كان البشر في العصور القديمة يلجؤون للمقايضة ببضائعهم وماشيتهم وممتلكاتهم للحصول على السلع التي يحتاجونها، حتى ابتكرت العملات عام 600 قبل الميلاد تسهيلا للمعاملات ولمحاولة ضبط حد عادل يكافئ مقدار ما تستحقه حقيقة، وهكذا بقي البشر يتطورون محاولين خلق طرق أسهل للبيع والشراء، خاصة بعد انفتاح البلدان على بعضها، وسرعان ما أصبحت أداة سياسية للسيطرة وجمع الضرائب لدعم النخبة والجيوش، لكنها في المقابل عززت الاستقرار والتبادلات السلمية للسلع والمعلومات والخدمات والتفاعلات عموما على مدار التاريخ.
وعلى مدى آلاف السنين انتقل البشر للعملات الورقية التي تحولت بدورها إلى رقمية مع بدء ثورة الإنترنت، وبقيت الأموال رغم اختلاف شكلها وسيلة للتبادل ومعيارا للقيمة ومخزنا للثروات الحقيقية كالذهب والفضة، لكنها بدأت أيضا تأخذ شكلا من أشكال توطيد العلاقات بين البلدان وتعزيز الصداقات، ومن جهة أخرى سبّبت تمييزا واضحا بين الطبقات الاجتماعية والدول باعتبارها نامية وغنية.
قديما اعتمد الناس على الماشية والحبوب والمحاصيل الزراعية باعتبارها مادة لعملية المقايضة (الجزيرة)
المقايضة.. 9 آلاف عام قبل الميلاد
المقايضة طريقة شرائية تعتمد جعل السلعة ثمنا بحد ذاتها، فعندما يحتاج الإنسان سلعة معينة يبادلها مع شخص آخر بسلعة زائدة عن حاجته، فمثلا تحتاج لمقدار من اللحم من جارك فتبادله بمقدار من الفاكهة.
وكان مقدار المواد المستعملة للمقايضة متعارفا عليه في كل منطقة حسب اتفاق أهلها، فمثلا في إحدى المناطق قد يعادل شراء خروف واحد 50 سمكة، بينما يعادل في أخرى 4 دجاجات، وكل حبة تفاح بحبتي بطاطا، وربما كانت بـ4 في منطقة أخرى، وكيس الأرز بكيسي قمح، وهكذا تختلف القيمة باختلاف ندرة الشيء أو مدى سهولة الحصول عليه.
وقديما كانت عملية المقايضة تسري على الخدمات أيضا، فتقدر السلعة مقابل الجهد المبذول من الطرف الآخر، كأن يتفق شخص ما مع غيره أن يبني له بيتا، مقابل أن يسلمه تمثالا يصنعه، أو مقابل أكياس من الحبوب أو رؤوس ماشية أو غير ذلك.
لكن الجهد الكبير والوقت الطويل المبذولين في مثل هذه المبادلات سببا آنذاك إشكالا في المعاملات بين البشر، فلا يمكن تقييم المنتج عند المقايضة، وقد لا يكون العمل النهائي كما تتوقع فيعاد الاتفاق من جديد على عملية مقايضة أخرى مع شخص آخر.
ومن أشهر الأشياء التي كانت تتم المقايضة عليها قديما هي “الحجر البركاني الأسود”، خاصة في العصر الحجري، وقبل 9 آلاف عام قبل الميلاد اعتمد الناس على الماشية والحبوب والمحاصيل الزراعية باعتبارها مادة لعملية المقايضة، ثم حددت مواد معينة تستعمل باعتبارها عملات لعملية الشراء، منها الملح وجلود الحيوانات والأسلحة.
وترجع أقدم عملية مقايضة عرفت في العصر الحجري بين مجموعات الصيادين الذين احتاجوا للمتاجرة من أجل الحصول على أسلحة الصوان وغيرها من الأدوات.
السوق المركزي.. 5 آلاف قبل الميلاد
مع تزايد عدد السكان وتنوع المنتجات، زاد حجم التبادل بين الناس، فأصبح في كل قرية كوخ مشترك (أشبه بسوق مركزي) يقوم فيه التجار بتسليم بضاعتهم لإدارة السوق المركزي، والذي يتولى بدوره مهمة المقايضة، ويأتي في نهاية اليوم التجار والمنتجون عموما لاستلام مستحقاتهم بعد خصم الديون والضرائب المفروضة عليهم.
