رغم ادّعاء الدولة الفارسيّة قيام ما تسمّى بجمهوريّة إيران الإسلاميّة على أسس دينية، إلّا أنّ منع بناء المساجد ومحاربة أبناء الطائفة السنيّة واعتقالهم وإعدامهم وإفراغ الحسينيّات من روّادها، إضافة إلى إلصاق تهمة “محاربة الله” بأبناء الشعوب غير الفارسيّة المحتلة من قِبَل الدولة الفارسيّة وكذلك المعارضة الفارسيّة نفسها، وإعدام كلّ مَن تُنْسَب إليه هذه التهمة، ممارسات تؤكّد حقيقة موقف السلطات الإيرانيّة من الإسلام.
ولا يملك محمّد جواد لاريجاني رئيس لجنة حقوق الإنسان الإيرانيّة سوى القول “لا يلاحق أحد لمعتقده الديني في إيران”، بينما واقع الحال يؤكّد أنَّ الكثير من الإعدامات إن لم نقل غالبيّتها، تنفّذ ضد أبناء السنّة في إيران. أمّا رضا فرجي دانا وزير العلوم والتكنولوجيا المُقال من منصبه بتهمة الإلحاد، فلم يمسّ بسوء كما لم يتمّ إقصاؤه من العمل الحكومي، بل يوجد من يدافع عنه في البرلمان الإيراني مثل هروي الذي أكّد أنَّ فرجي دانا عمل على ترويج التنمية العلميّة والعدالة في التعليم.
والمؤكّد أنّ الإسلام الذي تقوده الدولة الإيرانيّة وتروّج له، دفع فئات من الشعب الإيراني إلى الابتعاد عن الدين، فالتقارير تكشف وجود نحو نصف مليون من أتباع ما تسمّى بالحلقات الروحانيّة والإباحيّة والعلاج الطبّي التجميلي غير الجراحي، ومثل هذه الحلقات، وإن كانت تحتسب على التصوّف الخاطئ، إلّا أنه لا علاقة لها بالإسلام، ورغم ذلك اعترفت بها السلطات رسميّا ثمّ حاربتها.
ولا تتناسب السياسة الدينيّة لقادة إيران مع ميولات الشباب وطموحاته، فأقوال خامنئي وأحمدي نجاد مثلا، لا تجد صدى عند الشباب، إذ أكّد الاثنان اكتمال الشروط لظهور أو قرب ظهور المهدي، كما بيّن نجاد أنه كان محاطا بهالات من النور إبّان إلقائه كلمة إيران في الجمعيّة العامّة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، ممّا جعل الرؤساء مشدودين لخطابه حيث لم يرفّ لهم رمش، ومثل هذه التصريحات تؤدّي إلى إحباط الشباب وعزوفه عن الإسلام واتساع دائرة الملحدين واللادينيين وعبدة الشيطان والبوذيين والكنائس السريّة في المنازل.
الإسلام الذي تقوده الدولة الإيرانية وتروج له دفع فئات من الشعب الإيراني إلى الابتعاد عن الدين
ولعلّ أغرب ما في الأمر أن غالبيّة المنكرين وغير المعتقدين واللادينيين هُم أبناء رجال الدين وقد ولدوا وترعرعوا في أسر دينيّة تدّعي أنها محافظة، ويرى محللون إيرانيّون أنه لا يمكن مقارنة المجتمع الإيراني بالمجتمعات العربيّة، نظراً لانتشار الفكر الإلحادي في إيران لعوامل تاريخية تعود إلى كثرة الحركات العلمانيّة واليساريّة والشيوعيّة على مرّ التاريخ الإيراني.
وأكّد مجيد أبهري المختصّ في علم السلوكيات وجود 666 موقع إنترنت و1400 شبكة تواصل باللغة الفارسيّة في إيران، تروّج جميعها لعبادة الشيطان، ويفيد أبهري أنَّ الذين يلقون الفتاوى في مدينة قُم (التي تعتبر واحدة من أهم المراكز العلمية الدينية للشيعة)، يتناسون ماذا كانوا يفعلون هُم وأبناؤهم حين كانوا في طهران، خاصّة أنّ العديد منهم يحسبون على العائدين من الجامعات البريطانيّة، وما هُم إلا عبيد للغرب ويتلقون أجرتهم منه.
