مخاوف تركية وراء تعليق الطيران إلى السليمانية… فما هي؟

مخاوف تركية وراء تعليق الطيران إلى السليمانية… فما هي؟

كشف قرار أنقرة تعليق رحلات طيرانها المدني إلى محافظة السليمانية وتحذيراتها من مغبة تزايد نشاط حزب “العمال” في منطقة نفوذ حزب “الاتحاد الوطني” عن هواجس تركية من مشروع كردي قد يقوض نفوذها السياسي والعسكري على الجانبين الكرديين العراقي والسوري، فما هي المبررات والمخاوف التركية؟ وكيف ستنعكس على مستقبل إستراتيجية إقليم كردستان العراق ضمن المعادلة الإقليمية وفي ظل استمرار الانقسام بين الحزبين التقليديين الحاكمين في الإقليم منذ ثلاثة عقود؟

أعلنت الخارجية التركية الأربعاء أن قرار تعليق الرحلات الجوية التركية إلى مطار السليمانية (بمعدل رحلتين يومياً) منذ الثالث من مارس (آذار) الماضي جاء بسبب تزايد أنشطة منظمة حزب “العمال” الكردستاني الإرهابية في المطار، قبل أن يصدر تحذير شديد اللهجة عن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن هدد فيه بأن بلاده “ستتحرك في حال أصبح هذا النشاط مصدر تهديد لتركيا”، وقال “نعلم أن لديهم وجوداً خطراً للغاية في السليمانية، ولن نتغاضى عن ذلك”.

نشاط يتجاوز الحدود

وتعزو أوساط سياسية رد فعل أنقرة بزيارة كان أجراها زعيم الاتحاد بافل طالباني في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى مدينة الحسكة السورية ولقائه قائد قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصاراً بـ “قسد” مظلوم عبدي وقيادات كردية موالية لحزب “العمال”، ولاحقاً مشاركة قائد قوات مكافحة الإرهاب التابعة للاتحاد وهاب حلبجي في مراسيم تشييع عناصر وقيادات عسكرية من “قسد” في الحسكة قتلوا في الـ 15 من مارس الماضي إثر تحطم مروحيتين في محافظة دهوك كانا في طريقهما إلى مناطق خاضعة لحزب طالباني.

وأفادت مصادر بأن هناك زيارة تجريها منذ أيام إلى السليمانية الرئيسة المشاركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إلهام أحمد، وتداولت صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لها خلال إقامتها.

من جانبه نفى العضو البارز في الاتحاد غياث سورجي لـ “اندبندنت عربية” صحة الاتهامات التركية، قائلاً إن “قرار تعليق الرحلات ليس بجديد، لكن من الواضح أنه رد على مواقف بافل طالباني المساند لكرد سوريا، والدعوة التي كان وجهها لمناسبة عيد نوروز قبل أسبوعين إلى إطلاق المعتقلين من القيادات الكردية في تركيا، لذا تحاول أنقرة معاقبة منطقة نفوذ الحزب على رغم أن المطار خاضع للسيادة العراقية عموماً وليس للحزب أو الإقليم”.

وأكد سورجي نهج حزبه في “أنه مع حق الأكراد أينما كانوا بأن يحصلوا على حقوقهم بالأساليب المدنية، لكن ليست للحزب أية قنوات مباشرة أو غير مباشرة مع حزب العمال، بل له علاقات مع إخواننا الأكراد في سوريا، ونحن لا نرى أنهم إرهابيون كما تصفهم تركيا”.

ويرتبط حزب طالباني الذي يتمركز نفوذه في السليمانية ومناطق تمتد بين جنوب وشرق إقليم كردستان باتجاه الحدود مع إيران، بعلاقة وطيدة مع حزب العمال، بخلاف الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني شريكه في إدارة حكم الإقليم والذي يتمتع بإدارة شبه مطلقة على محافظتي أربيل ودهوك ومعظم المناطق باتجاه الشمال نحو الحدود مع تركيا.

