في التدافع التركي نحو نظام الأسد

في التدافع التركي نحو نظام الأسد

يبدو أن التبعات السياسية للزلزال الذي ضرب مناطق واسعة في جنوبي تركيا وشمالي سورية، لا تزال تتوالى فصولها، حيث أرسل رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، رسالة تعزية إلى بشّار الأسد، اعتبر فيها أن كارثة الزلزال أظهرت مرّة أخرى “أننا شركاء وجيران في حزننا، ونشعر معاً بالألم المشترك لشعوبنا”.
أثارت الرسالة جدلاً واسعاً في الأوساط التركية، السياسية والشعبية، واختلفت ردّات الفعل عليها ما بين الاستهجان والاستحسان، بحسب المواقع في الاستقطاب السياسي الحاصل في تركيا، والذي تزداد حدّته مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، مع أنها، في حقيقة الأمر، رسالة مخاتلة تماماً، وتخفي تزييفاً كبيراً، فلم يبدُ على الأسد أي شعور بالألم أو الحزن على ضحايا الزلزال السوريين، حين راح يطلق ضحكاته وابتساماته التي ظهرت في صور التُقطت له خلال زيارته الأحياء المنكوبة في مدينة حلب، وبشكلٍ يشي بأنه كان سعيداً بالكارثة التي حلّت على السوريين، كونها شكّلت مناسبة راح يستغلها ويوظفها سياسياً، من أجل فكّ عزلته الدولية، واستدرار المساعدات الإغاثية، للتخفيف من الأزمات الاقتصادية التي تعصف بنظامه، وبملايين السوريين في مناطق سيطرته. أما كلجدار أوغلو، فهو أيضاً لم يتأخّر عن توظيف كارثة الزلزال سياسياً، لتسجيل نقاط على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وتحميله مسؤولية فداحة الكارثة وضخامتها، حيث وجّه اتهامات للحكومة بالتأخر في عمليات الإنقاذ، والتقصير، وسوء إدارة الأزمة، والفساد، وغير ذلك.

يجد تدافع المعارضة نحو نظام الأسد مبرّراته في توظيفها ورقة اللاجئين السوريين في البازار الانتخابي

قد يكون مفهوماً أن الرسالة تتماشى مع نهج المعارضة المناهض لنهج الحكومة، وتصبّ في سياق اتباعها سياسات تغاير سياسات الحكومة، وبما يفضي إلى اعتبار أن الرسالة تدخل من باب فقه النكاية بالحكومة التركية، لكنها تأتي بعد أن قامت الأخيرة بخطوات تقارب مع نظام الأسد. وبالتالي، يتعدّى الأمر المماحكة والاختلافات معها. كما أنها ليست المرّة الأولى التي تُظهر فيها أحزاب من المعارضة التركية، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري، تهافتها على نظام الأسد، فقد سبق وأن وجّه الحزب، في أواخر العام الماضي، رسالة إلى بشّار الأسد، تضمنت وعوداً بسحب القوات التركية من شمالي سورية، وبدفع تعويضات مالية، بغية ثنيه عن لقاء محتمل مع الرئيس أردوغان. إضافة إلى أن قادة كل من حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزب السعادة، وحزب الوطن، سبق وأن قدّموا خلال العام الماضي طلبات عدة من أجل عقد لقاء مع الأسد، ومع قادة حزب البعث في سورية، لكن النظام لم يستجب لها، ربما تحت ضغط الساسة الروس الذين يقودون وساطة للمصالحة بين الساسة الأتراك ونظام الأسد.
اللافت أن معظم قادة الأحزاب السياسية التركية، في الموالاة والمعارضة، باتوا يعتقدون أن بإمكانهم حصد مكاسب ومغانم شتى، من تدافعهم وتهافتهم على التقارب مع نظام بشار الأسد، وتطبيع علاقات بلادهم معه، ويريدون تحقيق غاياتهم التي لا تخفى على أحد، والمتمثلة في توظيف تلك المكاسب والمغانم لمصالحهم في البازار الانتخابي، وبما يساعدهم على الفوز في الانتخابات العامة المقبلة. غير أن تدافع المعارضة نحو نظام الأسد يجد مبرّراته في توظيفها ورقة اللاجئين السوريين في البازار الانتخابي، حيث يظنّ قادة أحزاب “الطاولة السداسية”، باستثناء زعيم حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، وزعيم حزب دواء، علي باباجان، أن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، سيمكّنهم، في حال وصولهم إلى السلطة، من إعادة أكثر من 3.5 ملايين لاجئ سوري من تركيا إلى سورية، “مع الطبل والزمر”. وبانتظار ذلك، تواصل المعارضة التركية تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات الاقتصادية التي تعيشها تركيا. لذلك تقوم بحملات كارهة وعنصرية ضدهم، وخصوصاً الأحزاب القومية اليمينية والعنصرية، التي لا تمتلك رصيداً شعبياً، وباتت مشغولة بإنتاج خطاب الكراهية وتأجيجه، وإثارة النزعة العنصرية حيال اللاجئين السوريين والأفغان في تركيا.

