لا يبدو الهجوم العنيف الذي شنه رئيس مجلس الأمة الكويتي على رئيس الوزراء، والذي لا يزال يثير تفاعلات كبيرة داخل الأوساط الكويتية، مجرد رد فعل على عدم حضور الشيخ أحمد النواف لأولى جلسات المجلس العائد، بل هو يمثل أحد تمظهرات صراع محتدم داخل الأسرة الحاكمة.
الكويت – تقول أوساط سياسية كويتية إن الهجوم العنيف الذي شنه رئيس مجلس الأمة العائد مرزوق الغانم على رئيس الوزراء المكلف الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، واتهامه بأن “وجوده يمثل خطرا على البلد” يعكس عمق الأزمة التي بلغتها الأمور في الكويت، والتي هي في واقع الأمر نتاج صراع محتدم على النفوذ داخل الأسرة الحاكمة.
وتشير الأوساط إلى أن الغانم ما كان ليستطيع فتح جبهة على الشيخ أحمد النواف دون أن يكون مسنودا في ذلك من أحد أطراف الأسرة، معتبرة أن المعركة الجارية تهدد بنيان الحكم داخل الدولة الخليجية. وأطل رئيس مجلس الأمة العائد، في مؤتمر صحافي عقده الأربعاء في قاعة مكتب المجلس، متهما رئيس مجلس الوزراء المكلف بعدم السماح له بلقاء أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
وجاءت إطلالة الغانم بعد يوم على تعذر عقد الجلسة الأولى للمجلس، بسبب عدم حضور الحكومة، وأيضا عدم اكتمال النصاب القانوني، حيث لم يحضر سوى اثنين وعشرين نائبا من أصل خمسين نائبا. وتنص المادة 116 من الدستور الكويتي، على أنه يجب تمثيل الحكومة في جلسات المجلس حتى يمارس أعماله. وتقاطع حكومة تصريف الأعمال الحالية جلسات المجلس التشريعي منذ يناير الماضي على خلفية أزمة سياسية تفجرت بينها ونواب مجلس 2022.
◙ رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ما كان ليستطيع فتح جبهة على الشيخ أحمد النواف دون أن يكون مسنودا في ذلك من أحد أطراف الأسرة
وكان من المفترض أن يجري حل الأزمة بإعلان حكومة جديدة كلف بتشكيلها مجددا الشيخ أحمد النواف في أوائل مارس الماضي، لكن قرارا مفاجئا صدر عن المحكمة الدستورية في التاسع عشر من نفس الشهر قضى بإبطال مجلس الأمة 2022، وإعادة مجلس 2020، لتدخل الكويت بذلك مرحلة جديدة من الأزمة، تبدو مفتوحة السيناريوهات.
ولا يخفي البعض وبينهم نواب شكوكا في قرار المحكمة الدستورية، وأرجحيته، معتبرين أن ما صدر عن المحكمة أدخل البلاد في تعقيدات جديدة، كما أنه شكل تجاوزا لصلاحيات الأمير، حيث إن الدواعي التي بنت عليها المحكمة قرارها تتعلق بإشكالات في مراسيم حل البرلمان السابق ودعوة الناخبين لانتخابات جديدة عقدت في سبتمبر الماضي، وهي في صميم صلاحيات الأمير.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون موقف الشيخ أحمد النواف من عدم حضور أولى جلسات المجلس العائد، نابعا من ذات الشكوك التي تلامس البعض بشأن قرار المحكمة الدستورية، والتي جعلته حتى الآن لا يحسم في إعلان التشكيل الحكومي الجديد.
وفي خطوة بدت غير منسقة مع رئيس الوزراء المكلف، دعا رئيس مجلس الأمة إلى عقد الجلسة الأولى للمجلس، وتضمن البند الأول في جدول أعمالها تلاوة الأوامر الأميرية والمراسيم الخاصة بتشكيل الوزارة، وأداء الوزراء من غير أعضاء مجلس الأمة اليمين الدستورية حسب نص المادة 91 من الدستور.
وبدا أن هدف الغانم زيادة إحراج موقف الشيخ أحمد النواف، بشأن التشكيل الحكومي الجديد الذي لم يفرج عنه بعد، في ظل تسريبات تندرج في سياق “حرب أعصاب” تجري بين أجنحة الأسرة الحاكمة حول إمكانية تقدم الشيخ أحمد النواف باعتذاره.
