الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس غريباً عن زائره الرئيس الصيني شي جينبينغ، فقد عقدا نحو 40 لقاء ثنائياً مباشراً وكانت موسكو هي محطة جينبينغ الأولى الخارجية بعد توليه رئاسة الصين في سنة 2012، كما شكلت زيارته الرسمية في سنة 2019 منعطفاً حاسماً لتطوير العلاقات بين البلدين.
لكن العامل الأهم الذي يقرب موسكو من بكين، وبالعكس، هو الاقتصاد وفتح الأسواق الروسية على وسعها أمام البضائع الصينية، خاصة بعد الاجتياح الروسي في أوكرانيا وما يعانيه الاقتصاد الروسي من مصاعب جدية بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية. الأرقام الرسمية الصينية تشير إلى أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ رقماً قياسياً خلال العام 2022 يعادل 187 مليار دولار أمريكي، بزيادة اقتربت من 30٪، والميزان في هذه المؤشرات يميل لصالح الصين وعلى نحو طاغٍ.
وفي التمهيد لزيارة جينبينغ الحالية إلى روسيا، نشر الرئيس الروسي مقالاً في صحيفة «الشعب» الصينية انطوى على اثنين من المحاور الرئيسية التي ستدور حولها مباحثات القمة. الأول هو الاقتصاد إذ أعرب بوتين عن تطلعه إلى أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين 200 مليار دولار هذا العام، وأما المحور الثاني فهو توافق موسكو وبكين على إرساء نظام عالمي قائم على القانون الدولي، الأمر الذي يعني إنهاء منظومات القطب الواحد التي تتيح هيمنة الولايات المتحدة وشركائها واستبدالها بمنظومات أخر تكفل تعدد الأقطاب.
وبدوره في إطار التمهيد ذاته نشر الرئيس الصيني مقالاً في صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية الحكومية، شدد أيضاً على أن هدف زيارته هو تعزيز «شراكة شاملة وتفاعل إستراتيجي» بين موسكو وبكين، وانتقد ضمناً طرائق هيمنة القطب الواحد في عالم تهدده «أفعال التسلط والاستبداد والتنمر» وتعمد التركيز على أنه «لا يوجد نموذج عالمي للحكومة ولا يوجد نظام عالمي تكون فيه الكلمة الفصل لدولة واحدة».
غير أن أحد الأهداف المعلنة وراء الزيارة، والذي حظي باهتمام عالمي خاص، كان المبادرة الصينية لتسوية الحرب في أوكرانيا، والتي تقوم على 12 نقطة عنوانها الأبرز ما أوضحه جينبينغ من أن المشروع الصيني يمثل «أكبر قدر ممكن من وحدة وجهات نظر المجتمع الدولي» وأن «المشاكل المعقدة ليست لها حلول بسيطة». ولعل أولى المشاكل تبدأ من هنا تحديداً، لأن المبادرة تبدأ من بند احترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول، وهذا ما ترفضه موسكو قولاً وفعلاً عبر اجتياح أوكرانيا وقبلها ضمّ شبه جزيرة القرم سنة 2014.
التحفظ جاء سريعاً من الرئيس الأوكراني الذي اعتبر أن الصين لم تقدم خطة حقيقية بل بعض «الأفكار» وهناك أجزاء لا يوافق عليها، والأصل هو الإقرار بالعودة إلى حدود 1991. الرد الأمريكي كان رافضاً بالطبع ولأسباب تتجاوز الملف الأوكراني، كما جاء موقف الاتحاد الأوروبي فاتراً وأقرب إلى التطابق مع واشنطن.
الصين رابحة اقتصادياً من زيارة رئيسها إلى موسكو وهذه غاية تستحق العناء، وأما النجاح في ميادين السياسة والنظام الدولي والتسوية في أوكرانيا فلا حلول بسيطة لها، كما عبر جينبينغ.
القدس العربي