وفي ما إذا كان ذلك يعكس انقساماً حاداً في سياسة الإقليم مع الدول المحيطة، قال سورجي إن “أنقرة هي من تسببت بتقسيم الإقليم وظهور نظام حكم الإدارتين إبان الحرب الأهلية بين الحزبين منتصف تسعينيات القرن الماضي، وشنت هجمات على حزبنا وتمكنت لاحقاً من إنشاء قواعد عسكرية لها في محافظتي أربيل ودهوك”.

وأردف أن “تركيا تطلق على الإقليم تسمية شمال العراق بدلاً من إقليم كردستان ككيان مثبت في الدستور العراقي، ولا تزال لها أطماع فيه وتحاول استعادة ولاية الموصل وكذلك كركوك وغيرهما من المناطق التي كانت خاضعة لها في فترة الإمبراطورية العثمانية”.

إرث من التوتر

وهذه هي المرة الثانية التي تعلق فيها أنقرة رحلاتها الجوية إلى السليمانية، إذ سبق أن اتخذت قراراً مماثلاً شمل مطار أربيل أيضاً كإجراء عقابي على خوض الإقليم استفتاء للانفصال في أواخر سبتمبر (أيلول) 2017، ثم ألغته عن أربيل في يوليو (تموز) 2018، وأبقته على السليمانية حتى مطلع عام 2019م

وكان التوتر بلغ ذروته بين أنقرة وحزب طالباني عام 2017 عقب اختطاف حزب العمال ضابطي استخبارات تركيين في السليمانية، مما جعل تركيا تغلق على أثره مكتب الاتحاد في أنقرة وقامت بطرد ممثله بهروز كلاليي.

ويشار إلى أن طائرات تركيا استهدفت خلال سنوات لاحقة وفي أكثر من مناسبة عناصر وقياديين من حزب العمال في مناطق واقعة ضمن نفوذ الاتحاد، وفقاً للجيش التركي، على رغم أن أنقرة كانت سعت إلى استمالته في مايو (أيار) الماضي عندما أجرت محادثات مع قياداته، فهي تنظر بأهمية إلى منابع الغاز الطبيعي الواقعة ضمن منطقة نفوذ الحزب الذي يسعى إلى تحرير مصالحه من الاعتماد كلياً على إيران، لكن مشكلة حزب العمال لا تزال تشكل العائق الرئيس لتحقيق التقارب بين الطرفين.

ويرى الباحث المتخصص في الشأن الكردي والمقيم في أربيل كفاح محمود أن “الخطوة التركية جاءت بعد انفضاح أمر الخط الجوي السري الذي كانت تستخدمه مجاميع من كوادر ومقاتلي حزب العمال بين مناطق الإدارة الذاتية (الإدارة الكردية في سوريا) وسنجار (غرب نينوى) وجبال قنديل (معقل حزب العمال عند الحدود بين الإقليم وتركيا) ومقارهم في السليمانية، وبطائرات مملوكة لجهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية سقطت في قرى عند أطراف محافظة دهوك”.

ولفت إلى أن “الحادثة أعقبت زيارة السيد بافيل إلى شمال شرقي سوريا الواقع تحت سيطرة مجموعة لها علاقة بحزب العمال في كل من قنديل وسنجار، ووجود قواعد ومقار لهذا الحزب الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية في السليمانية وأطرافها، دفع الأتراك إلى اتخاذ هذا الإجراء الموقت في محاولة للضغط على إدارة السليمانية لتجميد أو منع نشاطه وحركاته في هذه المنطقة من إقليم كردستان”.

ويمثل التناقض في شكل علاقة الإقليم الكردي مع محيطه انعكاساً للانقسام والتنافس التقليدي القائم تاريخياً بين الحزبين والذي اتسع منذ نحو عام بعد سنوات من الاستقرار الذي تحقق بفعل إبرامهما اتفاق شراكة لإدارة الحكم، كما فرض عنصر الجغرافيا تأثيره في اتجاه سياسة ومصلحة الحزبين في أن يرتبط حزب بارزاني بمصالح اقتصادية حيوية متمثلة بسيطرته على معبر إبراهيم الخليل، وهو المعبر الرئيس الوحيد بين العراق وتركيا، فضلاً عن وقوع خط أنابيب النفط الكردي ضمن مناطق نفوذه، في حين يدير حزب طالباني عدداً من المعابر وجميعها مع إيران.

