تشهد الساحة الموريتانية هذه الأيام جدلا واسعا على خلفية تصريحات تركية هي أشبه ما يكون باعتراف باستنزاف الأساطيل التركية للثروة السمكية في البلد المغاربي المطل على المحيط الأطلسي، ودفع هذا الجدل السفارة التركية لدى نواكشوط إلى الخروج ببيان ونفي الأمر.
نواكشوط – عاد ملف الصيادين الأتراك إلى الواجهة في موريتانيا على خلفية تداول وسائل إعلام محلية تصريحات منسوبة إلى رئيس اتحاد منتجي المأكولات البحرية في إزمير بتركيا محمد أكسوي تحدث فيها عن أن السفن التركية العاملة في المياه الإقليمية الموريتانية لا تلتزم بالحصص المتفق عليها، وأنها “مسحت البحر من السمك مسحا”.
وأثارت تصريحات أكسوي المتداولة ضجة واسعة في موريتانيا وسط مطالبات بضرورة تدخل سلطات البلاد لوقف استنزاف الثروة السمكية من قبل الصيادين الأتراك.
ولطالما حذر الموريتانيون، وبينهم مسؤولون، من تراجع خطير في الثروة السمكية في البلاد خلال السنوات الأخيرة نتيجة التجاوزات التي يرتكبها الصيادون الأتراك، وكانت الحكومة الموريتانية أعلنت قبل أكثر من عام عن اعتزامها فتح تحقيق في الغرض، لكنها لم تكشف حتى الآن أي نتائج بشأنه.
وتملك موريتانيا المطلة على المحيط الأطلسي ثروة سمكية هائلة، أثارت أطماع تركيا التي وقعت في العام 2017 اتفاقيات مع نواكشوط بشأن استغلالها، لكن أساطيل الصيد التركية لم تلتزم بالحصص المتفق عليها، ما أدى إلى تراجع خطير في الأسماك فيما بات البعض من أصنافها مهددا.
ووفقا لنشطاء في مدينة نواذيبو الموريتانية فإن الأساطيل التركية تصطاد كل أنواع الأسماك بما في ذلك التي يحجر صيدها في فترات محددة من العام، وتستخدم هذه الأساطيل معدات وأدوات أضرت كثيرا بحواضن الأسماك وأخلّت بالتوازن البيئي.
◙ السفارة التركية لدى نواكشوط تصدر بيانا الثلاثاء تنفي فيه أن يكون “الصيادون الأتراك أنهوا السمك في موريتانيا”
ويقول البعض من أهالي المدينة الساحلية إن القوارب التركية الكبيرة تتعمد أحيانا الاصطدام بالقوارب الصغيرة للصيادين الموريتانيين وتتسبّب في غرقها وفي وفيات ضمن صفوف هؤلاء البحارة.
وقال رئيس اتحاد منتجي المأكولات البحرية في إزمير، في معرض رده على أسئلة من لجنة الصيد في البرلمان التركي مؤخرا، إن “السفن التركية مسحت البحر مسحا من السمك، وعلى الدولة التركية أن توفر للصيادين وجهة جديدة”.
وأضاف أكسوي أنه عندما كان في موريتانيا أقنع الحكومة بضرورة العمل بنظام الحصص في الصيد السطحي، مشددا على أن الصيادين الأتراك لم يكونوا ملتزمين بهذه الحصص.
وذكر أنه أول صياد تركي يذهب إلى موريتانيا، مخاطبا رئيس اللجنة كوكتاش بقوله “اليوم انتهينا من صيد السمك في موريتانيا. جد لنا أماكن جديدة”. وشدد أكسوي على وجوب ممارسة الصيد المستدام، وإلا فقد تنتهي هذه المهنة، وقال “قد أكون آخر القباطنة”.
وتزامنت تصريحات أكسوي مع كارثة بيئية تشهدها سواحل نواذيبو متمثلة في نفوق كميات كبيرة من أسماك البوري، عزا المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد في بيان له أسبابها إلى “الصيد المرتجع، وتلوث الوسط البحري”.
وفي موريتانيا سرت تصريحات رئيس اتحاد منتجي المأكولات البحرية بتركيا كالنار في الهشيم ، وسط نذر تصعيد من قبل البحارة والنشطاء الموريتانيين، للمطالبة بوقف الاتفاقيات المبرمة مع أنقرة في هذا الإطار.
ودفع هذا الوضع السفارة التركية لدى نواكشوط إلى إصدار بيان الثلاثاء نفت فيه أن يكون “الصيادون الأتراك أنهوا السمك في موريتانيا”. وقالت السفارة في بيانها إن تلك الادعاءات “غير صحيحة ولا أساس لها ومتعمدة”، مبينة أن السفن التركية العاملة بصيد الأسماك قبالة سواحل موريتانيا تقوم بأنشطتها تماشيا مع مبادئ الصيد المستدام ووفقا للوائح المنظمات الإدارية الدولية والمحلية.
وأضافت أن الصيادين الأتراك في موريتانيا يعملون بمعرفة السلطات، مستوفين الإجراءات الرسمية اللازمة وملتزمين “حرفيا” باللوائح الداخلية للسلطات الموريتانية، من قبيل حدود الحمولة والقيود المفروضة على مناطق حظر الصيد.
وتابعت “يساهم الصيادون الأتراك بشكل كبير في نقل الأسماك المجمدة التي يتم صيدها في موريتانيا إلى العالم أجمع، وفي الإنتاج الصناعي والحياة الاقتصادية المحلية من خلال إمداد المصانع، لاسيما الموجودة في مدينة نواذيبو، بالأسماك”.
وأشارت إلى أن كفاءة الصيادين الأتراك في مهنتهم تحظى بتقدير السلطات الموريتانية، وأن أصحاب السفن المحلية خاصة في ميناء تانيت بالعاصمة نواكشوط يفضلون العمل معهم.
وذكرت أيضا أن قرابة 40 سفينة صيد تركية توفر فرص عمل للكثير من الموريتانيين، وأن القباطنة الأتراك يدربون الموريتانيين على إدارة السفن ما يسهم في تطوير قطاع صيد الأسماك في البلاد.
ويرى مراقبون أن بيان السفارة التركية يعكس قلقا لدى أنقرة من إمكانية اتخاذ نواكشوط قرارات بشأن الصيادين الأتراك، في ظل الضغوط الشعبية المتصاعدة، التي تطالب بضرورة وقف عملية الإبادة الجارية للثروة السمكية.
وكان الوزير الأول الموريتاني محمد ولد بلال قد تعهد في العام 2021 بالتحرك من أجل حماية ثروة البلاد السمكية، في رد حينها على تقرير رسمي، سلط الضوء على الاستنزاف التركي.
وقال الوزير خلال جلسة برلمانية آنذاك إن الحكومة الموريتانية انتدبت مكتبا متخصصا للتحقيق في هذه القضية على مستوى البحر، مؤكدا أن الحكومة ستتصرف على ضوء التوصيات التي ستصدر عن هذا التحقيق لحماية ثروة البلاد السمكية وتنظيم قطاع الصيد.
◙ بيان السفارة التركية يعكس قلقا لدى أنقرة من إمكانية اتخاذ نواكشوط قرارات بشأن الصيادين الأتراك
ورغم مرور أكثر من عامين على تلك التعهدات التي أطلقها ولد بلال، لم يلمس الموريتانيون أي نتائج، ولا يعرف بعد مصير ذلك المكتب وما خلص إليه.
وفي وقت سابق كشفت رسالة من والي نواذيبو الموريتانية، توجه بها إلى وزارة الصيد، عن حجم الكارثة والمخاطر المحدقة بالثروة السمكية جراء استنزاف الأسطول التركي لها.
وسلطت الرسالة الضوء على تراجع مخزون الأخطبوط في موريتانيا، وأرجعت الانخفاض الحاد إلى استنزاف الثروة السمكية من قبل الأسطول التركي ، وطالب في رسالته السلطات بوقف هذا الاستنزاف عبر “تشديد الرقابة” على الأسطول التركي. وأوصى والي نواذيبو أيضا بضرورة إغلاق مصائد البلاد البحرية أمام اصطياد الأخطبوط لبضعة أشهر، خاصة أنه من أهم صادرات البلاد.
ووفق أرقام رسمية، تحوي مياه موريتانيا الإقليمية نحو 300 نوع من الأسماك، من بينها 170 نوعاً قابلا للتسويق عالميا. وتصنف المنظمة العالمية للأغذية والزراعة (فاو) موريتانيا ثاني أكبر بلد أفريقي في إنتاج الأسماك بعد المغرب، وتحتل المرتبة العشرين عالميا.
العرب