ومع الزيادة الكبيرة للسكان ومرور الوقت أصبحت المقايضة أكثر صعوبة، وموضوع احتساب الديون والضرائب أكثر تعقيدًا، مما يفسر سبب بحث الإنسان عن معادل جديد لقيمة المقايضة هذه.
من الشعير إلى الشيكل.. من 5 آلاف – 3 آلاف قبل الميلاد
ظهر الشيكل في بلاد ما بين النهرين عندما أنشئ الشكل الأولي المبسط لفكرة “الأصول”، حيث كان المزارعون يودعون حبوبهم في معبد يسجل إيداعهم على ألواح طينية، ويتلقى المزارع “إيصالا” بشكل رمز من الصلصال (الشيكل) يوافق مقدار المودَع، واستعمل الشيكل في بدايته باعتباره وحدة وزن، فكان نحو 180 شيكلا يمثل 11 غراما تقريبا، حتى تطور مع مرور الوقت باعتباره عملة للدفع.
واعتمد الشعير أساسا لتحديد القيمة (الوحدة الحسابية) لتلك الرموز، وبعدها بفترة بدأ الناس في استعمال النحاس الذي حلت محله الفضة بسرعة، فحدد المعبد (الممول والمسيطر على معظم التجارة) أسعار الصرف بين الشعير والفضة وغيرهما، وأتاح فرصة الدفع بأي منهما أو غيرهما مما حدده.
فكرة البنوك.. 1800 قبل الميلاد
بدأت الإمبراطورية الرومانية فكرة البنوك حوالي عام 1800 قبل الميلاد، وقدمت هذه البنوك قروضا وقبلت ودائع من الأفراد، فعدت شكلًا أوليًّا لفكرة البنوك المعاصرة، لكنها اختفت لاحقًا عقب انهيار الإمبراطورية.
بعد صعوبة المقايضة الناتجة عن زيادة تنوع المنتجات وزيادة السكان عموما، بدأ الإنسان يحاول الاعتماد على معادل ثمين جديد وموحد لتحديد قيمة أساس المقايضة، فبدؤوا باستعمال الأصداف وفراء الحيوانات وحتى أنياب الفيل، وهكذا بدأ تسعير المنتجات بناء على المعادل الجديد، فمثلا ناب الفيل يعادل 100 كيس قمح وهكذا.
ظهرت هذه المقايضة بشكل واضح في الأميركيتين واعتمدت على أصداف اللؤلؤ والقواقع، وأصداف الودع التي انتشرت في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأستراليا، فظهرت وقتها أول أشكال التجارة الدولية الناجحة، وأصبح المال شكلًا من أشكال التواصل أو اللغة بين البشر.
ولكن مع بداية التجارة الخارجية (التصدير والتوريد) بين البلدان ظهرت مشكلة اختلاف قيمة الأشياء المحددة في مناطق معينة مع مناطق أخرى، فالأشياء ذات القيمة لندرتها في منطقة معينة، هي قليلة القيمة في منطقة أخرى توجد فيها بوفرة، مما مهّد لظهور العملات المعدنية.
بدايات العملة المعدنية.. 1100 قبل الميلاد
احتاجت البشرية مع التجارة الخارجية شيئا تتفق على استعماله بذات القيمة، مع حاجة أن يكون هذا الشيء معترفًا به من الدولة أو تصنعه الحكومة حتى يكتسب مشروعية، وأيضا الاتفاق على ندرته وقيمته وصعوبة الحصول عليه عموما، وأهمها قابليته للتجزئة وحفظه للثروة وعدم قابليته للتلف، فظهرت العملات المعدنية التي استعملتها معظم المناطق في العالم. استعمل أيضا النحاس والحديد والسبج (من الأحجار الكريمة) والعنبر والخرز والرصاص، بالإضافة للذهب والفضة كعملات معدنية وقتها.
كانت البداية من الصين عندما بدأ أهلها في استخدام نماذج صغيرة مصنوعة من البرونز لنفس الأشياء التي اعتادوا المقايضة بها كالأسلحة والسهام، وكانت الغاية تسهيل حمل أثمان السلع وتقليلا لحجمها ولخطورتها، خاصة لو كانت سلاحًا، وهكذا حتى وصلوا لحجم “العملات المعدنية”، التي أخذت شكل الأقراص المفرغة لتسهيل ربطها معا في شكل حزمات، وكانت فكرتها من تطوير الإمبراطور الصيني يونغل من أسرة “مينغ”.