ومثلما كان متوقعا لم يحضر رئيس الوزراء المكلف أو عدد من أعضاء حكومة تصريف الأعمال التي يتولى رئاستها الجلسة، فكان أن تم رفعها إلى ما بعد عيد الفطر، ليشن الغانم بعد ذلك هجومه الشرس على رئيس الوزراء المكلف ويتهمه بممارسة التعطيل ويشكك في نزاهته، وهو ما كان ليقوم به رئيس مجلس الأمة لولا حصوله على ضوء أخضر من أطراف في الأسرة.
وقال الغانم “لقد طلبت مقابلة صاحب السمو أمير البلاد، ولم أتمكن وسمعت أن هذا تم بتدخل رئيس الحكومة”. وأضاف “السكين وصلت العظم، وكنت أريد أن أبين لسمو الأمير حقيقة ما يجري”. وأضاف الغانم في المؤتمر الصحافي “لا يخفى على أحد الوضع الذي يعيشه البلد حاليا، من تعطل مصالح الناس وتوقف عجلة التشريع والرقابة لمدة طويلة جدا، والشلل التام في كل مناحي الحياة”. وأضاف “إبراء لذمتي ومسؤوليتي التاريخية أناشد أمير البلاد وولي عهده التدخل الفوري لوقف التعطيل والتسويف اللذين يمارسهما رئيس الوزراء تجاه مصالح الشعب وأحواله”.
ونبه رئيس البرلمان الكويتي إلى أن في ظل عدم حضور الحكومة إلى المجلس “تعطل اعتماد الميزانيات حاليا بالبلاد”. وأضاف أن هذا التعطل يعني “عدم إمكانية التوظيف أو بعثات جديدة ولا ترقيات ولا علاج بالخارج جديدا”. ودعا الغانم رئيس مجلس الوزراء إلى “الاعتذار” عن الاستمرار في منصبه إن لم يرغب بحضور جلسات البرلمان للقسم واعتماد تشكيل حكومته، مؤكدا أن “الأسرة (الحاكمة) مليئة بالكفاءات”.
◙ تصريحات رئيس مجلس الأمة تعكس رغبة مبطنة في استمرار المجلس العائد إلى حين ترتيب الأمور وإصدار تشريعات جديدة بشأن الانتخابات
ومضى الغانم في هجومه على الشيخ أحمد النواف قائلا “إنجازاتك في المجلس المبطل هي رواتب استثنائية لك ولوزرائك واستثناءات تتجاوز ما تم خلال عشر سنوات، وكذلك العفو عن مجموعة صغيرة وتوحيد لون بشوت الوزراء”. وأضاف “أنت يا سمو رئيس مجلس الوزراء لست اختيارنا، بل اختيار سمو الأمير وعلينا احترام هذا الاختيار، ونحن لسنا اختيارك، وانتخبنا الشعب في انتخابات نزيهة لا لغط فيها، والقضاء مستقل وفقا للدستور”.
وتابع الغانم “إن هناك حكما صادرا من المحكمة الدستورية، ويا سمو رئيس الوزراء المحترم هل تحترم هذا الحكم؟ وإذا تحترمه هناك خارطة طريق للخروج من عنق الزجاجة وإذا كنت لا تحترم الحكم، عليك أن تعلن صراحة عن ذلك”. وشدد الغانم “لن نسمح بتكرار إبطال مجلس الأمة”، سائلا رئيس الوزراء “كيف ستدير البلد إن لم تكن قادرا على ضبط إجراءات الحل؟”، مضيفا “إن وجودك الآن خطر على البلد”.
وأضاف “نريد الانتخابات (البرلمانية) اليوم قبل غد (..) لكن ما نريد الذهاب إلى انتخابات وبعد ذلك يبطل البرلمان لأن الإجراءات غير سليمة”، داعيا إلى إنهاء تلك الإجراءات في جلسة واحدة بحضور الحكومة. وأضاف الغانم متوجها للشيخ أحمد النواف إذا “كنت تريد اتباع حلول غير دستورية لحل المجلس فعليك تحمل مسؤولية ذلك منفردا”.
وتعكس تصريحات رئيس مجلس الأمة رغبة مبطنة في استمرار المجلس العائد إلى حين ترتيب الأمور وإصدار تشريعات جديدة بشأن الانتخابات، وهو ما يعني في واقع الأمر إكمال المجلس الحالي لولايته، وهذا أمر يبدو أنه مرفوض من قبل رئيس الوزراء المكلف كما هو الشأن بالنسبة للمعارضة الكويتية، التي ترفض الإقرار بمجلس الغانم.
العرب