سوريا والسعودية: هل عادت عقارب الساعة إلى الوراء؟

سوريا والسعودية: هل عادت عقارب الساعة إلى الوراء؟

يشكل اتفاق السعودية مع النظام السوري على إعادة فتح سفارتي البلدين، بعد أكثر من عقد على قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، نقلة دبلوماسية كبيرة يمكن اعتبارها إشارة إلى نهاية مرحلة العزلة المديدة التي تعرّض لها النظام.
كانت العلامة البارزة على بداية تلك المرحلة هي القمة العربية التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة في آذار/ مارس 2013، والتي منحت فيها المعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني، مقعد النظام في الجامعة، وطالب رئيسها حينها، معاذ الخطيب، بمقعد بلاده في الأمم المتحدة، فيما شددت قطر، وقتها، على ضرورة انتقال سلمي للسلطة في سوريا «لا يعيد عقارب الساعة إلى الوراء».
مفيد التذكر أن الجزائر والعراق كانتا الدولتين الوحيدتين اللتين تحفظتا، حينها، على قرارات تلك القمة، فيما نأى لبنان الرسمي بنفسه، وأن القمة طالبت بتأسيس صندوق لدعم القدس، وبعقد قمة عربية مصغّرة لتحقيق المصالحة الفلسطينية.
حافظت الجزائر على الموقف نفسه من النظام، وهو موقف قام، على ما يبدو، على نظرة لدى قادة الجزائر ترى فيما حدث في سوريا عام 2011 أمرا مشابها لما حدث في «العشرية السوداء» (1991 ـ 2002) التي خاض فيها الجيش الجزائري حربا دموية ضد «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» إثر فوزها في الانتخابات البرلمانية، ثم حظرها ومطاردة مؤيديها.
انضمّ إلى الجزائر (والعراق ولبنان طبعا) في مسألة إعادة التطبيع مع النظام السوري حليف غير متوقع هو الإمارات، التي اقتربت خطابيا ودبلوماسيا من مواقف السعودية وقطر المنددة بوحشية النظام ضد مواطنيه، لكنّها حافظت على علاقات مع أقطاب النظام السوري، وكان للأمر جانبان، الأول هو عداء أبو ظبي المبدئي لأي تيارات ذات صبغة إسلامية (وهو اللون الذي طغى لاحقا على المعارضة السورية) والثاني هو مبدأ البراغماتية الماليّة التي تميّز البلاد، والتي تجد صيغا للاستفادة من دخول المال السياسي، الذي يتحرّك مع حقائب أبناء العائلات الحاكمة (كما حصل في استقبال أخت رئيس النظام السوري) ونظرائهم ممن كانت المناصب الكبيرة فرصتهم لجمع الثروات وتهريبها.
ضمن الحسابات التي قدّمها احتمال تدخّل غربيّ لتغيير النظام، شاركت أبو ظبي في دعم بعض فصائل المعارضة السورية المعتدلة، كما شاركت في دعم وتدريب «قوات سوريا الديمقراطية» التي يديرها حزب العمال الكردستاني، ثم بدأت عمليا في بلورة موقف جديد يقوم على ضرورة عودة العلاقات مع النظام، حيث انتقد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في ذلك العام قرار تعليق عضوية النظام في الجامعة، وأعادت فتح سفارتها هناك، كما بدأت التوسط مع السعودية لإعادة العلاقات أيضا.
يمكن اعتبار الموقف السعودي نتاجا للتغيّر العام الذي طرأ على المنطقة عموما، لكنّ قراءة أدق للحدث تشير إلى أن هناك خلفيّات أخرى يجب أخذها في الحساب. يشير تأخر إعلان إعادة العلاقات بين السعودية والنظام السوري إلى أن القرار خضع لاعتبارات سعودية وليس نتيجة للوساطة الإماراتية، فهو يبدو استكمالا للاختراق المفاجئ الذي مثّله الاتفاق السعودي ـ الإيراني، كما أنه جاء، على ما يظهر، نتيجة استجابة النظام السوري لمطالب سعودية محددة، والأغلب أن الرياض تلقّت التطمينات المطلوبة خلال الزيارة السرية التي قيل إن رئيس لجنة المخابرات السورية، حسام لوقا، قام بها للرياض، وأن المحادثات شملت موضوع الأمن على الحدود السورية مع الأردن، وقضايا تهريب الكبتاغون والسلاح من سوريا إلى الأردن ثم السعودية ودول الخليج.
لا يمكن قراءة التطبيع مع إيران والنظام السوري أيضا من دون استيعاب رغبة الرياض في إعلان تمايز عن الموقف الأمريكي، الذي يطالب الدول العربية بالتشدد مع الحكومتين المذكورتين، بعد أن كانت السعودية قد شهدت أشكالا من التخلّي عنها في عدة لحظات خطيرة من الصراع مع طهران والحوثيين في اليمن.
من غير الصعب على الدول العربية عموما، والسعودية خصوصا، تجاهل النقص الشديد في مصداقية النظام السوري، أو قدرته على امتلاك قراره حتى، وسواء حصل تسليم مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام قريبا، أم لم يحصل، فإن نظاما أثبت مئات المرات أنه يكره شعبه، ولا يحترم العرب، هو نظام لا يغيّر طبعه حتى لو تغيّر الآخرون.

القدس العربي