تفصلنا 7 أسابيع عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي تحظى بمتابعة وثيقة جدا في الغرب والمنطقة. الأحزاب المعارضة التي كانت ترغب بانتهاج سياسة تستغل اللاجئين السوريين، لم تعد قادرة الآن على ممارسة الكراهية ضد الأجانب كما تشاء، حتى لا تواجه ردة فعل الشعب، على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب 11 ولاية جنوبي البلاد. وقبل أيام، أعلنت السلطات التركية عن حبس عدد من الجنود قتلوا ثلاثة لاجئين سوريين في الشريط الحدودي. وبعد فشل حملتها ضد اللاجئين خلال الفترة السابقة، حاولت شرائح معينة في البلاد الانتقام بطرق مختلفة، لكن التدخل الفوري من قبل الدولة التركية حال دون ذلك.
الأحزاب المعارضة التي كانت ترغب بانتهاج سياسة تستغل اللاجئين السوريين، لم تعد قادرة الآن على ممارسة الكراهية ضد الأجانب حتى لا تواجه ردة فعل الشعب
ويبذل «تحالف الشعب» بقيادة الرئيس أردوغان، و»تحالف الأمة» بقيادة زعيم حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو قصارى جهدهم للفوز بالانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى. لكن الشخصيات التي أعلنت اعتزامها الترشح للرئاسة لا تتناقص، بل آخذة في الازدياد، وأبرزها محرم أينجة، ودوغو بيرينجك، وسنان أوغان، وفاتح أربكان. وكان بإمكان «حزب الرفاه» من جديد، بقيادة أربكان، أن يلفت أنظار الناخبين المحافظين، من خلال الانضمام إلى «تحالف الشعب».
امتنعت «الطاولة السداسية» التي تمثل «تحالف الأمة» عن دعوة أينجة للانضمام إلى صفوفها، لكن ترشحه بشكل مستقل، ربما يحدث فرقا كبيرا في حسابات الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، بعد نجاحه في الترويج لنفسه أمام الناخبين بصفة «الحل الوسط». وكان أينجة قد انفصل عن «حزب الشعب الجمهوري» بسبب خلافاته مع كليجدار أوغلو، وأسس حزب البلد عام 2021. ويواجه أينجة ضغوطا في الفترة الأخيرة، بعد تزايد شعبيته بين الناخبين المنزعجين من طرح كليجدار أوغلو بصفة مرشح مشترك من قبل المعارضة. وعلى غرار الانتقادات الحادة التي تعرضت لها زعيمة «الحزب الجيد» ميرال أقشنر، إثر انفصالها عن الطاولة السداسية، يواجه أينجة حاليا مطالب بالانسحاب من السباق الانتخابي لصالح كليجدار أوغلو. علما أن أينجة يفضح منذ نحو 3 أعوام أخطاء سياسات المعارضة، ويدافع عن ضرورة المشاركة في الانتخابات بعدد كبير من المرشحين. ويدعي أينجة أن زعماء أحزاب «الدواء» و»المستقبل» و»السعادة» لديهم «تاريخ فاسد»، وأن هذا الأمر يثير قلق الناخبين المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري الذي انفصل عنه. زعماء الأحزاب الثلاثة باباجان وداود أوغلو وقره ملا أوغلو، يواصلون السير خلف «حزب الشعب الجمهوري»، لكن أينجة تبنى موقفا مناهضا للحكومة الحالية، وفي الوقت نفسه ينتقد تحالف الأمة المعارض بشدة.
في خضم ذلك، احتدم الصراع في الفترة الأخيرة بين منظمي استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات. وبدأت شركات الاستطلاع المؤيدة للمعارضة بنشر استطلاعات تزعم تفوق كليجدار أوغلو بفارق كبير على أردوغان في الانتخابات الرئاسية. من جهة أخرى، ازدادت الاستطلاعات الجارية في مواقع التواصل الاجتماعي التي تؤثر فيها المعارضة بشكل كبير. ولا شك في أن هذه الاستطلاعات التي تجري عبر الهواتف في أجواء غير سليمة، لا يمكن أخذها على محمل الجد، لكنها في الوقت نفسه، تدعم حملة المعارضة في توحيد الناخبين المؤيدين لها. وهذه الحملة لا تغطي على التراجع الحاصل في أصوات الحزب الجيد، والميل في صفوف بعض الناخبين نحو حزب البلد. مقارنة مع الوتيرة العاطفية العالية في «تحالف الأمة»، فإن «تحالف الشعب» يتحلى في الوقت الراهن بمزاج أكثر حذرا. حيث ينشغل الرئيس أردوغان مع الوزراء بتشييد المساكن الجديدة وتأمين مراكز الإيواء للمواطنين المتضررين من كارثة الزلزال المدمر جنوبي البلاد. ومن المنتظر أن تزداد وتيرة الحملات الانتخابية بالتزامن مع انتهاء قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية. وقبل يومين، توقع نائب الرئيس العام لـ»حزب العدالة والتنمية» مصطفى شان، أن نسبة أصوات الرئيس أردوغان في استطلاعات الرأي الأخيرة تقدر بأكثر من 53%. ويمكن القول إن هذا الإعلان قد عزز القناعة لدى «تحالف الشعب» بأن أردوغان سيفوز في الانتخابات. ويرى الناخبون بالفعل أن الرئيس أردوغان سوف ينتصر مرة أخرى في السباق انطلاقا من ثقتهم بإنجازاته طيلة السنوات السابقة بخلاف ما تطرحه المعارضة.
القدس العربي