عاد الدينار العراقي ليسجل انخفاضا قياسيا جديدا أمام الدولار الأميركي في السوق الموازية، الأمر الذي يجدد الصداع بشأن مقاربات حكومة محمد شياع السوداني لحل الأزمة.
وتجاوز سعر صرف الدولار مبلغ 1550 دينارا وهو المستوى الذي وصل إليه قبيل البدء بتنفيذ القرار الذي صدر في السابع من الشهر الماضي حيث صار بوسع المصرف المركزي بيع الدولار بمبلغ 1300 دينار.
ويقول متعاملون إن الفرق الراهن بين سعر السوق الموازية وسعر المصرف المركزي يشكل بمفرده نزيفا لخزانة الدولة يعادل 250 مليون دينار لكل مليون دولار. وحيث أن المصرف يبيع ما يتراوح بين 150 و200 مليون دولار يوميا، فان إجمالي الخسائر سوف يتراوح بين 37.5 مليار دينار و50 مليار دينار يوميا.
◙ الوضع مرشح للتفاقم لأن البنوك التابعة للميليشيات تمتلك العديد من السبل للحصول على كميات ضخمة من الدنانير العراقية
ويعود السبب في انخفاض سعر الدينار إلى أن البنوك التابعة للميليشيات صارت تلجأ إلى السوق الموازية لشراء الدولار، لأنها ترفض الخضوع للقواعد الجديدة التي يفرضها المصرف المركزي بموجب الاتفاق مع المصرف الفيدرالي الأميركي، والتي تملي الكشف عن الجهات التي تذهب إليها التحويلات المالية.
وترمي هذه الجهات بالمليارات من الدنانير في السوق من أجل الحصول على دولارات يمكن تحويلها أو تهريبها بعيدا عن أدوات الرقابة التي يفرضها الفيدرالي الأميركي.
وبموجب القيود الجديدة، يتعين على البنوك الخاصة العراقية استخدام منصة إلكترونية للإفصاح عن تعاملاتها تتضمن تفاصيل عن مرسل الأموال والمستفيد منها.
وفي حال توصل المراقبون لعمليات التحويلات، وبينهم مراقبون أميركيون يعملون داخل المصرف المركزي العراقي، إلى أن التحويلات مشبوهة أو أنها لا تتطابق مع المعلومات المسبقة عن المرسل والمستفيد، أو شككوا بطبيعة الصفقة التجارية، فإن بوسعهم منع المرسل من تحويل الأموال عبر المنصة الإلكترونية الرسمية التي تراقب التحويلات.
ولأن نسبة الرفض صارت تتزايد مع توفر المزيد من المعلومات حول الجهات التي تتعامل معها المصارف الخاصة في الخارج، فقد لجأت هذه المصارف إلى السوق الموازية لشراء الدولار والقيام بتحويله عن طرق التهريب المألوفة عبر الحدود.
نافذة العملة التي يفتحها المصرف المركزي. أما المنصة الإلكترونية فإن التحويلات من خلالها تمر عبر عدة مراحل ما يؤدي أحيانا إلى تأخير تنفيذ التحويلات، إذا لم يتم رفضها.
بينما تشعر تلك الميليشيات بالمسؤولية عن تحويل الأموال في أوقات محددة لتغطية احتياجات نظرائها ورواتبهم في سوريا ولبنان واليمن.
ويشكل ضغط المطالب العاجلة سببا رئيسيا لارتفاع الدولار وانخفاض الدينار لكثرة المعروض منه، الأمر الذي تنشأ عنه ضغوط تضخمية تلحق الضرر بذوي الدخل المحدود في العراق بسبب ارتفاع الأسعار.
وكانت الأزمة بدأت في نوفمبر الماضي عندما أقر مجلس الاحتياطي الاتحادي في نيويورك ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية بالدولار للبنوك التجارية العراقية، استهدفت بالدرجة الأولى وقف التدفق غير المشروع للأموال إلى إيران.
ويقول مراقبون إن هذا الوضع مرشح للمزيد من التفاقم، من ناحية لأن البنوك التابعة للميليشيات تمتلك العديد من السبل للحصول على كميات ضخمة من الدنانير العراقية، سواء من خلال حصصها الرسمية من الميزانية العامة للدولة أو من خلال أنشطتها التجارية الأخرى. ومن ناحية أخرى إذا ما بقيت عاجزة عن الحصول على الدولارات من المصرف المركزي، فإنها سوف تعود لترمي تلك الكميات من الدنانير في السوق الموازية، ما يدفع إلى المزيد من انخفاض سعر الدينار، ويؤثر على اقتصاد الملايين من العراقيين، ويزيد حجم الاستنزاف الذي تتعرض له الخزانة العامة.
ولا تملك حكومة السوداني أن تفعل شيئا. من ناحية لأن ما تحصل عليه الميليشيات من أموال يزيد عن احتياجاتها الحقيقية. ومن ناحية أخرى لأن هذه الميليشيات ملزمة بتوفير الأموال لإيران سواء عن طريق تحويلات رسمية أو عن طريق السوق الموازية.
وكان محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق قال الأسبوع الماضي إن “البنك المركزي أطلق حزما متعددة من الإجراءات، وإن الحزم التي انطلقت يتم التعامل معها بشكل جدي للسيطرة على سعر صرف الدولار الموازي”.
◙ الفرق الراهن بين سعر السوق الموازية وسعر المصرف المركزي يشكل بمفرده نزيفا لخزانة الدولة يعادل 250 مليون دينار لكل مليون دولار
إلا أن الوقائع تشير إلى أن هذه الإجراءات لم تحقق النتيجة المرجوّة منها. وهو ما يدعم تأكيدات عضو اللجنة المالية في البرلمان جمال كوجر الذي قال إن “الإجراءات الحكومية ليست كافية لتقليص الفجوة بين سعر السوق والسعر الرسمي”.
وأشار كوجر إلى عملية الاستنزاف الحاصلة بين السعرين بالقول إن عمليات فساد كبيرة تجري في المصارف الخاصة، من خلال التعامل مع أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة لتقسيم الأرباح المتحققة من الفرق بين السعرين الرسمي والموازي.
ويقول مراقبون إن دعوات المصرف المركزي للتجار بعدم التعامل مع الوسطاء والمضاربين لا نفع فيها، لأنها أقرب إلى الدعوة لهؤلاء التجار بالامتناع عن الحصول على أرباح سريعة من خلال التعامل مع مصارف خاصة مستعدة، لأجل الوفاء بالتزاماتها لإيران، أن تدفع مبالغ أعلى مقابل الدولار، بينما يمكن لهؤلاء التجار أن يعودوا إلى نافذة العملة الرسمية لشراء الدولار بالسعر الرسمي المنخفض.
وتملك حكومة السوداني واحدا من ثلاثة خيارات لمواجهة هذه الأزمة. الأول، هو اقتفاء أثر أسعار السوق الموازية لحرمان المضاربين من الاستفادة من فارق السعرين، ولكن ذلك يمكن أن يزيد من عوامل التضخم. والثاني، تشديد الرقابة على المصارف الخاصة ووقف أعمال التهريب عبر الحدود، وهو ما لا يمكنها فعله. والثالث، وهو الأسهل، ترك الحبل على الغارب، وقبول النزيف اليومي للأموال، لاسيما وأنها تستطيع القول إنها تنفذ، على الأقل، التزاماتها مع الفيدرالي الأميركي.
صحيفة العرب