في المقابل، لجأ قادة حزب العدالة والتنمية إلى محاولة سحب ورقة اللاجئين السوريين من أيدي أحزاب المعارضة، وذلك بتبنّي سياسات متشدّدة حيالهم، وتزامنت محاولاتهم مع تغيير موقفهم حيال نظام الأسد والملف السوري بشكل عام، والذي بدأ منذ إسقاط حلب الشرقية في نهايات عام 2016، ودخولهم في تفاهماتٍ واتفاقياتٍ مع الساسة الروس والإيرانيين ضمن مساري أستانة وسوتشي. لكن مع اقتراب موعد الانتخابات العامة التركية، بدأ الساسة الأتراك بتسريع خطوات التقارب وإعادة العلاقات مع نظام الأسد، بالاستناد إلى وساطة يقوم بها الساسة الروس. كما لجأت الحكومة التركية بعد الانتخابات البلدية في عام 2019 إلى اتخاذ خطوات “تنظيمية”، أثّرت في حياة السوريين المشمولين بقانون الحماية المؤقتة، خصوصاً قرار “تخفيف” وجود السوريين في بعض الأحياء والمناطق بالمدن التركية، وقرار إغلاق الأحياء أمام إقامة اللاجئين السوريين، والذي شمل قرابة 1169 حياً، توزعت على 52 ولاية، الأمر الذي اعتبرته جمعياتٌ حقوقية تركية يزيد من الحملات العنصرية الموجهة ضد اللاجئين السوريين، التي باتت تهيمن على سلوكيات أوساط تركية عديدة، إلى درجة أن الحكومة اضطرّت إلى مراعاتها، وغضّ النظر عنها أحياناً، على الرغم من عدم توافقها مع القوانين الدولية الخاصة بحماية اللاجئين. ووصل الأمر إلى تسجيل حالات انتهاكات وسلوكيات ذات دوافع عنصرية، تعرّض لها لاجئون سوريون في بعض المناطق المنكوبة أو المدن المجاورة لها. وتمادى بعض قادة الأحزاب القومية اليمينية في التهجّم على السوريين، وكيل اتهاماتٍ باطلة لهم من دون أن يستدعي ذلك رفع أي دعوى قضائية ضدهم.
والحاصل أن التدافع نحو نظام الأسد، مثل تدافع الأنظمة العربية نحوه، لن يحقّق ما تصبو إليه هذه الأنظمة، ولا الأحزاب التركية، بالنظر إلى الطبيعة الإجرامية لهذا النظام، ويشهد على ذلك أن هذا النظام بنسختيه، الأب والابن، لم يكن في أي يوم عامل استقرار في المنطقة، فضلاً عن أنه يكنّ عداء تاريخياً لتركيا، واحتضن عناصر حزب العمال الكردستاني في حربهم ضدّها سنوات عديدة.

العربي الجديد