تعرّضت قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا، أمس الجمعة، إلى هجومين بالطائرات المسيّرة والصواريخ، قتل في أحدهما متعاقد أمريكي وأصيب خمسة جنود، ورد الجيش الأمريكي على ذلك بهجمات جوية طالت عدة مواقع شرق سوريا ميليشيات موالية لإيران قتلت 14 مسلحا أكّدت قناة إيرانية أن ليس بين القتلى إيرانيون.
قبلها بأيام وقع حادث في مجدو، شمال فلسطين، أدى إلى إصابة عدة جنود إسرائيليين، وألقى زعيم «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، كلمة يقول فيها إنه إذا كان حزبه «مسؤولا عن العملية فهو ليس خائفا من الذهاب إلى المعركة» وأكد أنه أي اعتداء إسرائيلي على لبنان ستقابله المقاومة «بالرد القاطع والسريع».
ذكّر نصر الله، في كلمته بموقف الحزب ضد «العدوان على اليمن» وأشار بشكل مبطّن إلى الاتفاق السعودي ـ الإيراني بالقول إنه «بسبب العوامل الإقليمية قد يتم التوصل إلى حل (…) ينهي العدوان والحصار» و«يعيد اليمن إلى الشعب اليمني» لكن اللافت للنظر أن اليمن شهد بدوره تصعيدا كبيرا حيث قتل عشرة جنود يمنيين، مساء الثلاثاء الماضي، وقام الحوثيون في الأيام الأخيرة، حسب الأنباء، بالدفع بتعزيزات إلى جبهات مأرب التي يحاولون السيطرة عليها منذ سنوات.
يقدم تصريح لمارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الخميس الماضي، منحى آخر لتصعيد إقليمي يتجاوز التوتّرات على «الجبهات الخلفية» لإيران، بتأكيده على أن لدى طهران القدرة على تصنيع سلاح نووي خلال أشهر، وأنها تمتلك أكبر ترسانة صواريخ في الشرق الأوسط تضم «آلاف الصواريخ الباليستية».
هناك إشارتان مهمتان في تصريحات ميلي، الأولى تحذيره من أن امتلاك طهران لسلاح نووي «سيغير الشرق الأوسط إلى الأبد» والثانية أن واشنطن «تعمل مع شركاء إقليميين لمواجهة ذلك». تبدو الإشارة الأولى موجهة إلى السعودية وشركائها في مجلس التعاون الخليجي، والواضح أن الإشارة الثانية تشير إلى إسرائيل وحدها، فالاتفاق السعودي ـ الإيراني، وقبله التفاهمات الإماراتية مع طهران، والعلاقات الجيدة للجمهورية الإسلامية مع كل من قطر وعُمان، كلّها علامات على أن دول الخليج تريد النأي بنفسها عن أكلاف مواجهة عسكرية إسرائيلية مباشرة مع إيران.
صدى هذا التصريح ظهر في تصريحات تناقلتها وكالات الأنباء ونسبت إلى مسؤول إسرائيلي كبير قال فيها إن حكومته أبلغت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والعديد من الدول الأوروبية، أنه سيتم ضرب إيران «إذا قامت بتخصيب اليورانيوم فوق مستوى ستين في المئة» وكذلك تصريحات لمسؤولين آخرين قالا إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، طلبا من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل الإسراع في تسليم طائرات اشترتها من أمريكا تستخدم لتزويد المقاتلات الحربية بالوقود، استعدادا لضربة عسكرية محتملة لإيران.
ما تؤكده التصريحات الأمريكية والإسرائيلية هو أن مشروع إدارة بايدن لتشكيل تحالف عربي ـ إسرائيلي لضرب إيران، لم يفشل فحسب، بل إن الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، قد خطت خطوات واسعة بعيدا عن هذا الحلف، سواء عبر إعطاء الصين هدية دبلوماسية كبرى باعتمادها وسيطة للتقارب السعودي ـ الإيراني، أو عبر تقاربها الكبير مع روسيا، سواء في موضوع رفع أسعار النفط، أو عبر مواقفها السياسية من النزاع الأوكراني، والعلاقة الوثيقة بين وليّ العهد السعودي والرئيس الروسي.
ما يمكن استخلاصه من هذه الأحداث هو وجود اصطراع بين الأسباب البعيدة والقريبة، التي تقف وراء اتفاقيات التقارب الأخيرة بين السعودية وكل من إيران وسوريا.
رغم الطموحات المرتفعة بإحداث تسويات مؤقتة، في اليمن أو لبنان مثلا، فإن طبيعة الصراعات الكبرى التي تحفل بها المنطقة، تجعل من تلك الاتفاقات، والتسويات، زراعة في رمال السياسة المتحركة دائما.
تكتسب التحركات العربية والإقليمية والدولية أشكالا من المفارقات الحادة، حيث يتزامن التطبيع مع إسرائيل، مع الهجمات الوحشية المستمرة على الفلسطينيين، ويتناظر التصدّع السياسي والأهلي الداخلي الإسرائيلي، مع خطط ضرب إيران، وتتزامن التفاهمات والتقاربات مع طهران والنظام السوري، مع اشتعال الجبهات في اليمن، وارتفاع تصريحات التصعيد في لبنان، وتستمر المواجهات الأمريكية والإسرائيلية مع طهران، والميليشيات العراقية الموالية لها، على الأرض السورية، فيما يدعو رئيس النظام السوري لمزيد من القوات الروسية للبقاء إلى الأبد في بلاده!
القدس العربي