أول عملة رسمية.. 600 قبل الميلاد
رغم بداية فكرة استعمال المعدن في البيع والشراء، فإن أول عملية صك عملة (سبيكة) رسمية هي “الإلكتروم”، العملة المصنوعة من الفضة والذهب في مملكة ليديا الموجودة الآن غرب تركيا في عهد الملك ألياتس، وصنعت من أجل دفع رواتب الجيش، وختمت بصور تفرق بين فئات العملات المختلفة. وتسببت تلك العملة بتنشيط التجارة في البلاد حتى أصبحت أغنى إمبراطورية وقتها في آسيا.
فكرة العملات المعدنية عموما المصنعة من الذهب والفضة أو حتى البرونز كانت خيارا جيدا لأن الأمم اتفقت على قيمتها، ومما زاد من قبولها الختوم الموجودة عليها التي أعطتها شكلًا من الشرعية، مثل طباعة صورة الإمبراطور أو شعار يمثل الدولة، فتداولتها الأمم بقبول، وأسهمت في انتشارها دوليًّا بين الإمبراطوريات والقارات.
ومع تطور الأمم وتغيرات العالم وخريطته السياسية، زادت الحاجة إلى العملات المعدنية، فأصبحت مصادر المعادن محدودة مما جعل بعض البلاد تخفف من نسب المعادن الثمينة في عملاتها، فانخفضت قيمتها، وبسبب انهيار بعض الإمبراطوريات انهارت معها عملاتها التي أصبحت بلا قيمة لفقدانها مشروعيتها، فظهرت الحاجة لبديل آخر.
بدايات العملة الورقية.. 600 قبل الميلاد
في تلك الفترة أيضًا، بدأ الصينيون في زمن الإمبراطور “تانغ” محاولة إيجاد فكرة بديلة عن العملات تسهّل على التجار المرتحلين بين البلدان حفظ نقودهم بدل تعرضها للنهب والسرقة، وتخفيفا لأثقالها، فقرروا الاستعاضة بمخطوط يثبت مقدار ملكيتهم من المال دون الحاجة لحمله.
صنع هذا المخطوط من ورق شجر التوت، وبشكل يثبت مقدار ملكية الشخص مختومة باسمه، ثم يودع أصحابها مالهم عند أحدهم مع كتابة “سند إيداع”، وعند إتيان شخص ما بهذا المخطوط يسلّم مقدار المال المثبت في الورقة، وعلى مدار 5 قرون اعتمدت الصين هذه المعاملات.
ومنعا للتزوير والغش وضعت منظومة مالية متكاملة، وخصصت جهة موثوقة لإيداع المال (الخزينة الحكومية)، وخصصت ختمًا قرمزيًّا يختم على المخطوطات لتصعيب محاولات التزوير والتلاعب، وهو ذاته الأسلوب المستخدم في العملات الورقية الحديثة.
العملة الورقية وقيمتها من ذهب.. 1250م – 1290م
في الفترة ما بين عامي 1279 و1367 ميلادي، بدأ الصينيون تغيير نقودهم المعدنية بالورقية بشكل كامل، حتى أصبحت النقود الرسمية في البلاد، وظهرت أوراق تحمل قيمة تعادل ذهبا وفضة. وقال الرحالة الإيطالي ماركو بولو، تعليقا على ما شهده في مدينة “خان بالق” (بكين حاليا) الصينية معقل صناعة المال، “بينما استغرق الكيميائيون قرونا في تحويل المعادن إلى ذهب، حوَّل الصينيون الأوراق إلى مال”.
وبعد أن توقفت الصين عن استخدام النقود الورقية خلال منتصف القرن الخامس عشر، أصبحت العملات المعدنية مرة أخرى الشكل الأكثر شعبية للنقود في البلاد والعالم.
ثم صكت في تلك الفترة أيضا العملة الذهبية “فلورين” بفلورنسا التي استخدمت على نطاق واسع في أنحاء أوروبا، مما شجع ومهد للتجارة الدولية، وأسهمت رحلة بولو للصين في جلب فكرة الأوراق النقدية إلى أوروبا وتطبيقها.
المصارف.. 1400م
في فترة العصور الوسطى ظهرت مفاهيم المصارف والدَّين التجاري، التي كانت بداية ظهور الإقراض، وبدأ التجار الإيطاليون تمويل الرحلات التجارية لغيرهم من التجار، فحققوا أرباحًا طائلة منها.
وبحلول مطلع القرن التاسع عشر أصبحت البنوك منظمات موثوقة وبدأ مفهوم الخدمات المصرفية الاحتياطية الجزئية (نظام يدعم جزءًا ضئيلًا فقط من الودائع المصرفية نقدا فعليا ومتاحا للسحب)، ونظرا لأن الأفراد عادة لا يسحبون جميع أموالهم دفعة واحدة، فقد فهمت البنوك إمكانية إقراض أموال أكثر مما لديها بالفعل، فعدت خطوة كبيرة في تاريخ المال.
وبعد إنشاء البنوك للائتمان كان ميلاد الكمبيالة والسندات، وكان ذلك ثورة كبرى ثانية في صعود المال؛ فالحكومات والشركات الكبيرة تصدر السندات وسيلة لاقتراض المال من مجموعة من الناس والمؤسسات أكثر اتساعا من البنوك، ومع مرور الوقت أصبحت جزءًا من الاقتصاد العالمي.
وبحلول منتصف القرن الثامن عشر ازدهرت في لندن سوق السندات؛ حيث كانت سندات الخزينة هي الأوراق المالية الأكثر تداولا، وكانت جذابة للمستثمرين الأجانب خصوصًا الهولنديين، فاعتبر ذلك توسعًا ماليًّا كبيرًا.
طباعة أول عملة ورقية.. 1660م
تأخرت أوروبا في استعمال العملات الورقية حتى القرن الـ17، وذلك لعدم قناعتها بها، خاصة في ظل توفر المعادن لصك العملات المعدنية بفضل مستعمراتها المنتشرة حول العالم.
لكن أول عملة ورقية أصدرتها الحكومات الأوروبية كانت في الواقع صادرة عن حكوماتها الاستعمارية في أميركا الشمالية، لأن الشحنات بين أوروبا ومستعمراتها استغرقت وقتًا طويلًا، فغالبا ما كان ينفد فيها النقد، وبدلا من العودة إلى نظام المقايضة، أصدرت الحكومات الاستعمارية سندات دَين تتداول كعملة.
من جهة أخرى كان يُنظر إلى المعادن الثمينة على أنها هي النقود في العالم، ويعبَّر عنها أحيانا بسندات ورقية مالية، ودون ذلك فهي “مزيفة”، وأول عملية طباعة عملة ورقية كانت من مصرف ستوكهولم عام 1660، لكنه تعرض للإفلاس خلال 4 سنوات بعد عدم قدرته على الإيفاء بقيمة الأوراق التي أصدرها من الذهب.
وفي عام 1669 أصدر مصرف أسكتلندا عملات ورقية، واستطاع إدارة العملية بشكل ناجح مما أسهم في زيادة الانتقال من النقد المعدني إلى النقد الورقي، الأمر الذي عزز من حجم التجارة العالمية، مع بداية البنوك والحكومات شراء العملات من بلدان أخرى، فعدت أول سوق للعملات.
أخذت العملات الورقية قيمتها من ضمان الحكومات المصدرة لها، وليس من قدرتها على التحول إلى نقود سلعية، فأخذت صفة “النقود القانونية”، لأنها أصبحت بمثابة وعد من الجهة المصدرة بتحويلها إلى “نقود” متى ما أراد حاملها ذلك. وأسهمت الثورة الصناعية في تداول النقود بشكل أكبر وأكثر اتساعًا.
بريطانيا والعملات الورقية 1797م
أعلنت بريطانيا طرحها لأول عملة ورقية في العالم من فئة الجنيه والجنيهين، وعدت تاريخ 26 فبراير/شباط 1797 تأريخًا لذلك، وحقيقة تبقى النظريات تفصّل في ذلك، فهل كانت الصين أول من يمكن عدها أصدرت عملة ورقية أو تحسب لبريطانيا التي طبعت الشكل المعروف حاليا ثم انتشر عالميا، رغم أن الآلية والفكرة كانت ذاتها تقريبا؟
وأدى التحول إلى النقود الورقية في أوروبا إلى زيادة حجم التجارة الدولية، فبدأت البنوك والطبقات الحاكمة في شراء العملات من الدول الأخرى وأنشأت أول سوق للعملات. وأسهم الاستقرار السياسي لحكومات بعض البلدان الأوروبية في التأثير على قيمة عملتها، وبالتالي على قدرة تلك البلدان على التداول في أسواق دولية متزايدة.
وغالبا ما أدت المنافسة بين الدول إلى “حروب عملات”، حيث تحاول الدولة تغيير قيمة عملة الدولة المنافسة عن طريق رفع قيمة عملتها وجعل سلعها باهظة الثمن، أو عن طريق خفضها وتقليل القوة الشرائية لديها، أو حتى عن طريق القضاء على العملة تمامًا.