وحذّرت مجموعة باحثين من وجود أكثر من سبعين فرقة لعبدة الشيطان تنشط في إيران، ويشكّل الشباب غالبيّة أعضائها في حين أنهم يمتلكون القدرة على استقطاب الأطفال وكبار السن. ويتنفذ هؤلاء في الأوساط الطلابية في الجامعات ويقيمون الحفلات العلنيّة والسريّة في الجامعات وخارجها.
ويعود تاريخ عبادة الشيطان في إيران إلى 400 عام وفقاً للمختصّين الإيرانيين، وتعدّ المخدّرات والكوكايين والحشيش وحبوب الهلوسة أحد أهم شروط الانتساب إلى فرق عبدة الشيطان في إيران، وتستخدم المخدّرات إلى جانب الخمور في حفلاتهم التي يقيمونها في المناطق المرفهة بطهران، والمعروف أنَّ جميع سكّان هذه المناطق إمّا من قادة الحرس الثوري والمسؤولين أو من كبار التجّار المرتبطين مباشرة بالنظام.
أكثر من سبعين فرقة لعبدة الشيطان تنشط في إيران ويشكّل الشباب غالبيّة أعضائها ويمتلكون القدرة على استقطاب الأطفال وكبار السن
ولا تقتصر مناطق انتشار عبدة الشيطان على رقعة جغرافيّة محدّدة، بل تنتشر في كافة أرجاء البلاد، وتتسمّ طقوسهم ومعتقداتهم بالعدائية والعنف والوحشيّة والحريّات الجنسيّة المفرطة والإباحيّة، ويعتقد هؤلاء أنَّ القيم الأخلاقيّة لا تلتقي أبداً مع عقيدتهم القائمة على الكراهيّة وسفك الدماء.
كما يعتقدون بضرورة العمل على معاداة الإسلام والإيمان بالشيطان كونه سبق البشريّة بـ666 عاما لذا فله الأفضليّة، ولديهم كتاب يروّج لمعتقداتهم باللغة اللاتينيّة ويتداول في أوساط الشباب في الحدائق العامّة وفي الجامعات دون تعرّضهم إلى مضايقات من قبل السلطات الحاكمة.
استغلال الدين واستخدامه المفرط للتغول على السلطة من قبل قادة إيران، إضافة إلى ترويج الخرافات والشعوذة في الأوساط الرسميّة الدينية، كلها أدّت إلى اتساع دائرة الملحدين، مثل فرقة “كابالا” التي تنتشر في مختلف المدن الإيرانيّة.
وتعد فرقة كابالا فرقة منحرفة عن اليهوديّة والصهيونيّة وتتشابه مع فرقة عبدة الشيطان في طقوسها القائمة على الرقص وشرب الخمر والمخدّرات والإباحيّة والسلوكيات غير الأخلاقيّة، وتطلق تسمية كابالا على التصوّف اليهودي وهي تفسير لرموز الكتاب العبري المقدّس، وتعتمد على السحر والسريّة والباطنيّة وتختلف بالكامل عمّا ورد في التوراة، والمعروف أنها قد ظهرت قبل نزوله.
ويختلف تفسير كابالا كليّا لوجود الخالق ويتناقض مع الكتب السماويّة والأديان التوحيديّة، وتعتبر من آخر إصدارات ما تسمّى بالجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي تتشدّق بالدين الإسلامي الحنيف في الظاهر، أمّا في حقيقة الأمر فهي تعمل ليلاً نهاراً على دفع الشباب للعزوف عنه وذلك وفقاً لخطط مدروسة وممنهجة تعتمدها طهران.
عباس الكعبي
صحيفة العرب اللندنية