يأمل المرء أن يكون مجتمع الاستخبارات الأمريكي قد أخذ علماً بجميع الأحاديث بين منتجي النفط حتى لو لم يناقش محللو الطاقة ووسائل الإعلام الإخبارية هذا الموضوع.
في 3 نيسان/أبريل، عقدت مجموعة “أوبك بلس”، التي تضم “منظمة الدول المصدرة للنفط” بقيادة السعودية بالإضافة إلى روسيا وعدد قليل من الدول الأخرى، اجتماعاً افتراضياً. وفي 28 آذار/مارس، أفاد موقع “بلومبرغ” بأنه “لم تصدر أي إشارة عن «أوبك بلس» على تغيير إنتاج النفط خلال الاجتماع الذي ستعقده الأسبوع المقبل”. لكن خلافاً للتوقعات، أعلنتالسعودية في 2 نيسان/أبريل عن “خفض طوعي للإنتاج قدره 500 ألف برميل يومياً [حوالي 5 في المائة من إنتاجها] بالتنسيق مع دول أخرى أعضاء وغير أعضاء في منظمة «أوبك»“. وبذلك، يتراجع إجمالي إمدادات السوق بأكثر من مليون برميل في اليوم.
وقد أحدث هذا الخبر حالة من الذهول والدهشة والمفاجأة والحرج لدى المعنيين في مجال الطاقة الذين عجزوا جميعهم عن التنبؤ به (لكني أهنئ نفسي بعض الشيء لأني تنبهت إلى الخبر الذي نشره موقع “بلومبرغ” واحتفظت به قائلاً في نفسي “هذا التصريح سيسبب الحرج للموقع”).
ولقرار خفض الإنتاج أبعاد سياسية واقتصادية – وربما عواقب – على حد سواء. وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” في معرض شرحها للخبر الذي سرعان ما تصدّر موقعها الإلكتروني: “تُظهر مبادرة دعم الأسعار عزم السعودية على انتهاج استراتيجية طاقة مختلفة عن واشنطن”. وبالتالي، نحن أمام جولة جديدة أو جولتين من القصص التي تتمحور حول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مواجهة الرئيس بايدن.
ومن المحتمل أن تتردد تداعيات البعد الاقتصادي في الأسواق المالية. فقد تراجعت أسعار النفط عندما انتشرت أخبار انهيار “بنك وادي السيليكون” (“سيليكون فالي”) واستحواذ بنك “يو بي أس” على “كريدي سويس”. وربما تعني التخفيضات في الإنتاج زيادة أسعار النفط، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو/التعافي. ففي الثالث من نيسان/أبريل، قفز خام “برنت” المتداول على نطاق واسع بأكثر من 6 في المائة ليناهز سعره حوالي 85 دولاراً.
وسرعان ما سيؤدي هذا الوضع إلى انخراط الصين المحتمل. فتقارب ولي العهد السعودي من الرئيس شي جين بينغ – لا سيما منذ أن استضافالأمير محمد بن سلمان الزعيم الصيني في أواخر العام الماضي وعززا علاقتهما بالإعلان الأخير عن تطبيع محتمل بين إيران والسعودية بوساطة بكين – قد يتعارض مع ارتفاع أسعار النفط. وبخلاف روسيا، التي تُعتبر منتجاً ومصدراً رئيسياً بحدّ ذاتها (وإن كان ذلك قد انخفض في أعقاب العقوبات التي تكبدتها بسبب غزوها لأوكرانيا)، تبقى الصين مستورداً رئيسياً للنفط. وبالتالي، قد تؤثر زيادة الأسعار سلباً على محاولة إحياء اقتصادها بعد جائحة “كورونا”.
ومن جهتها، وافقت روسيا على تمديد خفضها للإنتاج الذي كانت قد أعلنت عنه الشهر الماضي بواقع 500 ألف برميل في اليوم حتى نهاية العام. أما البلدان الأخرى المشاركة في خفض الإنتاج فهي العراق والإمارات العربية المتحدة والكويت وكازاخستان والجزائر وعُمان.
ووفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”، كان رد الفعل الفوري لإدارة بايدن، هو أن التخفيضات لم تكن مستحسنة. فقد قال متحدث باسم ” مجلس الأمن القومي” الأمريكي: “لا نعتقد أن التخفيضات مستحسنة في هذا التوقيتنظراً لحالة عدم اليقين التي تكتنف السوق – وقد أوضحنا ذلك بوضوح”. وفي بيان مكتوب، يشير إلى الإحباط أكثر من التهديدات، قال “مجلس الأمن القومي”: “سنواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان دعم أسواق الطاقة للنمو الاقتصادي وخفض الأسعار للمستهلكين الأمريكيين”.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن أحد الخبراء قوله إن تأثير ذلك على الأسعار في محطات الوقود قد يعني ارتفاع أسعار البنزين بأكثر من 4 دولارات للغالون الواحد خلال موسم التنقل بالسيارات في فصل الصيف. ولكن لم يتمّ التطرق إلى الفائدة الضمنية التي تنعّم بها سائقو السيارات خلال الأشهر الأخيرة، مع تراجع الأسعار.
ويمكن أن تتصدر تخفيضات إنتاج النفط وتأثيرها على عناوين الأخبار المالية خلال الأيام القليلة المقبلة. كما سنشهد دوامة “تبادل الاتهامات”. فما الذي دفع بالسعودية إلى اتخاذ هذا القرار؟ حتى الآن، ظهر سببان وراء قرارها هذا، الأول هو تأجيل الولايات المتحدة إعادة ملء “احتياطي البترول الاستراتيجي”، وبالتالي عدم زيادة الطلب، والثاني استياء وزير النفط السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الأخ غير الشقيق لمحمد بن سلمان والذي يكبره سناً، من الأرباح الناتجة للبائعين على المكشوف.
وربما لن نعرف السبب الحقيقي أبداً، لكننا نأمل أن يكون مجتمع الاستخبارات الأمريكي قد أخذ علماً بكافة الأحاديث الدبلوماسية التي دارت بين منتجي النفط، حتى لو لم يناقش محللو الطاقة ووسائل الإعلام الإخبارية هذا الموضوع.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن