مع دخول الحرب الروسية – الأوكرانية عامها الثاني صدرت تصريحات عن دوائر غربية عديدة تحذر الصين من مساعدة روسيا عبر تزويدها بالأسلحة، ما يعكس مخاوف متنامية من قِبل الغرب حيال انخراط بكين في الصراع الدائر الآن.
وتزامنت هذه التحذيرات الغربية لبكين مع إعلان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا يوم 13 مارس الجاري عن تفاصيل خطة مشتركة تهدف إلى إنشاء أسطول جديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، بغية مواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبدت الأصوات الغربية متناسقة، ولم يقتصر الأمر على التصريحات الاستخباراتية والسياسية والعسكرية، بل دخلت بعض الدوائر الإعلامية الغربية على خط الترويج لتلك الاتهامات والتكهنات.
احتمال إطالة أمد الحرب في أوكرانيا سوف تترتب عليه تداعيات عالمية خطرة قد تصل إلى حدوث زلزال اقتصادي
ويفترض عادل علي الباحث المتخصص في الشؤون الصينية والآسيوية أن يكون نشر واشنطن وحلفائها هذه التكهنات مستندا إلى امتلاكهم أدلة قوية تؤكد صحة ودقة المخاوف الغربية، ولكن اللافت هنا أن تلك التحذيرات من الصين تستند إلى تقييمات ومعلومات استخباراتية، مصدرها الرئيسي أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية، وتم تعميمها ومشاركتها في أوروبا وحلف “الناتو”، ولم تقدم واشنطن أو حلفاؤها شواهد ملموسة تؤكد صحة هذه التقييمات، بل شكك الرئيس الأميركي جو بايدن في إمكانية إقدام الصين على إرسال أسلحة إلى روسيا.
وبدورها، لم تكتف بكين بنفي تلك الادعاءات الغربية ووصفها بـ”المضللة”، وكذلك توجيه الاتهام للولايات المتحدة بتصعيد الحرب من خلال ضخ الأسلحة في ساحة المعركة، لكنها، أي بكين، وفي خطوة تدحض السرد الأميركي والغربي ضدها، طرحت مبادرة للوساطة للتسوية السياسية للأزمة الأوكرانية.
وتباينت استجابة كل من الصين والغرب للحرب الروسية – الأوكرانية، ففي حين وقف الغرب إلى جانب كييف بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية المشددة على موسكو، تبنت بكين “الشريك الإستراتيجي لروسيا” مقاربة براغماتية، باتخاذها موقفا محايدا تجاه الحرب.
ويرى عادل علي في تحليل لمركز المستقبل للدراسات والبحوث أن مسألة الموازنة بين الحفاظ على الشراكة المهمة للغاية مع روسيا، وفي الوقت نفسه تجنب فقدان مصالحها مع الغرب، قد تمثل تحديا كبيرا لسياسة الصين الخارجية وموقفها تجاه حرب أوكرانيا، خاصة في ظل امتلاكها شبكة هائلة من المصالح مع روسيا والغرب.
ومن هنا، يُطرح التساؤل حول التطور الجديد الذي ربما طرأ ليدفع الصين إلى احتمال إمداد روسيا بالأسلحة في حربها ضد أوكرانيا.
ويقول الباحث إنه لو صحت تقديرات رغبة بكين في مساعدة موسكو عسكريا، فإن مرد ذلك سيرجع إلى علاقات الشراكة الإستراتيجية بين البلدين والتي تمت صياغتها بشكل رسمي قبل الحرب، وهناك عدة أسباب أخرى وراء هذه الرغبة الصينية، لعل من أبرزها استجابة بكين لطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة التقارب العسكري بين البلدين لمواجهة ما سماه بالضغوط الغربية غير المسبوقة واستخلاص الدروس المُستفادة من رد فعل الغرب على الدعم الصيني المحتمل لروسيا، ولاسيما في ما يتصل بالخطط الصينية المستقبلية تجاه تايوان.
كما قد تأتي المساعدات لصرف انتباه الولايات المتحدة عن الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتستمر في تركيز اهتمامها على أوروبا، وخاصة بعد أن اتهمت بكين كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بتأجيج سباق تسلح جديد.
وتتعارض خسارة روسيا مع المصالح الجوهرية للصين، حيث ستجد بكين نفسها وحيدة ومعزولة في مواجهة الغرب، وبالتالي تراجع مكانتها في النظام الدولي، في مقابل تأكيد الهيمنة الأميركية على العالم.
وقد يرغب الرئيس الصيني شي جينبينغ في تعزيز الدور الدبلوماسي لبلاده، وطموحه أن تؤدي بكين دورا أكثر نشاطا في الأمن العالمي، وهو ما يفسر نشر بكين مضمون مبادرة الأمن العالمي التي طرحها شي بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للحرب، وكذلك مبادرة للسلام بين روسيا وأوكرانيا.
وبالنظر إلى ما تتسم به السياسة الخارجية الصينية من براغماتية، يمكن استنتاج وجود دوافع مصلحية قوية ربما قد تؤدي ببكين إلى مد يد المساعدة العسكرية المباشرة لروسيا.
ومن شأن تحول هذه التكهنات إلى حقيقة أن يثير مخاوف عديدة لدى الغرب في ضوء ما سيترتب عليها من تداعيات يتمثل أبرزها في خسارة الغرب لشريك اقتصادي رئيسي، إذ من الممكن أن يندفع الغرب إلى فرض عقوبات اقتصادية على بكين، وهو ما سيترتب عليه فقدان شريك اقتصادي وتجاري واستثماري في غاية الأهمية بالنسبة إليه.
ومن ثم، فإن احتمال إطالة أمد الحرب في أوكرانيا نتيجة المساعدة العسكرية الصينية لروسيا، وقطع الغرب علاقاته التجارية مع الصين، سوف يترتب عليه تداعيات خطيرة، قد تصل إلى حدوث ما وصفه البعض بـ”زلزال اقتصادي”.
واشنطن والاتحاد الأوروبي اتخذوا سلسلة من التحركات لقطع العلاقات التجارية مع موسكو ووقف تطوير قطاع التكنولوجيا في الصين
كما سينعكس الأمر على تدهور علاقات بكين مع واشنطن وحلفائها، إذ تهدف الولايات المتحدة من وراء الكشف عن المعلومات الاستخباراتية إلى محاولة ردع بكين عن دعم روسيا، وتوضيح ما سيترتب على ذلك من تداعيات، وهو ما يعني أن واشنطن سوف تقوم في هذه الحالة، وبالتوازي مع العقوبات الأوروبية المحتملة، بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الصين. وبالتالي، من المتوقع أن يؤدي انخراط بكين عسكريا في حرب أوكرانيا إلى تدهور حاد في العلاقات الصينية – الأميركية والأوروبية.
وستغير خطوات بكين قواعد الصراع الروسي – الأوكراني. فالحرب الجارية تُعد في أحد أبعادها حربا بين الأنظمة الصناعية، حيث تعاني روسيا جراء استخدام أوكرانيا للمنظومات العسكرية الغربية، وفي حال تدخل الصين، فإن كييف ستفتقد أي ميزة تتمتع بها بفضل هذه الأنظمة. كما سيترتب على قيام بكين بتوريد الذخائر إلى موسكو، منح روسيا ميزة نسبية تزيد من معاناة الأوكرانيين.
من ناحية أخرى، سوف يترتب على أي إمدادات أسلحة صينية لروسيا المخاطرة بتصعيد محتمل للحرب إلى مواجهة بين روسيا والصين من جانب، وأوكرانيا وحلف “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة من جانب آخر. ويذهب البعض إلى أن الصراع الجاري حاليا يشبه بعضا من سمات وملامح الوضع الدولي خلال حقبة الحرب الباردة، فقد أصبح التحالف بين موسكو وبكين أقوى مما كان عليه الحال خلال الحقبة الشيوعية، كما يسعى الرئيس شي لتحقيق طموحاته المعلنة صراحة لمعارضة الهيمنة العالمية للولايات المتحدة. وعلى الجانب المقابل، اتخذت واشنطن والاتحاد الأوروبي سلسلة من التحركات لقطع العلاقات التجارية بشكل تام مع موسكو ووقف تطوير قطاع التكنولوجيا في الصين، كما حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من اندلاع حرب عالمية إذا قدمت الصين دعما عسكريا لروسيا. وهي جميعها ملامح تثير التساؤل بشأن مدى انقسام العالم مرة أخرى إلى كتلتين متنافستين كما حدث خلال الحرب الباردة.
العرب