أضرار الوجود العسكري الأميركي في سوريا أكبر من فوائده

أضرار الوجود العسكري الأميركي في سوريا أكبر من فوائده

يجادل محللون بأن على الولايات المتحدة أن تعيد تقييم المكان الذي يمكن لجهودها أن تحدث فيه التغيير الأكثر إيجابية والمكان الذي تكمن فيه مصالحها الأكثر حيوية، وهو رأي يدعمه الكثير من الساسة الأميركيين.

واشنطن – لم تعد الحجة التي ترددها الولايات المتحدة لوجودها العسكري في سوريا بأنها تعمل على احتواء خطة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مقبولة لدى الكثير من الساسة الأميركيين.

وجاء الهجوم الإيراني بطائرة مسيرة على القاعدة العسكرية الأميركية في شمال سوريا، والذي أسفر عن مقتل متعاقد أميركي وإصابة 6 عسكريين آخرين، ليثير التساؤلات حول غرض الوجود العسكري الأميركي البالغ حوالي 900 جندي هناك.

وردا على ذلك، أمر الرئيس جو بايدن الجيش الأميركي بتنفيذ ضربات جوية دقيقة ضد منشآت تابعة لجماعات الحرس الثوري الإيراني، مما أسفر عن مقتل 19 مقاتلا.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف أفراد أميركيين في سوريا، ومن غير المرجح أن تكون الأخيرة.

الولايات المتحدة دمرت كل أعداء إيران الإقليميين حتى أنه يمكن القول إن واشنطن تخوض معارك إيران في الشرق الأوسط

ولا يعاني الجنود الأميركيون من نقص في الأعداء في البلاد، وقد واجهوا هجمات منتظمة منذ وصولهم قبل أكثر من سبع سنوات.

وما بدأ كجهد لتغيير النظام الأميركي ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد تحول منذ ذلك الحين إلى مواجهة مفتوحة، حيث أدت المهمة الرسمية لقمع تنظيم الدولة الإسلامية إلى حجب الجهود الأميركية لمواجهة روسيا وإيران. وضمنت هذه الأهداف الغامضة أن الولايات المتحدة ليست أقرب إلى مغادرة سوريا مما كانت عليه عندما وضعت جنودها على الأرض لأول مرة.

وتعهدت إدارة بايدن بمواصلة الدفاع عن 900 جندي أميركي في سوريا طالما بقوا في البلاد، وهو إطار زمني غير محدد.

وعلى الرغم من تحرك بايدن لإنهاء أو تقليص “الحروب التي لا نهاية لها” للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، فإن هذه السياسة لم تمتد إلى سوريا. وبدلا من ذلك ظلت واشنطن ملتزمة ظاهريا بمحاربة داعش والضغط على نظام الأسد، الذي لا يزال يتعرض للضغط من قبل نظام عقوبات قوي موجه من الولايات المتحدة.

ومع ذلك تدرك واشنطن بالتأكيد أن دمشق ليست معزولة كما كانت في السابق، فالتقارب الإقليمي مع سوريا يجري على قدم وساق.

ويقول الموقف الرسمي الذي يعبر عنه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي إن القوات الأميركية موجودة في سوريا لاحتواء خطر داعش. علاوة على ذلك يقول المسؤولون في واشنطن إن على الولايات المتحدة البقاء هناك لاحتواء وتقليص النفوذ الإيراني وكذلك حماية إسرائيل.

ويقول الكاتب والمحلل الأكاديمي علي دميرداس، الحاصل على دكتوراه العلوم السياسية من جامعة ساوث كارولينا، “لئن بدا الهدفان مشروعين فإن الطرق التي تستخدمها واشنطن لتحقيقهما تمثل مشكلة في حد ذاتها، وسوف تتسبب في المزيد من المشاكل ليس فقط لواشنطن وإنما للمنطقة أيضا”.

وأصبح تنظيم داعش يهدد الدول والتنظيمات الإقليمية أكثر مما يهدد الولايات المتحدة، وهو ما يدحض حجة الوجود الأميركي في سوريا لمواجهته.

وبحكم تكوينه فإن تنظيم داعش هو جماعة متطرفة سنية توجه عملياتها وهجماتها بشكل أساسي ضد المسلمين الشيعة في العراق وسوريا.

وبالتالي فإنها عدو رئيسي للرئيس السوري بشار الأسد وإيران ووكلائها الشيعة وبخاصة قوات الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في سوريا وإيران.

ومعنى ذلك أن محاربة الولايات المتحدة لتنظيم داعش تعزز النفوذ الإيراني تماما كما فعلت عندما أطاحت بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين وحربها ضد حركة طالبان الأفغانية المناوئة لإيران والشيعة.

وفي الوقت نفسه تعتبر كل الأطراف الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط أن تنظيم داعش خطر وجودي عليها، ولها مصلحة في القضاء عليه.

ولذلك يمكن للولايات المتحدة التعاون مع تركيا -حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)- في التعامل مع خطر داعش. ومثل هذه الشراكة تحافظ على ظهور القوة الأميركية في المنطقة دون خطر التورط في المواجهة المباشرة مع خصومها الإقليميين مثل إيران، والتي قد تتحول إلى حرب طويلة وجديدة على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ومن الأخطاء الأميركية في سوريا اعتماد وزارة الدفاع الأميركية كثيرا على وحدات حماية الشعب الكردية وأغلب عناصرها من الأكراد الماركسيين، والتي قال عنها وزير الدفاع الأميركي السابق آش كارتر إنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بحزب العمال الكردستاني المدرج على قوائم الإرهاب الأميركية.

وفي الوقت نفسه لا تستطيع وحدات حماية الشعب الكردية مواجهة النفوذ الإيراني لسببين، الأول هو العلاقة الوثيقة التي تربط بين الوحدات وحزب العمال الكردستاني وإيران، والثاني أن واشنطن ارتكبت في سوريا نفس الأخطاء التي ارتكبتها في أفغانستان، بتبني إستراتيجية إعادة بناء الدولة.

ومن المنظور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لا يمكن بقاء مشروع الحكم الذاتي الذي تسعى إليه وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.

وأنفقت واشنطن مليارات الدولارات على تسليح الوحدات وتسهيل حكمها الذاتي في شمال شرق سوريا. لكن نفوذ الحركة الكردية اليسارية يثير الاستياء في المنطقة ذات الأغلبية العربية السنية وبعض التركمان.

وانخرطت وحدات حماية الشعب في عملية طرد للعرب من المناطق التي استولت عليها من تنظيم داعش مما أثار المزيد من السخط وزرع بذور المزيد من الصراعات الطائفية.

وقالت لاما فقيه كبيرة المستشارية في منظمة العفو الدولية إن الأكراد قاموا بعمليات هدم متعمدة لمنازل المدنيين، وأحرقوا قرى كاملة في بعض الحالات، وشردوا السكان دون أي مبرر عسكري. كما أن الجناح السياسي للوحدات وهو حزب الاتحاد الديمقراطي السوري معروف بملاحقة الأكراد الذين لا يتبنون رؤيته الماوية الجديدة (الشيوعية) للعالم.

ويرى دميرداس أن روبرت بيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو كان على صواب عندما قال إن الاحتلال العسكري، وليس المعتقدات الدينية، هو المسؤول عن ظهور الانتحاريين والتطرف.

وقد اعترف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بأن الحرب الأميركية ضد العراق عام 2003 ساعدت في ظهور داعش.

ويختتم دميرداس بالقول إن “دراسة تداعيات كل التحركات الأميركية في الشرق الأوسط على مدى الثلاثين سنة الماضية تنتهي إلى نتيجة واضحة وهي أن الولايات المتحدة دمرت كل أعداء إيران الإقليميين بدءا من صدام حسين وصولا إلى تنظيم داعش، حتى أنه يمكن القول إن “الولايات المتحدة تخوض معارك إيران في الشرق الأوسط”.

ولذلك يتساءل الرأي العام الأميركي المرهق من الحروب والصراعات على مدى العقود الماضية: لماذا أصبحت إيران والصين وروسيا أكثر نفوذا في الشرق الأوسط، في حين تفقد الولايات المتحدة نفوذها رغم أنها أنفقت أكثر من 8 تريليونات دولار وخسرت أكثر من 5000 جندي في صراعات المنطقة؟

العرب