وشاحنات صغيرة محملة بأغراض منزلية، اعتقدنا في البداية أن الأمر يتعلق بأعمال نهب، لكن بعد الاستفسار اتضح لنا أن هؤلاء الأشخاص هم من سكان سنجار، الذين فروا من “داعش” قبل حوالي عام. والآن عادوا إلى المدينة لإنقاذ ما تبقى من ممتلكاتهم وحملها إلى مكان آمن.
يقول مروان، الذي يحمل سريراً وأغطية في شاحنة صغيرة “لن نعود الآن للعيش في سنجار من جديد”. ويضيف مروان، الذي يعيش في مخيم للاجئين في محافظة دهوك “لقد تم تدمير كل شيء كما أن الوضع لا زال غير آمن”. صحيح أن مقاتلي “داعش” انسحبوا من المدينة، لكن التجارب أثبتت أنهم يمكنهم العودة لمهاجمة المدينة في أي وقت، مثلما حصل في تكريت، التي سيطر عليها الجهاديون في يونيو 2014.
العمليات العسكرية لاسترجاع سنجار دامت فترة طويلة. في ديسمبر من العام الماضي جرى الحديث عن إعلان تحرير مدينة سنجار البالغ عدد سكانها 50 ألف نسمة، والتي سيطر عليها تنظيم داعش في أغسطس من نفس العام. وبعد استسلام الجيش العراقي أمام مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، انتقلت قوات البشمركة الكردية إلى الواجهة وأصبحت هي من تحمي بعض المدن مثل كركوك والحمدانية ذات الأغلبية المسيحية، بالإضافة إلى مدينة سنجار الإيزيدية. بيد أن قوات البشمركة استسلمت بدورها في البداية أمام داعش لتترك سنجار تحت رحمة مقاتلي تنظيم “داعش”.
عثر ضباط قوات البشمركة حتى الآن على ثلاث مقابر جماعية تضم كل واحدة منها ما بين 100 إلى 200 جثة. ويتوقع الجنود أن يعثروا على مقابر أخرى مماثلة في المدينة. وعندما سيطر مقاتلو “داعش” على سنجار فر الآلاف من الإيزيديين بسبب الذعر والخوف إلى الجبال وظلوا عالقين هناك لفترة طويلة قبل إنشاء ممر عبر سوريا إلى دهوك في العراق. وقطع اللاجئون ساعات طويلة مشيا على الأقدام للوصول إلى مخيمات دهوك. وعاد الأمل للإيزيديين بعد أن بدأت البشمركة عملية استرجاع منطقة سنجار، وبالفعل نجحت الوحدات الكردية في السيطرة على المنطقة المحيطة بجبل سنجار غير أنها فشلت آنداك في استعادة المدينة.
جدار برلين في سنجار
عندما تم نقل العميد عز الدين سادوس من بعشيقة القريبة من أربيل إلى سنجار، قام بوضع استراتيجة جديدة لمواجهة مقاتلي “داعش” واسترجاع سنجار. ونجح هذا الضابط، الذي عاش أعواماً طويلة في مدينة لوبيك الألمانية، في تشكيل “تحالف سنجار” الذي ضم في صفوفه إلى جانب البشمركة أيضا مليشيات من الإيزيديين ومقاتلين من حزب العمال الكردستاني التركي (بي كي كي). وشهدت المعارك عمليات كر وفر امتدت لأشهر تمكنت فيها القوات الكردية من استرجاع ما بين 30 و40 في المائة من مساحة سنجار.
الكتل الخرسانية التي تشبه جدار برلين والتي لا تزال تثير الانتباه حتى اليوم في سنجار تشهد على المراحل التي مر بها القتال من أجل استرجاع المدينة. وكان للضربات الجوية الأمريكية، التي سبقت الهجوم الكبير للبشمركة على المدينة دورا حاسما في طرد مقاتلي “داعش” من المدنية. فعندما تقدم حوالي سبعة آلاف وخمسمائة جندي كردي نحو سنجار لم يعد هناك أثر لمقاتلي “داعش” في المدينة، حيث أفاد شهود عيان أن الجهاديين قد يكونوا قد فروا إما إلى الموصل أو سوريا. وبذلك سيطر البشمركة على المدينة بدون قتال تقريبا، لتبدأ مرحلة جديدة تتمثل في حماية المدينة وإعادة إعمارها حتى يستطيع سكانها من العودة إليها. ولدى العميد سادوس ثقة كبيرة في تحقيق ذلك في المستقبل القريب. ويقول بهذا الخصوص “بحلول بداية العام المقبل سنكون قد قطعنا خطوة كبرى نحو الأمام.
صحيفة القدس العربي