الرباط – وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس توبيخا نادرا من نوعه لحزب العدالة والتنمية الإسلامي “البيجيدي” بشأن “بعض التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة”، فيما يتعلق بالعلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل.
وقال الديوان الملكي المغربي في بيان نشرته وكالة الأنباء المغربية الرسمية اليوم الإثنين إن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية “أصدرت مؤخرا، بيانا يتضمن بعض التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة، في ما يتعلق بالعلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل، وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية المحتلة” .
وشدد البيان على أن “موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية للملك محمد السادس أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة. وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسوية أو للحملات الانتخابية الضيقة”.
وأكد الديوان الملكي بأن “السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك محمد السادس بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية”.
ورفض بيان الديوان الملكي أن تكون العلاقات الدولية للمغرب “موضوع ابتزاز من أي كان، ولأي اعتبار، لا سيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة”.
وفي إشارة واضحة للحزب الإخواني في المغرب رفض الديوان الملكي “استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة”.
وذكر البيان أن “استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل تم في ظروف معروفة، وفي سياق يعلمه الجميع، ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 ديسمبر 2020، والبلاغ الذي نشر في نفس اليوم عقب الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الفلسطيني محمود عباس”.
إضافة إلى “الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 ديسمبر 2020، والذي تم توقيعه أمام الملك، وقد تم حينها إخبار القوى الحية للأمة، والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية، وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية بهذا القرار، حيث عبرت عن انخراطها والتزامها به”.
ويستغل حزب العدالة والتنمية استئناف العلاقات مع إسرائيل كورقة سياسية، فمنذ مدة لا يكف عن التلويح بها كلما اشتدت أزماته الداخلية، لاسيما بعد أن مني بهزيمة مدوية في الانتخابات التشريعية الأخيرة حيث لم يحصل إلى على 13 مقعدا فقط من أصل 395 بالبرلمان.
ولطالما اعتبر أمينه العام عبدالاله بنكيران أن الحزب يمارس السياسة وليس الدعوة، لكنه عاد من جديد ليلعب ورقة الدين في ممارسة الشأن السياسي طمعا في استرجاع مكانة الحزب السياسية.
وانساق حزب العدالة والتنمية وراء الإغراءات السياسية متجاهلا هذه الثوابت وعلى رأسها السياسة الخارجية باعتبارها مجالا محفوظا للعاهل المغربي الملك محمد السادس.
وكانت إعادة العلاقات مع إسرائيل قرار دولة يدخل في سياق خاص يرتبط باعتراف الرئيس الأميركي السابق بالسيادة المغربية كاملة على تراب المملكة وبمغربية الصحراء، وقد أعرب حزب العدالة والتنمية عن دعمه لهذه المبادرة التي كان طرفا فيها بواسطة أمينه العام السابق ورئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني.
لكن الحزب يحاول اليوم أن يتناقض مع القرارات الحكومية التي كان طرفا فيها، وهو ليس أمرا جديدا على قادة الحزب الذين لطالما مارسوا السياسة بأقنعة مزدوجة حتى عندما كانوا في المواقع الحكومية.
وازدواجية المواقف لا تقف فقط عند حدود التدبير والسياسة الداخلية بل أيضا كانت حجة على “البيجيدي” الذي وجد نفسه حائرا إزاء مواقف “إخوانه” في تركيا والتي تجددت بالكامل علاقاتهم مع إسرائيل، وهو ما يدل على تناقضات حزب العدالة والتنمية وأخطاء مواقفه.
والسقوط في هذا الفخ دفع البيجيدي إلى استهداف بعض خطابات وزير الخارجية داخل هيئات الاتحاد الأفريقي، متجاهلا أن الدبلوماسية المغربية كانت في خضم معركة من أجل تحرير هذه المنظمة الأفريقية من وصاية الجزائر وجنوب أفريقيا.
وأصدرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بيانا قبل أيام، انتقدت فيه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، واتهمته بالدفاع عن إسرائيل “في بعض اللقاءات الأفريقية والأوروبية”.
تمرّ علاقة حزب العدالة والتنمية بالقصر الملكي بمرحلة “حرجة” عقب تراكم مواقف الحزب بشأن عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية، ومهاجمته وزير الشؤون الخارجية الذي اختار الدّفاع عن هذه العلاقة.
وأورد بلاغ للدّيوان الملكي رداً على الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية أنّ “العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان، ولأي اعتبار، لا سيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة. ومن هنا، فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة”.
وجاء رد القصر الملكي بشكل مباشر على بيان أصدرته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية يستهجن “المواقف الأخيرة في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة”، وقال الحزب إن الوزير “يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني”.
وعبر حزب العدالة والتنمية عن هذا الموقف بعد تصريحات إعلامية للوزير بوريطة على هامش لقاء جمعه بمفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار، أوليفر فارهيليعن، تحدث فيها عن أفق التعاون الثلاثي الإقليمي وما يتيحه من “فرص التطور بين المغرب والمفوضية وإسرائيل”.
وقالت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية “في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين، ولا سيما في نابلس الفلسطينية، يبدو وزير الخارجية المغربي مدافعا عن إسرائيل”.
وأضافت الهيئة السياسية نفسها أن “الموقف الوطني يعتبر القضية الفلسطينية على نفس المستوى مع قضيتنا الوطنية، وأن الواجب الشرعي والتاريخي والإنساني يستلزم مضاعفة الجهود في هذه المرحلة الدقيقة دفاعا عن فلسطين وعن القدس”، وفي الاتجاه نفسه سار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبدالإله بنكيران، حيث انتقد تصريحات وزير الشؤون الخارجية حول القضية الفلسطينية.
ويرى مراقبون أن اللعبة الخطيرة التي بات يمارسها حزب العدالة والتنمية وبلوغها مرحلة الابتزاز باسم القضية الفلسطينية، منظظظ أجل تحقيق مكاسب سياسية داخلية، متغافلا عن المصلحة الوطنية التي يجب أن تسمو فوق كل الاعتبارات الأخرى، يكون بخطابه هذا قد وضع يده مع الجزائر التي استغلت القضية الفلسطينية لتصفية حساباتها السياسية تشويه صورة المغرب ودوره في دعم حقوق الفلسطينيين.
العرب