مجددا نسفت منظمة “اوبك” جميع المطالب والآمال، بالإبقاء على سقف الانتاج النفطي في ختام اجتماعها بالعاصمة النمساوية فيينا ، حينما قررت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ، الإبقاء على سقف الإنتاج الحالي، بينما تراجعت أسعار الخام في الأسواق العالمية بأكثر من دولارين لتصل من 42 دولارا إلى 39.6 وهو أدنى سعر منذ آب/ أغسطس الماضي، وتقارب حاليا ادنى مستوياتها منذ ست سنوات ونصف السنة.
كما قلنا في مقالنا السابق ، فالسعودية بكامل ثقلها ، تكفلت بإدارة دفة الاجتماع ونتائجه و كان اهم اهداف الرياض الابقاء على سقف الانتاج على ما هو عليه لتمضي في استراتيجيتها الراسخة بالحفاض على الحصة السوقية ،والحفاظ على التوازن في اسواق النفط وهو ماتم بالفعل .
و في تصريح لصحيفة”الاقتصادية”السعودية قبيل اجتماع “أوبك” ، قال وزير النفط السعودي علي النعيمي ،حول مبادرة فنزويلا للعودة إلى النطاق السعري”إن الأسعار يحددها السوق ونعتقد أن فكرة النطاق السعري لم تعد ملائمة لتطورات السوق والتحديات الواسعة التي يواجهها.
وأشار النعيمي إلى أن”أوبك ” ستستمر في دورها المحوري في الإنتاج والاستثمار مهما تراجعت الأسعار لأن عينها على مستقبل الصناعة وتوفير الإمدادات التي تؤمن احتياجات السوق العالمي من الطاقة.
ولو تأملنا القرار الذي اتخذته اوبك في اجتماعها، سنلاحظ أنه يحمل في طياته العديد من الاجابات عن تساؤلات سابقة ؛ حول من المستفيد ومن الخاسر من هذه المعركة التي تدور على النفط .
فإيران التي اعلنت سابقا إنها ستزيد إنتاجها من النفط بما لا يقل عن مليون برميل يوميا عندما ترفع العقوبات لن تنظر في أي تخفيضات إنتاجية حتى تستعيد إنتاجها الذي قلصته لسنوات عقوبات غربية، وبكل الاحوال لن تكون لهذه الزيادة مردود حقيقي في ظل تهاوي اسعار النفط الحالي .
ومع كل ذلك اكد الأمين العام لأوبك عبد الله البدري، أن المنظمة لم تتمكن من الاتفاق على أي أرقام لأنها لا يمكنها أن تتكهن بحجم النفط الذي ستضيفه إيران إلى السوق العام القادم مع رفع العقوبات بمقتضى الاتفاق بشان برنامجها النووي مع القوى الكبرى.
ولم يتضمن البيان الختامي للاجتماع على مستوى سقف للإنتاج وهو ما يسمح للدول الأعضاء بأن تواصل ضخ النفط بالمستويات الحالية إلى سوق تشهد بالفعل تخمة في المعروض.
روسيا التي تغيبت عن الاجتماع ، لم تكن بحال من الاحوال افضل حالا من ايران ، حيث تكبدت خسائر كبيرة منذ ان اتخذت اوبك قرار رفع مستوى الانتاج ، واليوم روسيا ما تزال تعاني من هذا التراجع في اسعار النفط خصوصا مع دخولها في سوريا قبل نحو الشهرين ، وحاجتها الى رفع مواردها لتغطية مصاريف قواتها الخارجية .
اما العراق الدولة الاكثر تضررا من هذا الواقع ، سيكون عليه ان يواجه المزيد من الصعوبات التي تعصف باقتصاده ، نتيجة عوامل عدة ؛اهمها طبعا السعر المتدني للنفط ، وتراجع سعر صرف الدينا مقابل الدولار ، ناهيك عن عدة عوامل جسدت بمجملها ضربة قاسية للاقتصاد العراقي .
ولم يستبعد رئيس المنظمة وزير النفط النيجيري إيمانويل إيبي كاتشيكو أن تعقد أوبك اجتماعا قبل حزيران / يونيو المقبل إذا واصلت أسعار النفط تراجعها.
وأضاف أن أوبك تنتج فقط نحو 35 إلى 40% من الاستهلاك العالمي، واستمرار خفض الإنتاج لن يحل أي مشكلة”، مشددا على أهمية انضمام الدول غير الأعضاء إلى المنظمة لضمان استقرار الأسعار.
لم تلقى دعوة عدد من دول اوبك وعلى رأسها فنزويلا الى خفض الانتاج ، لتحسين الاسعار التي خسرت 60 في المئة من قيمتها منذ منتصف 2014، إلا ان المنظمة عمدت الى رفع سقف الإنتاج إلى 31.5 مليون برميل يوميا من 30 مليون برميل يوميًا ، وهو ما يؤكد بأن الاعضاء يضخون كميات من النفط تزيد كثيرا عن السقف الحالي.
مزيدا من التراجع في الاسعار ، و مزيدا من الارتفاع في حجم الانتاج ، واصرار السعودية على المضي نحو اعادة اسوق الى حالة التوازن، والضغط على المنتجين غير التقليديين(النفط الصخري) للانصياع لتنظيم السوق ، كلها عوامل ستشكل نوعا من التوتر ربما في المستقبل داخل المنظمة ، وخصوصا مع السعر المنخفض الذي قد يستمر لفترة طويلة ، وعودة ايران الى السوق مع بداية العام المقبل ، وتآكل موازنات عدد من الدول داخل المنظمة ، وارتباك الاستثمارات النفطية ، كلها عوامل سيكون لها اثرٌ واضح في الاسواق العالمية في الفترة المقبلة.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية