الخرطوم- أزعجت حرب البيانات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قوى داخلية وخارجية وحركات مسلحة عديدة، خوفا من حدوث انفلات أمني في ظل الاستنفار الذي ظهرت بوادره خلال اليومين الماضيين، ما دفعها إلى القيام بتحركات مكوكية لتطويق الأزمة.
وأعلن ثلاثة من رؤساء الحركات المسلحة الخميس بذل مساع بين الجيش وقوات الدعم السريع لإنهاء التوتر ونزع فتيل الأزمة الأمنية، هم: رئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس الحركة الشعبية – شمال، مالك عقار.
واعتبرت دوائر سياسية أن خروج الطلقة الأولى من أي طرف ستنجرّ عنه تداعيات سلبية خطيرة جدا على البلاد ودول الجوار، وأن حدوث اشتباك عسكري بين الجانبين سيمنح فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير فرصة القفز إلى السلطة.
وتخشى قوات الدعم السريع عواقب هذا السيناريو، وأظهرت استعدادا للتجاوب مع جهود الوساطة لتفويت الفرصة على المتربصين، وقدمت تفسيرات إجرائية لانتشار قواتها في مروي وبعض المدن الأخرى، بهدف الحفاظ على أمن السودان واستقراره.
وقالت مصادر لصحيفة “الديمقراطي” السودانية الخميس إن السعودية “اقترحت سحب قوات الدعم السريع من مروي، على أن يُعالج لاحقاً الوجود العسكري المصري بالقاعدة الجوية السودانية”، في إشارة إلى تمركز طائرات مصرية في قاعدة مروي ضمن مناورات “نسور النيل” التي يجريها جيشا البلدين، غير أن بقاءها فترة طويلة فسح المجال لشكوك في إمكانية انحيازها لطرف على حساب آخر.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن “وجود الطائرات في قاعدة مروي يعود إلى أسباب تدريبية عسكرية خاصة بالتعاون بين جيشي البلدين”، متوقعة عودتها سريعا إلى القاهرة لقطع الطريق على محاولات استثمارها سياسيا في الأزمة الراهنة.
وشددت المصادر ذاتها على عدم تدخل مصر الدائم في الأزمة السودانية، لأنها تعلم طبيعة الأجواء القاتمة، والتي تقوم فلول البشير بتوظيفها في التعبئة ضد القاهرة لخلط الأوراق في السودان، والتخلص من القوى السياسية المناوئة لها في السودان.
ويجد أنصار البشير في تغذية الصراع العسكري مدخلا مناسبا لتقويض دور قوات الدعم السريع التي أعلن قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) موقفه منهم صراحة، ويعمل مع قوى الثورة على تأسيس دولة مدنية ديمقراطية خالية من الفلول والإخوان معا.
وجاء الحشد العسكري لقوات الدعم السريع في منطقة مروي بعد توتر متصاعد في العلاقة مع الجيش يعمل فلول البشير على تأجيجه منذ فترة، وفي ظل طموحات ليست خافية من قبل قائد الجيش للاستحواذ على السلطة وعدم تمكين القوى المدنية منها.
وحذر الجيش السوداني مما وصفه بتحشيد قوات الدعم السريع في الخرطوم وأماكن أخرى دون موافقة قيادة الجيش أو التنسيق معها، واصفا ذلك بـ”تجاوز للقانون”.
وقالت قوات الدعم السريع إن وجودها في مروي بالولاية الشمالية جاء ضمن وجودها في بقية الولايات ومنسجما مع مهامها وواجباتها التي تمتد حتى صحراء دارفور، وقدمت شهداء وجرحى لتحقيق الأمن والطمأنينة للمواطنين.
◙ أنصار البشير يجدون في تغذية الصراع العسكري مدخلا مناسبا لتقويض دور قوات الدعم السريع وقطع الطريق أمام قائدها
ودحض بيان لها ما روجته بعض وسائل التواصل الاجتماعي من مزاعم قالت إن قوات الدعم السريع “قامت بأعمال حربية تجاه مطار مروي”، وهو ما وصفه البيان بأنه معلومات “كاذبة ومضللة”.
وتضطلع قوات الدعم السريع، وهي قوات قومية، بعدد من المهام والواجبات التي يكفلها لها القانون، وتعمل بتنسيق مع قيادة القوات المسلحة وبقية القوات النظامية الأخرى في تحركاتها.
وحذر رئيس حزب الأمة القومي اللواء المتقاعد فضل الله برمة ناصر من أن الوضع بات خطيرا جداً، ودعا قادة الجيش وقوات الدعم السريع والأحزاب إلى اجتماع عاجل بمقره في مدينة أم درمان الخميس، عقد بحضور قيادات من المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية في قوى الحرية والتغيير، وعدد من قدامى المحاربين.
وأوصى اجتماع حزب الأمة بتشكيل لجنة من قدامى العسكريين برئاسة برمة ناصر، تلتقي (مساء الخميس) بكل من البرهان وحميدتي لبحث الأزمة الراهنة، وعقد جلسة أخرى الجمعة تضم قوى متعددة لوضع رؤية واضحة للعملية السياسية.
وذكر المحلل السوداني مجدي عبدالعزيز أن انتقال الأزمة من النقاش السياسي والفني إلى التحشيد وإعادة التموضع جعل المشهد مفتوحا على كل الاحتمالات.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الموقعين على الاتفاق الإطاري يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية أزمة أوجدها الاتفاق نفسه بإثارته قضايا مصيرية، مثل دمج قوات الدعم السريع في الجيش، يصعب الوصول فيها إلى حلول خلال فترة انتقالية، وهؤلاء افتقروا إلى القدرة على حل الأزمة المتفجرة في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي ظهرت نتائجها في زيادة التأزم”.
وتابع “الفرصة مواتية للقوى السياسية خارج الاتفاق الإطاري، تحديدا الكتلة الديمقراطية بقوى الحرية والتغيير، للقيام بدور مهم في حل الأزمة، فهي ليست طرفا في خلق الأزمة، وتمثل شكلا متوازنا في العملية السياسية، شريطة أن تنتهي عملية الإقصاء والاستحواذ التي مارسها المجلس المركزي بالحرية والتغيير، والباب مفتوح بين الكتلة وقيادات الجيش وقوات الدعم السريع بعد أن جرت لقاءات كثيفة بينهم مؤخرا”.
ويعد الفصل الأخير من الخلاف بين البرهان وحميدتي من أصعب الفصول التي حدثت بينهما منذ سقوط نظام البشير، والذي لعبت فيه قوات الدعم السريع دورا مهما في تمكين الثورة من الانتصار عليه وفسح المجال أمام التحول الديمقراطي.
وأبدى المحلل السياسي السوداني محمد تورشين مخاوفه من تأثير التباين بين الجيش وقوات الدعم السريع على العملية السياسية الجارية، وإدخالها في المزيد من التعقيدات التي تؤخر طي المرحلة الانتقالية، فاحتداد الأوضاع نذير خطر على الأمن والاستقرار في البلاد ويتطلب معالجة سريعة لمنع حدوث انفلات قد تصعب السيطرة عليه.
وأوضح لـ”العرب” أن “المسألة تتجاوز الفترة المطلوبة لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وتتعلق باهتزاز الثقة بين الطرفين، فالبرهان لديه خطط متعددة للدمج وتتوافر له بدائل للاستفادة من التجارب السابقة في السودان ودول عربية مختلفة، بينما حميدتي يخشى حدوث مفاجآت سياسية ويبحث عن الاطمئنان لما يتم اتخاذه من خطوات في مجال الدمج وتوابعه”.
ويقول متابعون إن قوى إقليمية ودولية عديدة لن تسمح بأن يغرق السودان في جحيم اشتباكات عسكرية تؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، وتستفيد منها جماعات متطرفة ومرتزقة وميليشيات ترى في فوضى السودان مدخلا لتحقيق مكاسب.
العرب