مقر شركة ويسترن يونيون (سابقا ويسترن يونيون تلغراف) حوالي عام 1933 (غيتي)
تحويل الأموال.. 1871م
شكلت الثورة الصناعية تغييرًا كبيرًا في مجال تداول الأموال عالميا، فبدأت شركة “ويسترن يونيون” تسهيل معاملات تحويل الأموال وإرسالها في جميع أنحاء العالم.
“المعيار الذهبي”.. 1944م
سرعان ما تحول سند الإيداع إلى عملات ورقية، واعتمدت معيار الذهب أساسًا لتحديد قيمة العملة مع اتفاقيات “بريتون وودز” عام 1944 برعاية الولايات المتحدة، وأصبحت الدولة تطبع مقدارًا من الأوراق على أساس ما تملكه من ذهب، فأصبحت مبادلة العملات الورقية مبنية على أساس واضح وثابت القيمة.
وفي تلك الفترة خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كقوة عسكرية واقتصادية رئيسية على مستوى العالم، مما أعطاها وزنًا كافيًا حتى تقبل باقي الدول نظامًا يقارن جميع العملات بالدولار، فتعهدت بالحفاظ على قيمة عملتها مستقرة فيما يتعلق بالذهب، في حين تلتزم بقية الدول باعتماد الدولار عملة احتياطية.
وبناء على الاتفاقية أنشئ صندوق النقد الدولي لضمان وصول الدول الأعضاء إلى الأموال للمساعدة في ربط قيمة عملاتها. وأسهمت الدول الأعضاء في الصندوق بناء على حجم اقتصاداتها، ويمكن لها السحب من الصندوق بالتناسب مع حصصها عندما تحتاج إلى احتياطات لمساندة عملاتها.
البطاقة الائتمانية.. 1946م
بدأت ملامح البطاقة الائتمانية على يد رجل يعمل في مصرف “فلاتبوش الوطني” ببروكلين يسمى جون بيغيز، حيث وفّر ميزة لرواد مصرفه عبر اختراعه بطاقة “اشحنها” (charge-it)، وكانت تستعمل داخل المجتمع المحلي ولأفراد محددين، ولأنها كانت تجريبية استعملت في محال محددة يتعامل معها المصرف.
كانت طريقة الدفع تتم عبر استعمال العميل البطاقة لإتمام عملية الشراء في أحد المتاجر المتعاونة مع المصرف فقط بإظهار بطاقته، بعدها يتولى المتجر باقي المهمة، ويذهب التاجر إلى البنك ويودع قسائم المشتريات من عملاء البنك، فيدفع البنك ثمنها، ثم تصدر فاتورة للعميل فيما بعد.
بعدها بدأت البنوك الكبرى في البلاد أمثال “أميركان إكسبريس” و”فيزا” بإدخال اختراع “بيغيز” بداية عام 1950، وكانت “داينرز كلوب” التي انطلقت من نيويورك أول تجربة صنعت بطاقاتها من الكرتون، ووقتها بدأ تحصيل الرسوم من التجار المتعاونين، وزاد الطلب عليها مع الوقت.
وخلال عام بدأ صنع البطاقة الائتمانية من البلاستيك التي تشبه إلى حد كبير البطاقات الحالية، وأضافت شركة “آي بي إم” (IBM) تطويرات تعزز من حد الأمان، فوضعت شريطًا مغناطيسيًّا في الخلف، مع ذكر البيانات الأساسية للعميل وتواريخ انتهاء الصلاحية ورقم الحساب. وبقيت تطور الفكرة وتنشرها على نطاق واسع حتى اعترف بها عالميا.
إلغاء اعتماد معادل الذهب.. 1971م
منذ اعتماد الذهب قيمة لمقدار العملات الورقية المطبوعة في كل بلد بقي هذا المعيار قائما حتى ألغي عام 1971 عندما ألغت الدول اعتماده وبدأت تتعامل على أساس الثقة في اقتصاد حكومة هذا البلد، وبعد المشكلات الاقتصادية التي مرت بها الولايات المتحدة في أوائل سبعينيات القرن الماضي قرر الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون الإقرار بضرورة إنهاء هذا النظام بعد 30 عاما من إنشائه.
وبعد ذلك، لم تعد قيمة الدولار ومعه بقية العملات ترتبط بالمعيار الذهبي، وإنما بدأت مرحلة جديدة هي مرحلة “التعويم” التي تعني ترك سعر صرف العملة يتحدد بحرية وفق آلية العرض والطلب في الأسواق.
“النقد الإلزامي”.. مع بداية الألفية
المال غير المدعوم بالذهب أو بأي معدن ثمين آخر أو بأي عملة أخرى مثل الدولار يعرف باسم “النقد الإلزامي” (العملات التي تعلن الحكومات أنها قانونية)، وقد أصبحت الأولوية التي يحظى بها واضحة على المستوى العالمي.
وتتأثر قيمة الأموال بالعديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر بدورها على سوق الصرف الأجنبي، مثل سعر المعادن الثمينة كالذهب أو ائتمانات البنك المركزي أو الدَّين العام لدولة ما وأمور أخرى.
والعامل الأهم في هذا السوق يكمن في الثقة التي تثيرها العملة نفسها، وعادة ما تعتمد هذه الثقة على الانطباع العام الذي تثيره الدولة وعملتها، وقانون العرض والطلب، وهو ما يجعل قيمة العملات تتغير.
وهذا هو السبب الذي يفسر السيطرة التي تمارس على قيمة العملات، حيث يراقب مقدار الأموال المتداولة وتتخذ تدابير لخفض قيمة العملة أو زيادة تكلفتها حسب الضرورة.
المدفوعات الرقمية.. 1997م
شكَّل ظهور الإنترنت ثورة أخرى في مجال تداول الأموال، فظهرت فكرة “المدفوعات الرقمية” التي تندرج تحت التحويل الإلكتروني عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية.
ومع دخول الألفية والتطور الهائل للهواتف المحمولة صارت مع مرور الوقت بمثابة المحافظ المتنقلة.
أدت زيادة طباعة العملات في السوق إلى زيادة قيمة السلع والخدمات، مما رفع الأسعار بسبب ارتفاع زيادة الطلب على العملات الورقية، فانخفضت قيمة العملات الورقية، وظهر “التضخم”، وبدأ النظام المالي القائم “يقيد حركة الأموال” بين الأفراد لغايات مثل الرقابة الضريبية ومكافحة غسيل الأموال، في ظل الرقابة وتحت “سيطرة دولة وحيدة” على الحوالات الخارجية، مما مهد لظهور العملات الرقمية هربا من قيد الرقابة هذا.
عام 2008 ظهرت عملة البيتكوين، وهي عملة مشفرة اخترعت من قبل مجموعة غير معروفة تحت اسم مستعار هو “ساتوشي ناكاموتو”، وتنشأ العملة في إطار عملية تسمى التعدين، التي تتم عبر أجهزة حاسوب مجهزة بقدرات حوسبة عالية، وهذه الأجهزة تشكل الشبكة اللامركزية التي تضمن القيام بالمعاملات والتحقق من عمليات البيع والشراء، عبر ما يُعرف بتقنية البلوكشين (Blockchain).
وصممت العملة من أجل تحويل الأموال إلكترونيًّا من شخص إلى آخر، دون الحاجة إلى سلطة مركزية للتحقق من صحة هذه المعاملة، وتتداول هذه العملة المشفرة على منصات متخصصة بسعر يحدده قانون العرض والطلب. والبيتكوين ليست الوحيدة لكنها كانت البداية لسلسلة عملات رقمية أخرى.
الدفع عبر الهاتف.. 2014 ميلادي
تماشيا مع التطور الهائل الذي شهدته بداية الألفية، طالب الكثير من المستخدمين بطرق أسهل وأسرع للدفع عبر الإنترنت، فأطلقت شركة “آبل” خدمة “آبل باي” (Apple pay) لتمكينهم من دفع مشترياتهم عبر الجوال، ثم لحقتها شركة “باركلي كارد” (Barclaycard) لخدمات الدفع، في طريقة جديدة عبر سوار ذكي يمكن استعماله للدفع الإلكتروني، وهكذا انتشرت بين شركات الأجهزة الذكية.
ثم ظهرت تقنية الاتصال القريب المدى (NFC) التي تعمل على كونها وسيلة للدفع الإلكتروني عن طريق الهاتف، ويمكن للمستخدم استعمال تقنية الدفع اللاتلامسية بواسطة هاتفه فقط عبر تقريبه من “قارئ بطاقات الائتمان” في متاجر تدعم استعمالها، فيتم الخصم سريعا، وتتم الاستعانة بالبصمة أو “التعرف على الوجه” لفتح البطاقة وإتمام عملية الدفع.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية