خريطة نشاط “داعش”: التداعيات على السياسة الأميركية لمكافحة الإرهاب

خريطة نشاط “داعش”: التداعيات على السياسة الأميركية لمكافحة الإرهاب

في 21 آذار (مارس)، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع هارون زيلين وجينا ليغون وتوماس هيجهامر لإطلاق “الخريطة المختارة للأنشطة العالمية لتنظيم “داعش””، وهي أرشيف عام واسع النطاق يوفر طريقة يسهل الوصول إليها للبحث عن مدى الوصول العالمي للتنظيم وتتبعه وفهمه.

وزيلين هو “زميل ريتشارد بورو” في “برنامج رينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” التابع للمعهد. وقاد مشروع الخريطة التفاعلية، المكرس لذكرى السيد بورو.

وليغون تدير “المركز الوطني للابتكار والتكنولوجيا والتعليم في مجال مكافحة الإرهاب” في جامعة نبراسكا أوماها. وهيجهامر هو زميل أقدم في مجال السياسات في “كلية أول سولز” بجامعة أكسفورد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم.
* * *
هارون ي. زيلين
يعمل موظفو معهد واشنطن على إعداد خريطة تستعرض أنشطة تنظيم “داعش” منذ آب (أغسطس) 2021، بهدف توفير طريقة جديدة لفهم أنشطة التنظيم وتوضيحها بشكل أفضل مما يوفره النص وحده.

وتتخطى هذه الأداة أيضاً حدود التركيز الأكاديمي التقليدي على البيانات المتعلقة بالهجمات، حيث تقدم محتوى من وسائل الإعلام التابعة للتنظيم والتصنيفات والقضايا القانونية.

ربما تراجعت درجة التغطية الإخبارية لتنظيم “داعش”، إلا أن عودة الجهاديين قد تحدث في أي وقت، لا سيما بالنظر إلى نمو “ولايات” التنظيم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي جنوب آسيا.

والمثير للقلق أيضاً هو تنشئة الأجيال على عقيدة التنظيم داخل المخيمات السورية مثل مخيم الهول.

قبل تغّير اسم التنظيم وظهوره مجدداً في العام 2013، اعتقد الكثيرون من المسؤولين والباحثين أن تنظيم “داعش” وأسلافه قد هُزموا. واليوم يعيد التاريخ نفسه في مرحلة “ما بعد السيطرة على الأراضي”.

وفي حين أن التركيز على كوكبة واسعة من المخاوف الجيوسياسية الملحة الأخرى حالياً هي أمر مبرر بلا شك، إلا أنه لا ينبغي اعتبار الهدوء الحالي بين عمليات التعبئة الجهادية واسعة النطاق على أنه نهاية التحدي.

وسواء استعاد تنظيم “داعش” السيطرة على الأراضي واستأنف عملياته الخارجية على نطاق واسع أم لا، ستوفر الخريطة التفاعلية الجديدة للمعهد مخزوناً كاملاً في متناول الباحثين والمسؤولين لفهم ما يحدث.

وعلى الرغم من أن الخريطة تتضمن كميات كبيرة من المعلومات، إلا أنها تفصل بعناية المعلومات القيّمة عن المعلومات التي لا طائل منها، وبالتالي تصحّح فيض البيانات غير المنظمة التي تغمر المجال العام بشأن تنظيم “داعش”.

وسيجد المستخدمون مواجز مكثفة واضحة وحسنة التصنيف تروي القصة الأكبر للتنظيم. ولا تهدف الخريطة إلى تتبع كل عملية من عمليات التنظيم، بل إلى جمع نقاط المعلومات الرئيسية منذ تأسيس التنظيم في هرات، أفغانستان، في العام 1999.

وبالطبع ازداد التنظيم نشاطاً بعد سنواته الأولى، إذ أظهر زيادة هائلة في هجماته وجهوده لوصف مشروعه. وفي الواقع، تسلط الخريطة الضوء على طبيعة التنظيم العابرة للحدود الوطنية من خلال تحليل حملته الدعائية متعددة اللغات، والقضايا القانونية المتعلقة بأنشطته في جميع أنحاء العالم.

والمميز في هذه الخريطة هو أنها تكاد تكون مأخوذة بالكامل من المصادر الرئيسية الأولية. فهي مستمدة من البيانات الإعلامية الرسمية للتنظيم، والبيانات الصحفية الحكومية، ووثائق المحاكم، ويمكن البحث فيها وفقاً للفئة والموقع والكلمات الرئيسية ومختلف مراحل التنظيم وتسمياته.

وتحتوي الخريطة أيضاً على إحصاءات حول الهجمات العالمية تستند إلى الإدعاءات التي كان التنظيم يتبنّى فيها الهجمات عبر نشرته الإخبارية الأسبوعية “النبأ”، والتي يعود تاريخها إلى تموز (يوليو) 2018 عندما بدأ التنظيم بمشاركة مثل هذه البيانات بصورة أكثر انتظاماً ومنهجية.

والجدير بالذكر أن الخريطة لا تتضمن أي محتوى مرئي عنيف يتعلق بالأشخاص، حتى عندما تعرض صوراً لأعمال عنف مثل حرق المباني والتباهي بإسقاط الضحايا.

فالهدف ليس مراقبة واقع تطرف التنظيم ووحشيته، بل إعطاء الأولوية لراحة المستخدمين الذهنية.

إنّ إطلاق هذه الخريطة ما هو إلا بداية مشروع “حي” سيشهد تحديثات مستمرة تغطي التطورات الجديدة والتعديلات على الإدخالات القديمة.

وتشمل الإضافات المستقبلية المحتملة ميزة التصفية وفق الجدول الزمني، التي ستسمح للمستخدمين بتفصيل البيانات بشكل أفضل.

وقد تتضمن الإدخالات الأخرى معلومات تتعلق بـ “برنامج المكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية، وبيانات صحفية صادرة عن البنتاغون و”القيادة المركزية الأميركية” بشأن مقتل قادة التنظيم، ومعلومات عن إعادة أعضاء التنظيم السابقين إلى أوطانهم.

وتوفر المقالة التمهيدية والفيديو التعليمي للخريطة مزيداً من التفاصيل التقنية حول كيفية الوصول إلى هذه النقاط ومقارنتها. ونشجّع المستخدمين على إرسال ملاحظات ومستندات محددة أو عامة باستخدام أداة البريد.
* * *
جينا ليغون
يستند هذا المشروع إلى عمل هارون في موقع Jihadology.net ويوفر ترتيباً رائعاً للمحتوى الخاص بالتنظيم وتنسيقاً سهلاً. ومع تحويل موارد الحكومة الأميركية بعيداً عن مكافحة الإرهاب ونحو منافسة القوى العظمى، أصبح لدى المحللين الأميركيين اليوم عدد أقل من التطبيقات والتدريبات حول هذا الموضوع مما كان متوفراً خلال الحرب على الإرهاب.

لذلك، ستكون هذه الخريطة أداة مفيدة للغاية للمحللين، وخاصة أولئك الذين يتتبعون الأعمال العابرة للبلدان. ويوفر مخزون المصادر الأولية معلومات غنية عن عمليات “داعش” وتطوره التنظيمي والتكتيكي، وهي معلومات ستكون مفيدة جداً للمحققين الجنائيين أيضاً.

بالإضافة إلى ذلك، تشكل هذه الخريطة أداة تعليمية غايةً في الفعالية، ومن المؤكد أنها ستُستخدم في الدورات الدراسية وبرامج الإعداد والتدريب للحكومة الأميركية وداخل الجامعات.

واستناداً إلى عملي في تقديم المنح لأبحاث مكافحة الإرهاب، أعلم أنها ستسهّل أيضاً إجراء الأبحاث المتقدمة حول تطوّر التنظيم وقيادته وجهازه الإعلامي، وحول إجراءات الحكومة الأميركية ضده.

وتتطلع الخريطة بشكل عام إلى مستقبل التعليم العالي للطلاب والمحللين الشباب الذين يفضلون استخدام أدوات الاستكشاف التفاعلية لاكتساب المعرفة حول القضايا المهمة مثل تنظيم “داعش”.
* * *
توماس هيجهامر
تقدم هذه الخريطة مساهمات متعددة في مجموعة الأبحاث المتعلقة بتنظيم “داعش”. فهي تشكل أداة مفيدة وموثوقة للاطلاع على لمحة عامة حول ماضي التنظيم وحاضره.

كما تبيّن مدى قدرة التنظيم على تجاوز الحدود الوطنية، الأمر الذي يسمح للمستخدمين بتحديد المناطق التي تشهد درجة عالية من النشاط في الشرق الأوسط وأفريقيا وأفغانستان وباكستان.

وباستخدام أدوات التصفية ذات الطبقات المتعددة، يمكن للباحثين الحصول على معلومات دقيقة للغاية عن أنشطة التنظيم.

وتوفر الخريطة أيضاً أداة جديدة لعرض البيانات، تمزج بين بيانات الحوادث والوثائق، مما يميزها عن الأدوات السابقة التي ابتكرها “الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب والردود على الإرهاب” (START) و”مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها” (ACLED).

ومن خلال هذا الجمع بين البيانات، توفر الخريطة نظرة عامة مبنية على أسس أفضل حول نشاط تنظيم “داعش”، في حين يوفر مظهرها طريقة أكثر إثارة للاهتمام لاستيعاب هذه المواد.

بشكل عام، يسلط المشروع الضوء على أهمية تجميع البيانات الجيدة والدقيقة للأبحاث. ويبعث أيضاً برسالة مهمة إلى السياسيين والمانحين حول أهمية دعم أعمال تجميع البيانات المتعلقة بالقضايا المهمة حتى إذا لم تكن هذه القضايا تتصدر نشرات الأخبار كل يوم.

الغد