لكن تشتت منابع الطاقة مثل النفط والغاز بين منطقتي النفوذ يستلزم في النهاية وجود شراكة بين الحزبين على رغم ما تشهده علاقتهما بين حين وآخر من أزمات وخطاب متشنج بسبب الخلاف على تقاسم الإيرادات والنفوذ.

ورقة لانتزاع الشرعية

ويدرج المحلل الكردي كمال جوماني المقيم في ألمانيا هذا التوتر ضمن “الإستراتيجية التركية التي كانت على مر تاريخها الحديث تحاول إبقاء الأكراد في انقسام وتشرذم، وبناء عليه ترفض بشدة أي تعاطف من الإقليم تجاه كردها أو كرد سوريا”.

ويضيف أن “حزب بارزاني يرتبط بمصالح وثيقة مع تركيا بينما لا يمتلك حزب طالباني السبل لخلق علاقة مماثلة، بحكم سيطرة حزب بارزاني على القرار السياسي في الإقليم، وهو ما يدفع حزب طالباني باتجاه آخر وهو التعاطف أو دعم الحركات والجماعات الكردية في المنطقة، لذا يسعى بافل طالباني إلى استعادة نفوذ حزبه من خلال فتح قنوات بديلة لاكتساب الشرعية، مدفوعاً بقناعة أن سياسة نظيره الديمقراطي تتم على حساب بقية الشعوب الكردية في المنطقة”.

ويؤكد جوماني “صعوبة فهم ما إذا كان تحرك حزب طالباني يمكن اعتباره تكتيكاً أم إستراتيجية، لكنه يبقى السبب الرئيس وراء قرار أنقرة الأخير، فالحزب يحاول تعزيز علاقته مع حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا (الجناح السياسي لحزب العمال) وكذلك مع الأكراد في سوريا، وترى هذه الأطراف أن الشعب الكردي في إطار المتغيرات الحاصلة في الشرق الأوسط والعالم عموماً يجب أن يتعامل كأمة مستقلة ولها مكانتها”.

وتابع، “طبعاً هذا يتطلب بدوره وجود وحدة قومية، فالمشروع كان مطروحاً عام 2013 لكن حزب بارزاني كانت لديه تحفظات وشروط، وإذا ما نجح هذا المسعى فسينتزع بساط تمثيل الأكراد في العراق عن “الديمقراطي”، وحتى على صعيد الأكراد في الدول المجاورة ليكون ممثلاً عنهم أمام المجتمع الدولي، لذا فإن أنقرة ترى في ذلك خطورة كبيرة”.

وحول أسباب غياب نهج موحد لدى الإقليم في شأن الملفات الشائكة مع دول الجوار، يقول جوماني إن “الانسقام بين الحزبين قائم تاريخياً وسيستمر وانعكاساته واضحة، فهما يتعاملان بشكل متناقض وفقاً لمقتضيات حزبية وليس من أجل الإقليم، على رغم محاولات الدولة الغربية الرامية إلى توحيد إدارتهما، ونلاحظ اليوم أن رئيس الحكومة مسرور بارزاني لم يصدر عنه إلى الآن أي موقف في شأن تعليق الرحلات، وقد يكون له دور في ذلك”.

وختم أن “حزب الاتحاد يمر بمرحلة حساسة من تاريخه، وإذا لم يستطع أن يغير من سياسته داخلياً وخارجياً بشكل مختلف عن حزب بارزاني، فإنه سيضعف أكثر مما هو عليه الآن، وهو يعيش حالاً من الفراغ في الشرعية على مستوى زعامة وقيادة الحزب، ويبحث عن مشروع مع الأكراد في سوريا وتركيا ليظهر استقلالية في قراره السياسي بعيداً من سياسة نظيره الديمقراطي المتماهية مع تركيا”.

اندبندت عربي