تستمر العلاقة بين النظام الإيراني والمجموعة الأوربية في حالة من التوتر والتوجس نتيجة الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل مسؤولي النظام وعدم وجود أرضية واضحة في التعامل مع المبادرات والمقترحات الأوربية حول عودة المباحثات ومناقشة الحلول الجذرية للبرنامج النووي الإيراني واستمرار طهران في تقديم المساعدة والدعم العسكري لروسيا في نزاعها مع أوكرانيا ووصول الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش الروسي في قصف العديد من الأهداف العسكرية داخل الأراضي الأوكرانية وهذا ما شكل حرجا كبيرا لشركاء النظام الإيراني من الأوربيين الذين كان يتمع بعلاقة طيبة معهم قبل النزاع الروسي _الأوكراني، كما وان الرفض الذي تبديه السلطات الايرانية وأجهزتها الاستخبارية بعدم الاستجابة للعديد من الطلبات الأوربية بإطلاق سراح المحجوزين من الإيرانيين المعارضين والذين يحملون الجنسيات الأوربية المختلفة وإصدار أحكام العقوبات بحقهم ومنها تنفيذ الإعدام بعدد منهم .
هذه التطورات والإجراءات الإيرانية أدت إلى قيام الاتحاد الأوروبي بإصدار عقوبات بحق (204) من أفراد النظام الإيراني و(34) كيان تابع له بعد صدور أحكام قضائية بالإعدام في محاكمات اعتبرت جائرة ودور هذه الكيانات والأشخاص في تعذيب واستجواب المدانيين الايرانيين، وهذا ما كان له الأثر البالغ في قيام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بإصدار بيان أكد فيه ( ان حجم وخطورة الاتهامات التي ارتكبتها السلطات الايرانية بعد وفاة الشابة أميني تشير إلى احتمال ارتكاب جرائم دولية بما فيها جرائم ضد الإنسانية وهي جرائم قتل وسجن واختفاء قسري وتعذيب واغتصاب وعنف جنسي واضطهاد ) .
وتزامنت هذه الوقائع مع إقرار الحكومة البريطانية عقوبات على (5) من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة التعاونية التابعة للحرس الثوري الإيراني لقيامهم باستثمار مالي خلافا للعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام الإيراني، ثم أتت العقوبات الأمريكية والتي فرضت على ثلاثة أشخاص وثلاث كيانات في إيران وتركيا بتاريخ 23 آذار 2023 بتهمة التوسط بشراء عتاد يشمل محركات طائرات مسيرة أوربية المنشأ لدعم برامج تصنيع الطائرات المسيرة والأسلحة في إيران، وهذه تعمل نيابة عن وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة حسب بيان وزارة الخزانة الأميركية والعقوبات شملت أيضا(مركز أبحاث العلوم وتكنلوجيا الدفاع الإيراني).
ان الاوبيين والامريكان بدأوا يستشعرون حقيقة المواقف الإيرانية الساعية الى امتلاك السلاح النووي وزيادة عمليات تخصيب اليورانيوم وإنتاج الطرود المركزية والمواد الانشطارية التي تعتبر المحطة الأولى للوصول إلى السلاح النووي ، وهذا ما صرح به مدير الاستخبارات الأمريكيةوليم بيرنز (باننا كنا في أحيان متقاربة جدا نعتقد بإمكاننا تغيير منطقة في العالم دون أن نفهمها جيدا ، وفي خطاب ألقاه في جامعة جورج تاون (ان الشرق الأوسط عام 2023 سيشكل تحديات معقدة لصناع السياسة الأمريكية بشكل خاص لأن جزء من التحديات موجودة في إيران ) ، وهو بذلك يحدد الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ويؤكد حقيقة النوايا الإيرانية التي تسعى لان تكون قوة إقليمية نووية في منطقة الشرق الأوسط وهذا الهدف الإيراني إنما تجذر في العقلية السياسية الإيرانية نتيجة عدة عوامل أهمها أن الأمريكان والاوربيين لم يتمكنوا من فهم واستيعاب القدرة الإيرانية في المطلوبة والتوسع في دائرة الحوار حول البرنامج النووي الإيراني ولم يكن لديهم التصور الكامل حول إمكانيات أن تكون إيران دولة إقليمية نووية وانهم ذهبوا بعيدا في الفهم الخاطئ للفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي بتحريم إنتاج السلاح النووي واعتمدت هذا التوجه كحالة اطمئنان لديهم أثناء جولات الحوار كما وانهم اتفقوا كثيرا في إيقاف أهداف المشروع الإيراني بالتمدد والنفوذ في الوطن العربي الذي أدى إلى سيطرة الحرس الثوري الإيراني على عواصم البلدان العربية في العراق ولبنان وسوريا واليمن ، ولم يحسنوا التعامل بشكل جدي مع انتفاضة الشعوب الإيرانية التي انطلقت منتصف أيلول 2022 بعد مقتل الشابة الإيرانية اميني .
هكذا هي السياسة الدولية والمصالح الإقليمية وهذا ما فعلته الإدارة الأمريكية طيلة عقدين من الزمن بعد أن سمحت لإيران بالهيمنة والسيطرة على مقدرات العراق وجذرها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمنح النظام الإيراني كل شئ مقابل توقيع الاتفاق النووي عام 2015 وهي الإدارة التي لم تمنع إيران من تخصيب اليورانيوم سرا وعملت على ترك الأراضي السورية للأهداف الروسية والمشاريع الإيرانية وغضت البصر عن دور النظام الإيراني في التحكم بالسياسة اللبنانية وهي من شجعت الحوثيين على استمرار حالة المواجهة واستهداف الوحدة اليمنية وتوسع أدوارهم في المنطقة واستهداف الأمن القومي العربي،
ولا زالت اللعبة مستمرة .
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية