الأسبوع الماضي وجهت تركيا ضربة لطائرة روسية انتهكت مجالها الجوي. هذه الواقعة هي واحدة من العمليات الدامية (المكلفة) في حرب سوريا. تسبب هذا الحدث باضطراب في العلاقات الروسية التركية. نرى آثاره الآن. لكن العلاقات بين البلدين أخذت عمقا أبعد من هذه الصدمة.
في وقت سابق، انتهكت الطائرات الروسية الحربية مجالنا الجوي أكثر من مرة. ونتيجة لأن الجيش الروسي لم يأخذ تحذيرات تركيا بمحمل الجد، فقد وقعت مثل هذه الحادثة مرة أخرى.
في حين أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التقى في وقت لاحق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة “مجموعة العشرين”، واتفقا على تجنب وقوع أي حادثة على الحدود السورية.
بينت تركيا قواعد الاشتباك الخاصة بها للرأي العالمي العام ملايين المرات بوضوح تام. لذلك، فنحن لسنا في موقف معين تجاه أو ضد روسيا، حيث إنه تم تحديد هوية الطائرة بعد إنزالها في إطار قواعد الاشتباك.
روسيا وتركيا، لديهما وجهات نظر مختلفة حول الأزمة السورية. بالرغم من هذا، لم تكن روسيا في موقع الهدف بالنسبة لتركيا في سوريا ولا في أي مكان آخر. حتى إننا نتذكر، أنه بعد أزمة أوكرانيا لم تشارك تركيا في فرض العقوبات لتطبيقها على روسيا.
انتقلت العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا إلى القمة في العقد الماضي، وهذا فتح أبواب فرص جديدة لمواطنيهما.
التصريحات التي أدلى بها الجانب الروسي عقب الحادثة فورا، كان يجب أن ينظر إليها كردود فعل ذات نبرة عاطفية للغاية. مجموعة العقوبات التي صرح بها بوتين في طبيعتها استمرار لنفس الموقف أيضا. وهذه ستفتح الطريق لبعض المشاكل على المدى القصير. ويبدو أن هناك احتمالا أكبر للتغلب على هذه المشكلة في المدى البعيد والمتوسط.. تصاعد وإطالة التوتر سيلحق الضرر بالجميع.
فورا، أعرب الرئيس أردوغان عن أسفه لهذا الحدث، وقال في تصريح لقناة الأخبار الفرنسية فرانس 24، إنه “لو علمنا بأنها طائرة روسية لتصرفنا بشكل مختلف”.
هناك حقيقة لا تتغير، وهي أن تركيا عضو في الناتو ولها الحق بحماية مجالها الجوي ضد أي نوع من الانتهاك.
وأعرب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قائلا أيضا: “إسقاط طائرة مجهولة الهوية دخلت المجال الجوي التركي، ليس بفعل يتم ضد بلد معين. تصرفت تركيا وفقا لقواعد الاشتباك الحالية من أجل الدفاع عن مجال سيادتها. سنستمر بالتدابير اللازمة لحماية أراضينا ومن جهة أخرى سنستمر في العمل مع روسيا وحلفائنا للحد من التوتر”.
عملاء النفط لتنظيم الدولة
بعد حادثة الطائرة بدأت إعادة نشر الادعاءات التي لا أساس لها حول دعم تركيا لتنظيم الدولة وشراء النفط منها. هذه ليست سوى حملة تشهير ليس لها أصل ضد تركيا. ليس بيد أحد أي دليل يثبت صحة هذا. أصحاب هذه الادعاءات لا يفعلون شيئا سوى خلق إشاعات عن طريق إيجادها في مواقع لأماكن غير محددة ولأشخاص مجهولي الهوية والاسم.
لكن، هناك شيء مؤكد معروف في ذلك، قيام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بجلب عقوبات لبعض الأسماء ذات المستوى الرفيع التي تشتري النفط من تنظيم الدولة باسم نظام الأسد… من بين هؤلاء رجل الأعمال السوري جورج حسوني والمصرفي السوري مدلل خوري وأيضا كرسان إليومجينوف رجل الأعمال السوري الذي يرأس اتحاد الشطرنج العالمي. الجميع يعلم عن علاقة كرسان مع بوتين.
لا الأسد ولا تنظيم الدولة
واحدة من أهم الطرق لمكافحة تنظيم الدولة هي اتفاق الجميع على منع المشاركين في التنظيم.
تركيا تعتبر دولة أخذت مجموعة من التدابير على مستوى أوسع مقارنة بالدول الأخرى. حتى الآن هناك ألفا مشتبه بهم بالإرهاب، 500 خارج الحدود و 25 ألفا تم منعهم من دخول البلد. بالإضافة إلى اعتقال مئات الأشخاص المشتبه بعلاقتهم مع تنظيم الدولة.
بعد هجوم فرنسا، تم البدء بتشديد الإجراءات الأمنية في البلدان التي يأتيها هؤلاء الأشخاص. التنسيق ومشاركة المعلومات الاستخبارية هي أهم قضية في موضوع منع انضمام المقاتلين الأجانب لتنظيم الدولة. لا يوجد أي دولة تستطيع التعامل مع الإرهاب الدولي العابر للحدود بالاعتماد على مواردها الخاصة.
دعونا نضع جانبا الاتهامات المتبادلة، المسألة الأصلية التي علينا التركيز فيها، يجب العمل على تحقيق تحول عادل ومقبول في سوريا و عمل حملة ذات تأثير فعال في مكافحة تنظيم الدولة. بغض النظر عن إيران وسوريا فإن الإبقاء على أعمال نظام الأسد سيعزز فقط يد الإرهاب لتنظيم الدولة. قصف المعارضة السورية يعود بالفائدة على تنظيم الدولة والأسد. الأسد وتنظيم الدولة هما توأم وحوش حرب سوريا القاسية. علينا التخلص من هذين الشرين الكبيرين في نفس الوقت. التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبوع الماضي في البيت الأبيض مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حيث كانا عند نفس الرأي. ليس هناك مكان للأسد في مستقبل سوريا.
لأن هذا الوضع لا يعطي شيئا آخر سوى حلقة مفرغة، حيث تستمر الحرب الأهلية طالما الأسد ما زال في الحكم.. الفوضى وأجواء الحرب الأهلية تدعم تنظيم الدولة، وبحجة الحرب تمهد تنظيم الدولة لضم المزيد من المقاتلين إليها.
تدخل روسيا وإيران يتسبب في إطالة هذه الحرب القذرة وإبقائها بدون حل.
هناك سؤال آخر علينا سؤاله: ماذا تفعل روسيا في جبل التركمان القريب من الحدود التركية؟ لا يوجد تنظيم الدولة في تلك المنطقة؟ الطائرات الحربية الروسية تقصف المعارضة المعتدلة الموجودة في تلك المناطق لمساعدة نظام الأسد في التقدم لإدلب عبر جسر الشغور. هذه السياسة الخاطئة تساعد تنظيم الدولة بشكل غير مباشر، لأن 90 بالمئة من الهجمات الروسية لا تستهدف تنظيم الدولة وإنما تستهدف المعارضة السورية المعتدلة. إذا كانت روسيا صادقة حقا في موضوع القضاء على تنظيم الدولة، فيجب عليها وقف قصف المعارضة السورية ودعم التحول السياسي في إنهاء إرهاب تنظيم الدولة والنظام السوري. ليس لدى تركيا مشكلة في ضرب فرنسا وروسيا والاتحاد الأوروبي لمواقع تنظيم الدولة. ولكن الصراعات التي لا داعي لها بين أعضاء التحالف ضد الأسد، تعمل لصالح نظام الأسد والإرهابيين.
يجب على القوى العظمى التركيز على الأسباب الأصلية لإرهاب تنظيم الدولة -بدلا من تنافس القوى العالمي الذي ينتج عنه تكاليف باهظة للجميع- وتمهيد الطريق لتأمين عملية الانتقال السياسي.
إبراهيم كالين
موقع عربي21