ليس مشهداً سينمائياً مثيراً، بل واقع على الأرض. يُهجَّر قسراً بالحديد والنار ملايين السوريين والعراقيين من بلادهم إلى أقصى بلاد العالم، ويدفع قرابة نصف مليون من الإيرانيين إلى اقتحام الحدود العراقية، وعلى رغم الاحتجاج الديبلوماسي العراقي واستدعاء سفير طهران في بغداد، إلا أن قائد حرس الحدود الإيراني قال إن الوضع عادي على الحدود ولم يحدث أي تجاوزات. هذا المشهد استثنائي وخطير في آن. لا يذكر التاريخ الحديث حدثاً مشابهاً ورد فعل ضعيف كرد فعل الحكومة العراقية، إذ إنها استدعت السفير الإيراني للاحتجاج فقط لا غير، ثم أغلقت المنفذ الحدودي وستفتتح منفذاً آخر.
واستخدام نظام طهران الحشود والتدافع والموجات البشرية غير جديد، سواء من المدنيين أو العسكريين في السلم والحرب، والذي حدث في المنفذ الحدودي العراقي- الإيراني هو احتلال بالمدنيين، فلا حرس حدود عراقياً ولا جيش تصدى لمنع مئات الآلاف من المدفوعين من الجانب الإيراني، والميليشيات الطائفية مشغولة بتفجير الجوامع. من زاوية أخرى نرى أن نظام الملالي في طهران لا يقيم وزناً للإنسان. ومن المشاهِد المصورة للمندفعين عابري الحدود نرى شباباً ونساء ورجالاً، ويستخدم الملالي «الزيارات» والمناسبات ذات الطابع الديني كمحطات شحن، فهي في صلبها محطات شحن طائفي لغاية سياسية، وهذا ليس بحاجة إلى دليل، فحتى الإيرانيون العقلاء يحذِّرون من ذلك، ومنهم المفكر الإيراني الدكتور صادق زيبا كلام الذي نقلت «العربية» جزءاً من مقالة له، وهو أستاذ العلوم السياسة بجامعة طهران، إذ انتقد محاولة النظام الإيراني لاستغلال المناسبات الشيعية، خاصة «مصادرة مراسم عاشوراء والأربعين» من أجل بث خطاب الكراهية ضد العرب أو إثارة النعرات الطائفية والخلافات بين الشيعة والسنة، من خلال «إضفاء الصبغة الإيرانية على المناسبات الشيعية، باستخدام الخطاب الشوفيني وإثارة النعرة القومية الفارسية» انتهى.
طهران ليست بحاجة إلى عملاء أو جواسيس في العراق، فمنهم من صار متنفذاً وبيده السلطة الآن، والوطني العراقي ضعيف وملاحق مع اغتيالات تطاولهم.
ما حدث هو مقدمة، وأتوقع أن تستمر موجات الدفع ببطء وهدوء تحت غطاء الزيارات الدينية أو غيرها، كل هذا من أجل إذابة الهوية العربية للعراق وهضمه وابتلاعه بهدوء. ولمَ لا، مادامت هناك حكومة مسيَّرة من طهران.
عبدالعزيز السويد
صحيفة الحياة اللندنية